الحملة الفرنسية على مصر (1798م – 1801م)
انطلقت -بقيادة نابليون بونابرت- للاستيلاء على مصر؛ بغرض جعلها قاعدة استراتيجية لفرنسا في الشرق. وبعد فشل أهدافهم، وانهزامهم أمام أسطول البحرية الإنجليزية في معركة أبي قير البحرية، رحلوا عن مصر عام 1801م، بعد قضاء حوالي 3 سنوات.
-
سبب التفات الأنظار إلى مصر
لم يكن وقوع الاختيار على غزو مصر وليد اللحظة؛ ولكن كان هذا امتدادًا لعدة محاولات قديمة تجاه المسجد الأقصى وعدة دول عربية. ولكن أخيرًا، وقع الاختيار على مصر بسبب موقعها المتميز وقوتها الاقتصادية، ورغبة فرنسا في إنشاء قاعدة عسكرية لها بالشرق الأوسط، قبل أن تستحوذ عليه عدوتها بريطانيا، حيث أكَّد ذلك وزراء الخارجية الفرنسيون. وكل من درس تاريخ وموقع مصر من أبناء فرنسا أوصوا حكومتها بشدة بالنظر إلى الدولة المصرية بعين الاعتبار، وبالفعل أخذت الحكومة الفرنسية في دراسة الموضوع، ثم استقر الرأي على تجهيز الحملة الفرنسية والانطلاق إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت.
-
الطريق إلى مصر
انطلقت الحملة من فرنسا، وأبحرت من ميناء طولون في 19 مايو 1798م، وتألفت من نحو 35 ألف جندي تحملهم 30 سفينة، ويحرسها أسطول حربي فرنسي مؤلف من 55 سفينة. وفي طريقها إلى الإسكندرية، استولت الحملة على جزيرة مالطة بمساعدة بعض الخونة، ثم توجهوا إلى الإسكندرية.
وعلى الرغم من سرية تحرك الحملة الفرنسية، حتى قيل أن بونابرت لم يخبر جنوده باتجاه الحملة ولا نواياها، إلا أن الأسطول الإنجليزي علم بالأمر، فاستطاع الوصول إلى الإسكندرية قبل الفرنسيين بثلاثة أيام، وأرسلوا مبعوثًا إلى حاكم الإسكندرية -السيد محمد كريم- لإخباره أنهم أتوا للتفتيش عن الفرنجة الذين تحركوا قاصدين مصر. ولكن لم يقتنع محمد كريم بقولهم، وظن أنها مكيدة فأغلظ لهم القول، فطلبوا منه أن يقف الأسطول البريطاني في عرض البحر، وأن يدعمهم بالماء والزاد، لكنه رفض ذلك أيضًا.
-
وصول الحملة مصر
وصلت الحملة الفرنسية للإسكندرية، ونجحت في احتلالها بعد مقاومة أهلها لهم بضع ساعات بقيادة السيد محمد كريم، وكان ذلك في 2 يوليو 1798م. وبمجرد الاستيلاء على المدينة، بدأ نابليون بنشر منشوراته على جميع المناطق قائلًا فيها أن الفرنسيين قد جاؤوا ليخلصوا مصر من ظلم البكوات والمماليك، وأن الفرنسيين هم مسلمون أيضًا يؤمنون بالله ويحترمون النبي والقرآن العظيم، وأنهم حاربوا البابا في روما الذي كان يحث دائمًا على قتل المسلمين، واستولوا على جزيرة مالطا وطردوا منها النصارى الذين كان يزعمون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين.
بعد ذلك توجهت الحملة إلى القاهرة، ولكن بونابرت قسم قواته إلى اثنتين: إحداهما ذهبت في الطريق البري مرورًا بدمنهور، والأخرى سلكت طريقًا بحريًا تسلكه مراكب الأسطول في فرع رشيد، لتتقابل مع الحملة البرية قرب القاهرة. وفي 13 يوليو 1798م، وقعت أول معركة بحرية بين مراد بك -قائد المماليك- والحملة الفرنسية قرب شبراخيت. ورغم مساعدة الفلاحين وأهالي البلاد، تمت هزيمة مراد بك وتقهقر إلى القاهرة.
ثم التقى مراد بك بالفرنسيين مرة أخرى عند منطقة إمبابة، في 21 يوليو 1798م، في معركة سماها الفرنسيون “معركة الأهرام”. لكن أيضًا بسبب تنظيم الجيش الفرنسي، ووجود الأسلحة المتقدمة معه، مثل: المدافع، البنادق، والحراب المثبتة، استطاع الجيش الفرنسي أن ينتصر على المصريين الذين كان عددهم كبيرًا نسبيًا، ولكن لم يُعدُّوا إعدادًا جيدًا. فانسحب مراد بك ومن معه إلى الصعيد، والغالبية ذهبت إلى جهة الشرق.
وفي 25 يوليو، أنشأ نابليون ديوان القاهرة، وهو ديوان مكون من تسعة من مشايخ وأعيان البلد، حتى ينظم أمور الإدارة والقضاء. لكن كان هذا الديوان رمزيًا لا حكم له، وإنما مجرد سلطة استشارية ومقيدة بتعهد الأعضاء بعدم القيام بأي عمل يكون موجهًا ضد مصلحة الجيش الفرنسي.
عقد نابليون اجتماعًا مع علماء حملته لتطوير نظم التعليم المصري، وتحسين القوانين المعمول بها، وإنشاء خدمات بريدية ونظام مواصلات، وإصلاح الترع، وضبط الري، وربط النيل بالبحر الأحمر.
في هذه الأثناء، كثر السلب والنهب داخل البلاد، فقُطِعَت الطرق، وكُسِرَت الدكاكين، وتمت سرقة محتوياتها. جاء ذلك لغياب الأمن والحكومات من البلاد، وفُرِضَت ضرائب باهظة على المصريين لتمويل الجيش الفرنسي، وأُخِذَ السلاح والأحصنة من سكان البلد عنوةً.
ضرب المصريون أروع الأمثلة في الفداء والتضحية؛ فلم يكد يمر يوم بدون هجوم على معسكر للفرنسيين أو قتل عساكر منهم. وفي 16 أكتوبر، قامت جماهير القاهرة بثورة على الفرنسيين، الذين قمعوا الثائرين، وتخلى نابليون لفترة عن دور الفاتح المتسامح وأمر بقطع أعناق كل ثائر مسلح، وسُمِّيَت هذه الواقعة ب”ثورة القاهرة الأولي”.
-
بداية النهاية
بلغت نابليون أنباء عن أن الأتراك يعدون جيشًا لاستعادة مصر، فصمم على مواجهتهم خارج البلاد. فانطلق باتجاه سوريا -في 10 فبراير- مرورًا بمحافظة سيناء، ثم استولى على غزة ووجد بها الكثير من الغنائم، بعد ذلك، وصل الجيش الفرنسي إلى مدينة يافا ذات الأسوار العالية، واستطاع اقتحامها والاستيلاء عليها.
وصل الفرنسيون إلى أسوار عكا المنيعة، والتي أبدت مقاومة رائعة تحت قيادة أحمد باشا الجزار، حيث حاول الجنود اقتحام المدينة ولكن باءت جميع هذه المحاولات بالفشل بسبب المقاومة الشديدة، وبمساعدة الإنجليز للمدينة وتحصينها ضد الفرنسيين.
كان الطاعون قد انتشر في الجيش الفرنسي، بحيث كان يموت منه يوميًا ستون جنديًا. كما أن واقعة مراد بك في الصعيد، والتي مات بها حوالي ثلاثمائة جندي فرنسي، ووصول الإنجليز للإسكندرية ودمياط، بالإضافة إلى ورود خبر نقض الصلح بين فرنسا والنمسا، كل تلك الأسباب دفعت نابليون لأخذ القرار بالعودة إلى فرنسا.
-
خروج الحملة من مصر
في 11 يوليو 1799م، وصلت مائة سفينة تركية على ساحل خليج أبي قير لطرد الفرنسيين من مصر. فخرج نابليون متجهًا شمالًا إلى الإسكندرية، وانقض على الجيش التركي بكامل قوته، فأوقع بهم هزيمة نكراء في 25 يوليو، وقتل الكثير من الأتراك وانسحب الباقون. بعد ذلك، جاءت رسائل إلى نابليون تأمره بالعودة إلى فرنسا لحدوث الكثير من الصراعات في البلاد. فنَظَّم إدارة الحملة وضباطها، ووضع خلفه القائد كليبر على رأس الحملة، واتجه راكبًا البحر عائدًا إلى فرنسا.
بعد ذلك بفترة قصيرة، قُتِل القائد كليبر على يد سليمان الحلبي، بإيعاز من أحد المماليك كما قيل. تولى القيادة بعده القائد مينو، الذي تظاهر باعتناق الإسلام وسمى نفسه “عبد الله مينو”. ثم بعد معارك عدة من جهة الإنجليز والعثمانيين من جهة أخرى، ضُيِّق الخناق على القائد مينو في الإسكندرية، والقائد بليار في القاهرة. فقرر الاثنان توقيع اتفاقية انسحاب إلى فرنسا، بشرط أن تؤمنهم الجيوش الإنجليزية، وتكفل لهم الوصول إلى فرنسا.
بذلك انتهت الحملة الفرنسية، وتم جلاء آخر جندي فرنسي من مصر في يوم 18 سبتمبر 1801م. وبإجماع الآراء، لم تكن الحملة الفرنسية حملة عسكرية غاشمة فقط، ولكن كانت علمية وسياسية إلى أبعد الحدود؛ فقد أتى نابليون بمئة عالم في مختلف الفنون لدراسة الثقافة المصرية، لمساعدة الحملة الفرنسية في توطيد نفوذها.
-
أهم نتائج الحملة الفرنسية
تأليف كتاب “وصف مصر”، والذي تحدث عن الحضارة المصرية. كما استطاع العالم شامبليون فك رموز حجر رشيد الذي وجدته الحملة، فلفت أنظار العالم تجاه الآثار الفرعونية والحضارات المصرية القديمة لدراستها. بجانب انفتاح الشعب المصري على الحضارة الأوروبية، وأخذ الكثير من أساليب الحكم والإدارة منها.
المصدر: كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار (الجزء الرابع)