البيئة والطاقة

كارثة بيئية غامضة في كامتشاتكا، روسيا

تخيَّل أن تستيقظ من نومك لبداية يوم جديد، تتنفس فيه هواء الطبيعة، تُمتع عينيك بألوانها الزاهية؛ فتجد أن كل شيء أصبح ميتًا!
هذا ما حدث في شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا، ذلك المكان الذي نرغب جميعًا في زيارته؛ لما فيه من ظواهر طبيعية مُختلفة، وتنوّع بيولوجي فريد من نوعه يجعلك أكثر تعلُّقًا بالبيئة؛ لنرى مثلًا البراكين، والأودية الساخنة -التي تُميز هذا المكان فقط من العالم- والدببة والعديد من الكائنات الحية الأخرى.

كوارث بيئية وأعراض مرضية، مَن هو الجاني الأول؟

في مُنتصف شهر سبتمبر، تغيَّر لون مياه البحر وأصبحت رائحتها غير مقبولة، وبعدها بأيام أبلغ السكان المحليون عن بعض الأعراض المرضية، ثم ظهرت الحيوانات التي تعيش في البحر ميتة على الشاطئ، وكان السكان المحليون -خاصة راكبو الأمواج- أول مَن روَّج لتلك الكارثة على وسائل التواصُل الاجتماعي، حيث قالوا: أنهم بعد ركوب الأمواج كانوا يُعانون من التهاب الحلق، ألم في العين، وحكة في الجلد فور مُلامسة مياه البحر، كما أبلغ البعض عن أعراض مثل: الغثيان والقيء.
ومن خلال مُنظمة السلام الأخضر الروسية، تمَّ الاستماع إلى قصصهم والتجارب التي مروا بها وتشكيل فريق للتحقيق.

الطبيعة الفريدة لكامتشاتكا مُهددة بالقتل!

أصبحت الطبيعة التي تتميز بها كامتشتكا مُهددة بشكل يُثير الذعر بين سكانها، حيث تسبب هذا الحدث -وفقًا للعلماء المحليين- في مقتل %95 من الحياة البحرية في قاع البحر.
لا يزال حجم الكارثة وسببها غير معروفين، والجدير بالذكر أنَّ جزءًا كبيرًا من المنطقة الساحلية حول براكين كامتشاتكا -موقع التراث العالمي لليونسكو- قد تأثر بتلك الأحداث أيضًا.

نتائج تحليلات المياه التي أجرتها السلطات الروسية ومُنظمة السلام الأخضر الروسية لم تكن جازمة بشأن الأدلة التي تُؤكد سبب هذا الحدث. ويبقى السؤال؛ ما السبب؟ هل الأحداث طبيعية أم نتيجة للنشاط البشري؟
في الرابع من أكتوبر 2020 وصلت مُنظمة السلام الأخضر لأرض كاماتشاتكا لأخذ العينات من الماء، التربة، والحيوانات النافقة التي وُجدت على الشواطئ، وأرسلوها إلى موسكو للتحليل، كما أنهم أطلقوا سفينة تحمل بعض الغواصين لفحص قاع المُحيط شمال وجنوب المدينة.
وبالإضافة لذلك، استخدموا بعض التقنيات الحديثة مثل إنزال طائرة -بدون طيار- إلى قاع المُحيط، وهي ذات كاميرا عالية الدقة، كل هذا على أمل أن يُساعد التصوير الفوتوغرافي وفحص القاع في الكشف عن مدى تأثير هذه الكارثة البيئية على المُحيط الهادي، وربما يُعطي بعض الأدلة الواضحة عن سبب هذه الكارثة.

بين البحث والتحقيق؛ تظهر الأدلة

طالبت مُنظمة السلام الأخضر الروسية بإجراء تحقيق مُستقل وشفاف لمعرفة سبب هذا الحدث الكارثي، وعلى ذلك؛ قاموا باستشارة عدد من الخُبراء لمُحاولة فهم ما يحدث.
أشار التحليل الأوَّلي لصور الأقمار الصناعية خلال شهر سبتمبر إلى أن سبب ذلك قد يرجع إلى تآكُل التربة التي تُحيط بالمُحيط وتتدفق إليه، وعلى كل حال لا زال السبب غير معروف، وتظل كل الفرضيات مطروحة على الطاولة وهي تتراوح بين: الأسباب الطبيعية، مثل: نمو العوالق النباتية السامة والنشاط البركاني أو الزلزالي، والأنشطة البشرية، مثل: إلقاء النفايات السامة، تلوث المحيط بالوقود -كحادثة تسرب وقود الديزل الأخيرة-، أو النشاط العسكري، ويستمر البحث عن الأسباب للحد من تلك الكارثة.

أدلة قديمة تُوجب الحُكم بالعدالة الخضراء

أظهر التحقيق في الكارثة البيئية بكامتشاتكا؛ أن المنطقة بها عدد من المشاكل البيئية منذ فترة طويلة ولم يتم حلّها بعد، مثل: مدافن النفايات الخطرة، مواقع الدفن والتصريف، والعديد من الكوارث الأخرى التي إن لم يظهر أثرها البيئي الآن؛ فسوف تظهر العديد من المشاكل البيئية -الناجمة عنها- في المُستقبل.
أيًا كان سبب كارثة كامتشاتكا؛ فإن الشيء المُؤكد هو أنه لحماية الناس والطبيعة من الكوارث البيئية، يجب أن تبتعد روسيا عن النموذج الاقتصادي القائم على الاستخراج ومن ثَّم الاستغلال! خصوصًا أن آثار التلوث قد خرجت عن نطاق السيطرة.

روسيا مُستودع الكوارث

شهدت روسيا واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في تاريخ البلاد خلال هذا العام، حيث تُدير شركة “نورنيكل – Nornickel” بروسيا عددًا من المصانع التي جعلت من مدينة “نوريلسك” واحدة من أكثر الأماكن تلوثًا على وجه الأرض، وتسربت آلاف الأطنان من النفط إلى المياه والأرض في سيبيريا، وكذلك تحوَّل لون النهر إلى اللون الأحمر، وكما هو الحال مع العديد من الأخطاء البشرية، يقع الضرر الأكبر على السكان الأصليين.
إذا كانت كاماتشاتكا مُجرد حدث طبيعي، إذن فهي بمثابة إنذار أرسلته لنا الطبيعة للتحذير من الكوارث القادمة، كما أن الكوارث البيئية التي وقعت في نوريسلك والمناطق المُختلفة من القطب الشمالي الروسي تُؤكد على أهمية الانتقال الأخضر العادل في روسيا، وكذلك الحد من الصناعات المُلوّثة التي تُدمر الأرض وتُهدر الأرواح، والتَوجُّه للطاقة المُتجددة النظيفة.
إنَّ الاتجاه إلى الاقتصاد الأخضر لن يُقلل من الآثار البيئية والمناخية فحسب؛ بل سيُساعد على حل المُشكلات الاجتماعية، الصحية، والاقتصادية المُستمرة، لذا؛ يجب على الحكومة وضع خطة تعافي خضراء لروسيا، وفي أسرع وقت لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من الأرض والبشر.

المصدر

كتابة: آلاء نور الدين
مراجعة: سارة صلاح
تحرير: أسماء مالك

اظهر المزيد

آلاء نور الدين مغربي

كاتبة بقسم البيئة والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى