الطب

مرض الجمرة الخبيثة

مرض قد يعود تاريخه إلى مصر القديمة، وعرفه الرومان والإغريق، ووضّحه الكثير من علماء هذا الزمان في كتاباتهم القديمة.
مرض اُستخدِم كسلاح خطير في حروب بيولوجية. يُعد مرض الجمرة الخبيثة (anthrax) من الأمراض الخطيرة والمعدية، تسببه بكتيريا باسيلاس أنثراكيس (Bacillus anthracis)، وهي بكتيريا موجبة صبغة جرام (صبغة جرام هي صبغة ابتكرها العالم الدنماركي هانز جرام للتمييز بين فصائل البكتيريا المختلفة وتمييزها إلى مجموعتين، موجبة جرام وسالبة جرام).
رغم أن هذا المرض يعد نادرًا الآن؛ إلا أن الناس قد يصابوا بالعدوى عن طريق مخالطة الحيوانات المصابة.

  • تاريخ المرض

اُكتشِفت أول حالة لهذا المرض عام 1752م، وقبل ذلك التاريخ كانت معرفتنا بمرض الجمرة الخبيثة لا تتعدى قصص التاريخ، ومصر القديمة وكتابات الرومان والإغريق، حيث يعتقد البعض أن هذا المرض قد لعب دورًا في سقوط روما.
وفي عام 1877م، درس روبرت كوخ (Robert Koch) بكتيريا باسيلاس أنثراكيس وتوصّل إلى أن هذه البكتيريا تكوّن حويصلات تعيش لفترات طويلة للغاية وفي بيئات مختلفة.
قرر كوخ زرع هذه البكتيريا، ثم حقن الحيوانات بهذه البكتيريا. وعن طريق ملاحظاته في هذه الدراسة، تمكن كوخ من معرفة كيف يسبب الميكروب المرض.
حدد كوخ دورة حياة بكتيريا الأنثراكيس، ووضع قواعد تبين كيف يسبب ميكروب معين المرض، فيما تعرف الآن بمسلمات كوخ.
وفي عام 1881م، تتبع عالم لامع آخر خطوات كوخ وأخذها إلى مستوى آخر. حدد لويس باستيير (Louis Pasteur) كيفية انتشار المرض بين الناس وحتى الحيوانات، وصنع لقاحًا للمرض مكونًا من بكتيريا أنثراكيس قام بإضعافها.
في تجربته، أحضر باستيير 25 حيوانًا وحقنهم بلقاحه ثم حقنهم مرة أخرى ببكتيريا الأنثراكيس الحية، وحقن 25 حيوانًا آخر بالبكتيريا الحية دون تطعيمهم باللقاح، وكانت نتيجة التجربة مبهرة، حيث عاش كل حيوان أخذ اللقاح، وماتت بقية الحيوانات الأخرى.
وفي الخمسينيات من القرن الماضي، صُنِع أول لقاح خاص للبشر، وفي عام 1970م تم استحداث هذا اللقاح ويُستخدَم حتى الآن.

  • الجمرة الخبيثة والحروب البيولوجية

أدى عمل روبرت كوخ إلى فتح آفاق جديدة بخصوص هذا الشأن، الأمر الذي خلق معرفة كبيرة عن كيفية زرع وإنتاج كميات كبيرة من جراثيم معينة.
وأول عهد الجمرة الخبيثة بالحروب البيولوجية يعود إلى الحرب العالمية الأولى، حيث استخدم الجيش الألماني البكتيريا بغرض إصابة الثروة الحيوانية والقوت الغذائي لقوات الحلفاء، حيث أُصيبت الثروة الحيوانية في الأرجنتين التي كان من المفترض أن يتم شحنها إلى قوات الحلفاء.
وبعد الحرب العالمية الأولى سارعت الدول في إجراء التجارب لاختبار الأسلحة البيولوجية. فهاجمت اليابان 11 مدينة صينية ببكتيريا الأنثراكيس وغيرها من الأسلحة الكيميائية عن طريق إطلاقهم مباشرة على المنازل من الطائرات. وأجرت بريطانيا والولايات المتحدة تجاربهم لتطوير أسلحتهم البيولوجية كإجراء احترازي ضد أي هجوم محتمل من الألمان، حيث قصفوا جزر خالية من السكان بالقنابل المحملة بالبكتيريا.
الأمر الذي أدى إلى توقيع معاهدة دولية لمنع الأسلحة البيولوجية لما تسببه من مخاطر جمة عام 1972م، حيث تعاهدت الدول على منع تطوير وإنتاج الأسلحة الكيماوية وتدميرها أيضًا.
لكن في عام 2001م تعرضت الولايات المتحدة لهجوم بيولوجي، أُرسِلت خطابات مملوءة بمسحوق أبيض يحتوي على حويصلات الجمرة الخبيثة إلى مكاتب اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ووكالات الإعلام. سمح المسحوق للحويصلات أن تتطاير في الهواء مما أدى إلى استنشاقها. تم تأكيد إصابة 22 شخصًا بالجمرة الخبيثة، وكل الذين ماتوا -حوالي خمسة أشخاص- ماتوا جراء الجمرة الخبيثة الرئوية -أخطر أنواع المرض-.

  • أعراض المرض

لا يوجد دليل على انتقال مرض الجمرة الخبيثة من شخص لآخر، لكن من المحتمل أن تكون الجروح الجلدية الناجمة عن المرض معدية عن طريق اللمس المباشر. عادة تدخل البكتيريا الجسم عن طريق الجلد، يمكنك أيضًا أن تحصل على العدوى بواسطة تناول اللحوم الملوثة أو استنشاق الحويصلات.
فتعتمد أعراض المرض على كيفية إصابتك، فيمكن أن تكون الأعراض عبارة عن قُرَح جلدية، أو قيء أو حتى سكتة دماغية.
هناك أربع طرق للعدوى، كل منها لها أعراضها الخاصة بها. في معظم الحالات تظهر الأعراض خلال سبعة أيام من التعرض للبكتيريا باستثناء نوع واحد، مرض الجمرة الخبيثة الرئوي، فقد تستغرق الأعراض عدة أسابيع لكي تظهر.

  • مرض الجمرة الخبيثة الجلدي

تحدث عدوى هذا النوع عن طريق دخول البكتيريا للجسم من خلال جرح أو قرحة في الجلد، وكما أن هذا النوع هو الأكثر شيوعًا للجمرة الخبيثة، فإنه أيضًا الأخف ضررًا، وتشمل أعراضه:

-نتوء مثير للحكة مشابه للدغة الحشرة، وسرعان ما يتحول هذا النتوء إلى قرحة ليست مؤلمة ومركزها أسود اللون.

-تورم في القرحة والغدد الليمفاوية المجاورة لها.

أما عدوى الجمرة الخبيثة المعوية فتأتي عن طريق تناول لحوم الحيوانات المصابة وغير المطهية جيدًا وتشمل أعراضها:
الغثيان.
القيء.
ألم في البطن.
صداع.
فقدان الشهية.
الحمى.
إسهال دموي شديد في المراحل الأخيرة من المرض.
التهاب الحلق وصعوبة في البلع.
تورم الرقبة.

ويحدث النوع الثالث، وهو مرض الجمرة الخبيثة الرئوي، عند استنشاق حويصلات البكتيريا، والجدير بالذكر أن هذا النوع هو الأكثر خطورة والأصعب في العلاج، ففي الغالب يؤدي إلى الموت، وتشمل أعراضه الأولية:
– أعراض مشابهة للإنفلونزا مثل التهاب الحلق، حمى خفيفة، إرهاق وآلام في العضلات. وتستغرق هذه الأعراض ساعات قليلة أو أيام.
– انزعاج خفيف في الصدر.
– ضيق في التنفس.
– غثيان.
– سعال دموي.
– ألم في البلع.

وعندما تزداد خطورة المرض، قد تشعر بالآتي:
– حمى شديدة.
– مشكلة في التنفس.
– سكتة دماغية.
– التهاب الغشاء السحائي.

أما النوع الرابع، وهو الأكثر حداثةً، فيحدث نتيجة الحقن، وموجود في أوروبا فقط حتى الآن وتتمثل أعراضه في:
– احمرار منطقة الحقن (دون أن تتغير إلى اللون الأسود).
– تورم ملحوظ
ومع تقدم المرض، يمكن أن يحدث:
– سكتة دماغية.
– فشل العديد من أعضاء الجسم.
– التهاب الغشاء السحائي.

  • عوامل خطر الإصابة بالجمرة الخبيثة

لكي تصاب بالمرض، يجب أن تكون في حالة اتصال مباشر مع حويصلات البكتيريا، على سبيل المثال:

-إذا كنت تعمل في معمل ما وتتعامل مع البكتيريا.

-تتعامل مع أي من منتجات حيوانية قادمة من مناطق بها نسبة عالية من الجمرة الخبيثة كالجلود، والفراء والصوف.

-تقوم بحقن مواد غير قانونية مثل الهيروين.

-إذا كان عملك متعلقًا بالطب البيطري، وخصوصًا إذا كنت تتعامل مع الثروة الحيوانية.

  • المضاعفات

إن أخطر مضاعفات المرض التهاب في الأغشية والسوائل المحيطة بالمخ والحبل الشوكي، مما ينتج عنها نزيف حاد يؤدي إلى الموت.

  • العلاج

أما بخصوص العلاج، فلدى الأطباء خيارات عديدة لعلاج المرضى، منها المضادات الحيوية ومضادات السموم. ويحتاج المرضى أصحاب الحالات الخطرة إلى الرعاية في المستشفى.
كل أنواع الجمرة الخبيثة يمكن علاجها بواسطة المضادات الحيوية.
إذا ظهرت أي من أعراض المرض، من المهم أن يأخذ المريض العلاج بأسرع وقت ممكن للحصول على النتيجة المرجوة. ويختار الأطباء المضادات الحيوية المناسبة للمريض بناء على تاريخه المرضي.
عندما تنتشر حويصلات الجمرة الخبيثة في جسم المريض وتفرز سمومها التي تسبب أعراضًا خَطِرة، يلجأ الأطباء إلى مضادات السموم لاستهداف هذه السموم. وينبغي أن يحتوي العلاج على خيارات أخرى بالإضافة إلى مضادات السموم هذه.

المصادر 1 2

كتابة: يوسف احمد

مراجعة: ساره شبل

تحرير: محمد لطفي

تصميم: شروق احمد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى