التنوع الجيني ودوره في الوقاية من الزهايمر
داء الزهايمر، في الغالب ستكون قد قابلتَ شخصًا أصيب به من قبل، هو داء مميِّز للشيخوخة. فهو المسؤول الرئيسي عن غالبية حالات الخَرَف؛ لأنه يغيِّر من تَطوُّر الدماغ ويؤدِّي إلى فقدان وظائفه. لذلك تجرَى العديد من الدراسات للسيطرة عليه. ففي دراسة حديثة أجراها باحثون بكلية الطب جامعة ستانفورد، وجدوا أنَّ التنوع الجيني لدى بعض الأفراد، يقي من الآثار الجسيمة لمرض الزهايمر أكثر مما لو كانوا يحملون بعض الجينات المختلِفة كليًا.
التنوع الجيني والزهايمر
نشرت مجلة “جاما نيرلوجي” في الثالث عشر من أبريل، أنَّ 15% من الأمريكيين من حاملي التنوع الجيني، الأكثر عرضة للإصابة بمرض الزهايمر، الذي غالبًا ما يأتي في إصدارات متنوِّعة، والتي تنتِج سِمات جديدة في الجينات، وبذلك تحد من المرض.
حوالي خمسة ملايين من الأمريكيين لديّهم أعراض الزهايمر، تشمل تقريبًا 1 من بين كل 15 شخصًا بعمر 65، وما يَقرُب من 1 من بين كل ثلاثة في عمر 85.
الأشخاص الأكبر سنًا، لديّهم قابلية لما يسمَّى “الضعف الإدراكي”، وما يَقرُب من نصف ممَن يصلون إليه، يتطور بهم إلى الزهايمر.
هنالك عقاقير يمكنها الحدّ من الأعراض، ولكن لا يوجَد ما يمنع تَطوُّر المرض أو يمد من عمر المريض.
أسباب الزهايمر
مسبِبات الزهايمر مجهولة إلى الآن، ولكن من المرجَّح أنه متعدِد الأسباب…
منذ ثلاثة قرون، تَمكَّن العلماء من معرفة أحد المُساهِمين الرئيسين في هذا الاضطراب، وهو “المُتغيِّر الجيني (APOE4)”. ويتكرر أكثر بثلاثِ مرات في مرضى الزهايمر عنه في الأشخاص غير المُصابين.
“جريسوس (Greicius)” -عضو في معهد “ووتساي(WuTsia)” للعلوم العصبية بجامعة ستانفورد، ومركز ستانفورد لأبحاث مرض الزهايمر- يقول: “الحصول على نسخة أو نسختين من (APOE4)، يعجِّل الإصابة بخمس أو عشر سنوات ولكن اتضح أنه ليس كل مَن يحمل (APOE4) عرضة للإصابة بالمرض”.
الأمر المُميِّز لهذا الداء، هو تَراكُم الرواسب الصمغية، أو اللويحات المُكوَّنة من بروتينات تسمَّى “بيتا أميلويد” في الدماغ. هذا الترسيب يبدأ قبل عشر سنوات من ظهور الأعراض.
يقول جريسوس: “بحُلول الوقت الذي تظهر فيه الأعراض على الشخص، يكون “الأميلويد” كحصان خارج الحظيرة”.
مُؤخَرًا، مكنتنا التكنولوجيا الحديثة من الكشف المُبكِر عن الزهايمر، بتحليل نسبة “البيتا أميلويد” والبروتينات الأخرى في السائل النخاعي. هذه المُؤشِرات الحيوية تجعل من المُمكِن التَنبُؤ ببدء الاضطراب قبل ظهور الأعراض الخارجية. أو تأكيد التشخيص الذي يتم التَوصُّل إليه وفقًا للمُلاحظات السلوكية.
حتى الآن، وجود نسختين من جين (APOE4) ليس دليلًا قاطعًا أنَّ هذا الشخص حامل لمرض الزهايمر.
وصول بعض الأشخاص لعُمر 85 و 90 بدون أي أعراض. فهم محميون بطريقة ما من التأثيرات الجسيمة للمرض بواسطة المُتغيِّر الجيني.
يتسائل جريسوس: “ما إذا كان بعض هؤلاء الأشخاص يتشاركون في المُتغيِّر الجيني الذي يقيهم من الزهايمر؟”.
دور جين (klotho)
يركِّز جريسوس ومعاونوه على نوع مختلِف من المُتغيِّرات الجينية في بروتين يسمَّى “klotho”، في دراسة أجرِيَت على الحيوانات. ارتفاع الـ “klotho” في الدم يدل على طول العُمر، يوجَد أدلة على أنَّ هذا يحدث في الإنسان أيضًا.
لأسبابٍ معقّدة، حَمْل نسخة واحدة من المُتغيِّر الجيني “klotho” -حالة وراثية غير متجانِسة-، تزيد من مستويات الدورة الدموية لبروتين “klotho”. على عكس حَمْل نسختين منه.
ربط الباحثون بين مُتغيِّر “klotho” وخطر مرض الزهايمر، إذ مسحوا قواعد البيانات لـ 22748 فردًا حاملًا لجين “APOE4″، مع أعراض الزهايمر أو بدون أعراض، كان عُمر جميع الأفراد في التجربة 60 عامًا فما فوق، وأصولهم من شمال غرب أوروبا.
مع تَتبُع حوالي 650 شخصًا، لمعرفة ما إذا كان أولئك الذين لديّهم نسخة واحدة من “klotho”، أقل عُرضة لتطوير مُستويات “بيتا أميلويد” في السائل النخاعي، وتَرسُباته التي تُنذِر ببدء أعراض الزهايمر.
لم يُوجَد لَبْس في النتائج، إذ صرَّح “ببلوي Belloy” -المُؤلِف الرئيسي للدراسة في هذه المجموعة الحاملة لـ ApoE4- قائلًا: “أدَّى حَمْل نسخة واحدة -وليس نسختين- من مُتغيٌِر “klotho” إلى تقليل خطر الإصابة بالزهايمر بنسبة 30%”.
لقد أبطأ التَقدُّم -بشكل ملحوظ- من حالة خالية من الأعراض إلى علامات ضَعف إدراكي أو إلى مرض الزهايمر مُباشَرة، وقلل من عبء “بيتا أميلويد” في أدمغة حاملي “ApoE4″ الذين لم يتطوروا بعد إلى الخَرَف”.
يقول جريسوس: “إنَّ حوالي 25% من الأمريكيين لديّهم الحالة الوراثية غير المُتجانِسة، إذ يحملون نسخة واحدة من “klotho”، الاختبار الجيني لحالة “klotho” بين حاملي “ApoE4″، يُمكِن أنْ يُوفِّر مُؤشِرًا أفضل لمخاطر مرض الزهايمر، لدى الأشخاص الذين لديّهم مُتغيِّر “ApoE4”.
بالإضافة إلى ذلك، سترغب شركات الأدوية في التفكير في استبعاد المرضى الذين لديّهم نسخة “klotho” واحدة في تجاربهم السريرية، لزيادة التَبايُن في النتائج بين المُشارِكين الإيجابيين لـ “ApoE4″، الذين يتلقون أو لا يتلقون علاجًا تجريبيًا”.
غالبًا ما تعتمد هذه التجارب على تجنيد حاملي ApoE4، المُعرَّضين لمرض الزهايمر بشكل تفضيلي؛ لتسهيل اكتشاف ما إذا كان الدواء التجريبي يعمل في إطار زمني معقول، ومن خلال استبعاد المُشارِكين المُحتمَلين الذين يحملون ApoE4، ولكن يُحتمَل أنْ يكونوا محميين من مرض الزهايمر من خلال مُتغيِّر klotho المُحدَد في الدراسة الجديدة، يُمكِن للباحثين أنْ يأملوا في الحصول على صورة أوضح لقيمة عقار الاختبار.
تَعلُّم المزيد عن كيفية عمل المُتغيِّر الجيني الوقائي، قد يُؤدِّي إلى فهم أكثر تعقيدًا لتأثير ApoE4 المنهك على الإدراك. والأهم من ذلك مساعَدة الباحثين على التركيز على الأهداف العلاجية، للوقاية من تلك الآثار أو تخفيفها، كما قال جريسيوس.
المُؤلِفون المُشارِكون الآخرون في جامعة ستانفورد للدراسة، هم
“فاليريو نابوليوني (Valerio Napolioni)” الحاصِل على الدكتوراة ومدرِّس طِب الأعصاب وعلوم الأعصاب.
و”سمر هان(Summer Han)” حاصِلة علي دكتوراة وأستاذ مساعِد جراحة الأعصاب والمعلوماتية الطبية الحيوية.
وباحث ما بعد الدكتوراة “يان لوجين (Yann Le Guen)”.
وعلى الرغم مما أنفِق من مليارات الدولارات في السعي وراء علاج فعَّال، يظل الزهايمر مرض دون علاج. ولكن قد تساعد تلك النتائج مطوِّري الأدوية في تحديد تَصوُّرات للتَجارب السريرية وعلاجها بشكل أفضل.
وفي النهاية، نرجو عزيزي القارئ أنْ نكون من المحظوظين حاملي التنوع الجيني.
كتابة: هاجر جمال
مراجعة: مي أبو زيد
تدقيق لغوي: شدوى محمود
تصميم: عمر علي