الطب

الذاكرة الحديدية

وجود النهار يوحي بكل بديهية بوجود الليل، ولكن هل وجود الزهايمر وكل الأمراض التي تتعلق بالذاكرة الضعيفة والنسيان تشير إلى وجود مرض يعاني فيه المريض من تذكر كل شيء بدقة بالغة؟

ربما قد يكون هذا أغرب ما تقرأونه، ويوجد حالة مرضية تُدعَى “الذاكرة الفائقة” (hyperthymesia syndrome) – (Highly Superior Autobiographical Memory “HSAM”).
الذاكرة الفائقة مصطلح أطلقه علماء الأعصاب في جامعة “كاليفورنيا” على امرأة لديها القدرة على تذكر تفاصيل حياتها بدقة بالغة، نحن لا نتحدث هنا عن نوع الأكل الذي تناولته بالأمس فقط، بل نتحدث عن قدرتها وقدرة الحالات المرضية المشابهة لها على تذكر تفاصيل حياتهم بكل دقة على الرغم من انقضاء عشرات السنين على حدوثها. بالطبع تَركَّز اهتمام العلماء على دراسة ذاكرتهم من أجل محاولة توظيف فهمهم لهذه الحالة في علاج مرضى الزهايمر، ومرضى ضعف الذاكرة وأولئك الذين تعرضوا لإصابة في الدماغ.

عندما يتعرض الشخص لموقف يومي معتاد، مثلًا كتناول وجبة العشاء، فإن هذا الفعل يُخزَّن في الذاكرة قصيرة المدى لوقت محدد ثم يتلاشى، أما الأحداث الأكثر أهمية مثل أول اختبار له في الجامعة أو حادثة ما، فإنها لا تتلاشى بعد مرورها على الذاكرة قصيرة المدى، بل إنها تُخزَّن في الذاكرة طويلة المدى. وكذلك بالنسبة لمرضى الذاكرة الفائقة فإن كل الأحداث الهامة وغير الهامة، فإن بعد مرورها على الذاكرة قصيرة المدى فإنها تُعالَج بدقة شديدة ولا تُنسَى. هؤلاء الأشخاص يستطيعون تذكر تفاصيل من طفولتهم، لكن تفاصيل حياتهم بدءًا من سن العاشرة أو الثانية عشرة يتذكرونها بشكل أفضل.

على الرغم من اختلاف الحالات التي تم تشخيصها بالذاكرة الفائقة، في السن ونسبة الذكاء وطريقة الحياة إلا إنهم اشتركوا في الكثير من الأشياء، مثل كونهم يقضون الكثير من الوقت في التفكير بأحداث الماضي، وكل شخص منهم قادر على التركيز بدقة في هذه الذكريات لدرجة أنه قد يتشتت ويَشرُد عن واقعه، وهم أكثر عرضة لأحلام اليقظة والتهيؤات.

لم يتوصل العلماء لسبب حقيقي يؤدي لهذه الحالة، ولكن بعد فحص الدماغ وُجِد أن هناك مناطق ما في أدمغتهم مختلفة عن الأشخاص الطبيعية، ولم يتوصلوا إذا كانت هذه الاختلافات قد تسببت في حدوث المرض أو إذا حدثت بسبب زيادة استخدام الشخص لمناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة.

هذه الحالة قد تكون نعمة ونقمة في نفس الوقت، لأن الشخص يتذكر الأوقات السيئة كما يتذكر الأوقات السعيدة، وقد اشتكى البعض من كونه يتعثر ببعض الأحداث الأليمة التي يحاول تخطيها، ولكن بعضًا منهم يُدرِّب نفسه على التركيز على الذكريات السعيدة فقط.

المصدر 

 

كتابة: طه عبدالخالق

مراجعة: ياسمين محمد 

تصميم: عبدالرحمن سعد 

تحرير: إسلام حمدي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى