الفلسفة

الشر ليس حقيقة كونية!

فكرة الشر وحقيقة وجوده هي من صنع الإنسان ومرتبطة بعصر وثقافة معينة!

أثق أن معظمكم يقرأ هذا المقال وهو مؤمن أن السرقة، القتل، الإرهاب وغيرها أفعال سيئة وشريرة. وإن كنّا جميعًا متفقين على أنها أفعال وممارسات شريرة وسيئة حقًا، فهل هذا يعني أن الشر حقيقة وسُنة كونية؟ وهل الشخص السيئ وُلد شيطانًا؟ رُغم تصريحات قادة المجتمع والدين وكثير من السياسين، إلا أن الشر لم ينحصر بشكل موضوعي في تصرفات معينة، أي لم يعد من الصواب تصنيف السلوكيات والحكم عليها إما أبيض أو إسود، فالإنسان لم يولد والشر متأصل فيه.

الشر هو تصور ومفهوم من وجهة نظر “البنيوية” تم ابتداعه في زمان ومكان معين من قبل أشخاص يملكون السُلطة والقوة، وبعبارة مختلفة “الشر صناعة بشرية”.
وهذه الرؤية الجديدة للشر نجدها مغروسة في فلسفة وكتابات “إمانويل كانط”، فهو يرى أن الحقائق/الأمور ليست موجودة بالفعل في حد ذاتها وإنما هي منتجات العقل، فكل ما يعد حقيقة قد يكون مجرد صناعة “تصور” عقلي.
ووفقا لما تقره البنيوية فإن الواقع عبارة عن عملية ديناميكية، التنازع حولها مستمر وهذا يعني أن الواقع -في نظر البنيوية الاجتماعية- عملية قابلة لإعادة تشكيله وإنتاجه من جديد بناءا على المعرفة والتصور الاجتماعي للأفراد. وكامتداد منطقي فإن المشكلات الاجتماعية ليست موجودة ومتجددة باستمرار كالنهر، وإنما تُنشأ بواسطة العقل البشري، وفكرة الموضوعية كشرط لاعتبار أن أمر ما حقيقي وموجود لم تعد شرطا اساسيا، فطالما اعتقد البعض أن أمر ما موجود وحقيقي ويشكل خطر ما إذن فيتم اعتباره كذلك، حتى وإن لم يكن له وجود حقيقي بالمعنى الموضوعي.

ولو نظرنا لتاريخ كلمة “الشر” في اللغة سنجده طويلا، ففي قاموس “أكسفورد” الإنجليزي قد عُرف الشر على أنه تجاوز للواجب وتعدي للحدود، وفي قاموس “ويبستر” معناه خلق سيء أو سلوك غير أخلاقي.
ونستدل من هذين التعريفين على أن فكرة الشر قد تم التعرف عليها بعد وجود المجتمع أي كما قلنا، تم تعريفه من قبل أشخاص ذوي سلطة في ظروف زمانية ومكانية معينة ولم يكن متأصلا في طبيعة الإنسان.

وبذلك نأتي للنقطة الأهم في موضوعنا وهي أهمية إدراك ماهية الشر وحقيقته، وأهمية إدراك طبيعتنا البشرية، ومدى خطورة أن ننعت “الآخر” بالشر بما تحمل كلمة الشر من أشكال ومعانٍ تختلف عبر العصور، وتتشكل وفقا لسياسات معينة وتختلف من مكان لآخر، ومن بلد لآخر، ومن شعب لآخر، بمعنى أدق قد نتهم إنسان أو جماعة بالشر ليس لأنهم كذلك حقا، ولكن لإنهم في مكان ما في بلد ما لا يتفق ومصلحتنا وسياستنا، ومن هنا يأخذ الشر أشكال عديدة -في البناء والتصور الاجتماعي- بحسب رؤيتنا وتفسيرنا البعيد تماما عن الموضوعية والإنصاف.
فأمريكا تحارب الشر، وما فعلته في العراق وأفغانستان لا يختلف أحد على أنه عين الشر. بعض فرق الديانة الواحدة كل منهم يقتل ويسفك الدماء تحت مسمى محاربة الشر. ثروات البلاد يتم نهبها ويتم إبادة وتهجير ملايين من البشر “أطفال ونساء وعجائز” تحت مسمى محاربة الشر، فأي شر تقصدون بني البشر؟

المصدر 

 

كتابة: آيات أحمد

تصميم: نهى عبدالمحسن

اظهر المزيد

آيات أحمد

كاتبة بقسم علم النفس والفلسفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى