كيف بدأت النسوية؟
في منتصف القرن الثامن عشر، حيث ساد النظام الإقطاعي في المجتمعات الأوروبية، واقتصرت السيادة فقط على الملوك، والنبلاء، وكبار الملاك، والمزارعين، بدأ مجموعة من المفكرين بالتمرد على هذا الوضع، وفي تلك الفترة، والتي يطلق عليها “الفترة التنويرية”، التي تميزت بالثورات في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وظهور حركة إلغاء الرق، بدأت النساء في التعبير عن سئمِهنَ من الظلم الواقع عليهن، والمطالبة بالتحرر من التحكم الذكوري في حياتهن، وهنا بدأت ذروة انتشار “النسوية”.
في هذا المقال، سنتعرف على أصل أحد المصطلحات التي نسمعها كثيرًا خاصة في الآونة الأخيرة، ألا وهو (النسوية)، وسنتحدث عن بداية النسوية، وعن المراحل التي مرت بها، وأهدافها، كل ذلك وأكثر، سنتعرف عليه عزيزي القارئ.
- ما هي النسوية؟
النسوية ما هي إلا إيمان بالمساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمرأة كما للرجل، وكانت النسوية في مراحلها الأولى مرتبطة بإلغاء الرق، وإعطاء صوت للناشطات المشهورات، مثل «سوجورنر تروث – Sojourner Truth» الأمريكية من أصل أفريقي، وشهدت أمريكا النساء يتصرفن بشكل “غير مهذب”؛ كالتحدث أمام الجمهور، والتظاهر، وقضاء فترات في السجن، وكانوا يتحدون عبادة الحياة المنزلية، ولقد كانت النسوية لها جذور في العصور الأولى للحضارات الإنسانية، حيث مرت بثلاث حركات أو أجيال، وذلك ما سنوضحه لاحقًا.
- عصر التنوير
لم يصل الجدل حول المرأة في إنجلترا حتى أواخر القرن السادس عشر، عند انضمام المؤسسين والمناقشين إلى المعركة حول الطبيعة الحقيقية للأنوثة، ونُشرت سلسلة من المقالات التي تسخر من النساء، حينها ردت أول كاتبة نسوية في إنجلترا، وهي «جين أنجر – Jane Anger» التي دافعت عن النساء، ولكن استمر الجدل لأكثر من قرن، إلى أن أصدرت مؤلفة إنجليزية أخرى وهي «ماري أستيل – Mary Astell»، ووضحت مبررات أكثر منطقية، وأن النساء لا يمِلن إلى الزواج، ولا لمهنة دينية، وهناك أشياء مهمة أيضًا غير ما ذُكر، ويجب أن يقمن بتأسيس أديرة للعيش والدراسة والتعليم.
وهنا بدأ يظهر تأثير التنوير، وبدأت النساء في المطالبة بتطبيق الخطاب الإصلاحي الجديد حول الحرية، والمساواة، والحقوق الطبيعية لكلا الجنسين.
وسنجد في البداية، أن فلاسفة التنوير ركزوا على عدم المساواة، فها هو ذا الفيلسوف «جان جاك روسو – Jean-Jacques Rousseau»، صور النساء على أنهن مخلوقات سخيفة وتافهة، وُلدت فقط لتكون تابعة للرجل، ولكن ظهرن بعض المفكرات في ذلك العصر للإشارة إلى الافتقار في الخطاب الإصلاحي، وظهرت الكاتبة المسرحية المشهورة «أوليمب دي غوج – Olympe de Gouges» في إعلان حقوق المرأة والمواطن 1791م، معلنة أن المرأة ليست مساوية للرجل فحسب، بل شريكة له، وفي العام التالي، نُشر كتاب (ماري ولستونكرافت – Mary Wollstonecraft) بعنوان “إثبات حقوق المرأة”، وهو العمل النسوي الأساسي باللغة الإنجليزية في إنجلترا، وتحدى الكتاب فكرة أن المرأة موجودة فقط لإرضاء الرجل، واقترحت أن تتكافأ الفرص بينهما في كافة المجالات، وكتبت أن النساء عقلانيات بطبيعتهن، وإذا كانوا سخفاء كما يُدعى؛ فذلك فقط لأن المجتمع يُدربهن على ذلك.
- الجيل الأول، وحق المرأة في التصويت
في «مؤتمر سينيكا فولز – Seneca Falls Convention» في عام 1848م، أعلن الداعمين لإلغاء عقوبة الإعدام مثل «إليزابيث كادي ستانتون – Elizabeth Cady Stanton» و«لوكريتيا موت – Lucretia Mott» بجرأة في إعلانها المشهور عن المشاعر “أن جميع الرجال والنساء خلقوا متساوين، وهذه حقيقة بديهية”.
فلقد طالبن النسويات بحقوقهن في التصويت، فاعتقد الحاضرين أن هذا تجاوز الحد! ولكن جادل «فريدريك دوغلاس – Frederick Douglass»، وقال أنه كرجل أسود لا يستطيع أن يقبل الحق في التصويت، إن لم يستطعن النساء التصويت أيضًا؛ فتأثر به الحاضرون، ومن تلك اللحظة، بدأت حركة حق المرأة في التصويت بشكل جدي وسيطرت لعدة عقود.
في عام 1893م، أصبحت نيوزلندا أول دولة تمنح للمرأة حق التصويت، ولحقتها أستراليا عام 1902م، وفنلندا عام 1906م، ومنحت المملكة المتحدة للنساء اللاتي تجاوزت أعمارهن الثلاثين حق التصويت في عام 1918م.
وفي الحرب العالمية الأولى، أثبتت المرأة مشاركتها، وأنها تستحق المساواة، لم لا؟ ففي عام 1920م، وبفضل بعض المدافعين عن حقوق المرأة، مثل «سوزان ب.أنتوني – Susan B. Anthony» و«كاري تشابمان كات – Carrie Chapman Catt»، تم التعديل التاسع عشر، وأصبحت النساء الأمريكيات أخيرًا لهن الحق في التصويت، ومع تأمين بعض الحقوق، شرع النسويات في “الموجة، أو الجيل الثاني للنسوية”، وأثناء الحرب العالمية الثانية، شاركت النساء أيضًا في الجيش.
سنجد أن مساحات حركة ومشاركة المرأة في سوق العمل، بدأت في الاتساع، حيث فقد العديد من الرجال وظائفهم؛ فشرعت النساء في العثور على عمل بأجر أقل وأكثر استقرارًا؛ كالأعمال المنزلية، والتدريس، وأدوار السكرتارية، وبعد حركة الحقوق المدنية، سعت النساء إلى الخوض أكثر في سوق العمل والمساواة في الأجر مع الرجل في طليعة جهودهن، ولقد كان قانون المساواة في الأجور لعام 1963م من بين الجهود الأولى في مواجهة هذه القضية.
- الجيل الثاني من النسوية وحق الإجهاض
مع نشر كتاب «الغموض الأنثوي – The Feminine Mystique» عام 1963م، جادلت «بيتي فريدان – Betty Friedan» -إحدي المشاركات في تأسيس المنظمة الوطنية للمرأة- بأنه ما زالت النساء تقتصر أدوارهن على الحياة المنزلية، وفكرة التبعية للرجال لم تنتهي، ومن هذا الوقت، بدأ العديد من النساء بالإشارة أكثر إلى النسوية، وتحرير المرأة من القيود المكبلة التي وضعها المجتمع لها، ففي عام 1971م، انضمت «غلوريا ستاينم – Gloria Steinem» إلى «بيتي فريدان – Betty Friedan» و«بيلا أبزوغ – Bella Abzug» في تأسيس التجمع السياسي النسائي الوطني، وأصبحت مجلة «ستاينم – Steinem» أول مجلة تعرض النسوية كموضوع على غلافها في عام 1976م.
وتم تمرير قضية تعديل المساواة في الحقوق من قِبل الكونجرس في عام 1972م؛ ولكن بعد رد فعل المحافظ، لم يتم التصديق على ذلك القرار من عدد كافٍ في الولايات المتحدة ليصبح قانونًا، وبعد عام واحد فقط، احتفلت النسويات بقرار المحكمة العليا في قضية «رو ضد وايد – Roe v. Wade» وهي القضية والحكم التاريخي الذي ضمن للمرأة الحق في اختيار الإجهاض.
- الجيل الثالث من النسوية، ومن المستفيد؟
دار الجدال حول فوائد الحركة النسوية، وأن الجيل الثاني من النسوية اقتصر على النساء البيض المتعلمات، وأن النسوية فشلت في معالجة مخاوف النساء الأخريات من غير البيض، والمثليات، والمهاجرات، والأقليات الدينية.
ففي القرن التاسع عشر، عبّرت «سوجورنر تروث – Sojourner Truth» عن أسفها من التميز العنصري في خطابها “ألست أنا امرأة؟”، وكان ذلك قبل اتفاقية أوهايو لحقوق المرأة لعام 1851م.
وفي الآونة الأخيرة، كافحت النسويات للوقوف ضد بعض القضايا، واكتسبت حركة “Me Too” شهرة جديدة في أكتوبر 2017م، والجدير بالذكر أيضًا، أنه في 21 يناير 2017 م، وهو أول يوم للرئيس «دونالد ترامب – Donald Trump» أُقيمت مسيرة المرأة في واشنطن العاصمة، وانضم إليها مئات الآلاف، وكونت تلك المسيرة احتجاجًا ضخمًا يستهدف الإدارة الجديدة، والتهديد المتصور على الحقوق الإنجابية، والمدنية، وحقوق الإنسان، وأيضًا.. نظم أكثر من ثلاثة مليون شخص في المدن حول العالم مظاهرات متزامنة، فلم يقتصر الأمر على واشنطن فقط، وزُوِّدت النسويات بمنصات رفيعة المستوى، للدفاع عن الحقوق الكاملة للنساء في جميع أنحاء العالم.
ولقد أشار الفيلسوف الشهير «أفلاطون – Plato» إلى أن المرأة تمتلك “قدرات طبيعية” مساوية للرجل، ولكن لم يتفق الجميع معه، وفي القرن الثالث الميلادي، يوجد بعض الأدلة على الاحتجاج الهائل الذي أُقيم من قِبل نساء روما على قانون أوبيان، الذي قيد وصول المرأة للذهب والسلع الأخرى، وقد جادل القنصل الروماني «ماركوس بورشيوس كاتو – Marcus Porcius Cato» وقال: “بمجرد أن يصبحن مساويات لك -مُوجهة للرجل-، سيُصبحن رؤسائك!”.
في كتاب مدينة السيدات، احتجت «كريستين دي بيزان – Christine de Pizan» -كاتبة القرن الخامس عشر- على كراهية النساء، ودور المرأة في العصور الوسطى، إلى أن ظهر عصر التنوير كما وضحنا، كل ما كان يُردنه هو الشعور بحريتهن، والتعبير عن ذواتهن، وأن يكن لهن دورهن في شتى العلوم، ولكن.. ألم تظهر بعض الشخصيات المؤثرة من النساء بدروها عبر التاريخ؟ فأين القمع؟ بالطبع، ظهرن بعض النساء؛ ولكن هؤلاء حالات استثنائية، ولم يستطعن تغيير حياة أغلبية النساء من حالة القمع، والتحقير من شأنهن، واقتصار أدوارهن في الإطار الموضوع لهن، خاصة أثناء النظام الإقطاعي!
كتابة: آية ياسر
مراجعة: سارة صلاح
تدقيق لغوي: زينب علاء الدين