اللغات المصرية القديمة
المصرية القديمة، والكوشية، والتشادية، والأوموتية، والأمازيغية (البربرية)، وغيرهم الكثير من اللغات السامية، نختار منها في هذا المقال اللغة المصرية القديمة، سنأخذك في رحلة لتاريخ اللغة المصرية القديمة.
تقع اللغة المصرية القديمة ضمن مجموعة من اللغات الأفرو آسيوية، والتي ظهرت في شبه الجزيرة العربية غالبًا، واستقرت في مناطق جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، ولها علاقة قوية بإحدى المجموعتين؛ اللغات السامية بتراكيبها وجُملها وأصواتها الحلقية، مثل العربية، والأمهرية، والأرمنية، والعبرية.
يعود تاريخ ظهور اللغة المصرية القديمة إلى 3400 ق.م، عندما ظهرت اللغة الهيروغليفية لأول مرة على لوحات تذكارية، وخلال تلك الفترة الطويلة للغة المصرية القديمة، حدثت الكثير من التغيرات بها؛ وذلك دفع الباحثين إلى تقسيمها إلى خمس مراحل، ألا وهم: المصرية القديمة (من قبل 3000 إلى حوالي 2200 قبل الميلاد)، والمصرية الوسطى (حوالي 2200 – 1600 قبل الميلاد)، والمصرية المتأخرة (حوالي 1550 – 700 قبل الميلاد)، والديموطيقية (حوالي 700 قبل الميلاد – 400 م)، والقبطية (القرن الثاني الميلادي حتى القرن السابع عشر على الأقل).
وظلت اللغة الهيروغليفية تتطور في تلك المراحل، إلى أن انحدرت واختفت، وحلَّت محلها بعض اللغات الأخرى، التي استمرت لفترة ومن ثم اختفت أيضًا، ولكن دعونا نتحدث بالتفصيل المُفصل عن تلك اللغات ومكانتها وفيما استُخدمت.
اللغة المصرية القديمة لغة الآلهة
كانت الكتابة الهيروغليفية معروفة في مصر القديمة باسم “لغة الآلهة”، والتي تعد من بين أقدم أنظمة الكتابة في العالم، حيث يعود تاريخها إلى حوالي 5200 عام، ويُقال إنها من صُنع إله المعرفة تحوت (Thoth)، وتعتبر عنصر مهم في تنفيذ الواجبات الملكية، كما استخدمها الفراعنة الأقوياء في كتّابهم؛ لتسجيل إنجازات عهدهم، حيث لا تزال الملايين من الكتابات الهيروغليفية مدونة كذكرى للحقبة الماضية في النصوص المقدسة أو على التوابيت، والمقابر، والآثار.
نظام الكتابة في مصر القديمة
هو عبارة عن نص تصويري يضم مجموعة كبيرة من الأحرف (24 حرف)، يمكن معرفته كأحرف، أو يرمز إلى كلمات كاملة، أو مجموعة من الحروف الساكنة، ولا توجد علامات ترقيم أو إشارة تدل على بداية الجمل أو نهايتها، كما كان هناك ما بين 700 و800 رمز أساسي يُسمَى “الحروف الرسومية”، عادة ما تتم قراءتها من اليمين إلى اليسار أو من أعلى إلى أسفل، ولا تُستخدم مسافات أو علامات ترقيم، وتظهر بشكل عام في أعمدة على جدران المعابد والمقابر في مصر.
فيما اُستخدمت الهيروغلفية؟
استخدم الكهنة الكتابة الهيروغليفية؛ لكتابة الصلوات والنصوص المتعلقة بالحياة بعد الموت وعبادة الآلهة، كان لدى العديد من المصريين أدلة هيروغليفية للعالم الآخر، مكتوبة على أسطح جدران المقابر وعلى مداخل التوابيت.
كان هناك الخرطوش، وغالبًا ما يكون مخصصًا للملوك، وهو نوعًا من بطاقات الاسم على التوابيت، ويتم تشكيله بطريقة مستطيلة، ويمكن العثور عليه أيضًا في الآثار المصرية وكتابات الورق البردي.
كما استُخدمت النقوش الهيروغليفية على جدران المعابد، والآثار الأخرى بغرض الزينة أو أنها مقدسة للعبادة، كما نُقِشت على أجزاء من كتاب الموتى على التوابيت، وهي مجموعة من التعاويذ التي اعتقد المصريون القدماء أنها ستساعدهم في الحياة الآخرة.
كانت النقوش الموجودة على جدران المعابد والقبور والآثار مخصصة “للخلود” الحياة بعد الموت، كما احتفظت الهيروغليفية بأهميتها كوسيلة للتواصل مع الآلهة، واعتقد المصريون أن لغتهم كانت هدية من تحوت إله الحكمة، والإلهة سيشات (Seshat).
رفض القدماء المصريون استخدام التجريد في لغتهم، واستمدت الهيروغليفية من العديد من العناصر في العالم المادي من حولهم، وأكثر الصور الرمزية اكتمالًا وموضحة هي التي تكون مخصصة للأشخاص وأجزاء من جسم الإنسان. ومع ذلك، فإن الحيوانات والطيور هي فئة أخرى لها أهميتها، وهناك أيضًا صور للأدوات والأسلحة والمجوهرات التي كانت تُستخدم.
أهمية الكاتب المصري القديم
لم يكن بإمكان الجميع في مصر القديمة قراءة وكتابة اللغة الهيروغليفية، وهذا يجعل معناها غامضًا للمواطن العادي، كانت مجموعة واحدة فقط على معرفة بتلك اللغة، وكان يُطلق عليهم اسم “الكتبة”، ولكن كيف يكون الشخص كاتبًا؟ كان على المرء أن يتلقى تعليمه في مدرسة خاصة، وقد يستغرق عدة سنوات لإكماله، وعادة ما يدخلها الأولاد الصغار في سن السادسة أو السابعة.
كان الكتبة لا غنى عنهم لدى الفراعنة، وربما يكون لهؤلاء الكتبة أيضًا علاقة بالمدة التي استطاعت اللغة المصرية القديمة البقاء فيها منذ أن كانت الهيروغليفية تُعتبر هدية من الآلهة، أو تم تغييرها، أو تم التخلي عنها بمثابة تدنيس للمقدسات.
ظهور الكتابات الهيراطيقية والديموطيقية والقبطية
حوالي 2700 قبل الميلاد، تم ظهور النص الهيراطيقي (بمعنى “الكهنوت” من قبل اليونانيين)، والذي كان شكلًا من أشكال الكتابة أقرب إلى الحروف الأبجدية. في نهاية المطاف، أصبح الخط الهيراطيقي مستخدمًا على نطاق واسع كشكل من أشكال الكتابة الأسرع والأكثر فاعلية، وقد تم استخدامه للنقوش الأثرية، حيث بقيت الكتابة المصرية لحوالي ألفي عام، أو حتى تم ظهور النص الديموطيقي في القرن السابع قبل الميلاد.
تم تطوير النص الديموطيقي من الهيراطيقية، وكان نصًا أبسط وأكثر قابلية للقراءة مفضلًا في جميع أنحاء مصر، وتم استخدامه للأغراض الإدارية، والنصوص الأدبية، والرسائل العلمية، والوثائق القانونية، والعقود التجارية.
لقد كان بمثابة تطور جديد في اللغة، أي لأنها كانت نوعًا من اللهجة بقواعدها الخاصة، فخلال العصر اليوناني الروماني، أصبحت الديموطيقية هي نص الحياة اليومية، بينما كانت الهيراطيقية الأقدم مخصصة للكتابات المقدسة.
من المستحيل معرفة كيف كانت اللغة المصرية القديمة بالضبط، ولكن من خلال دراسة الأبجدية القبطية، وهي أول خط أبجدي للغة المصرية، من الممكن الحصول على فكرة تقريبية، اللغة القبطية مكتوبة بالأبجدية اليونانية وستة حروف مأخوذة من الأبجدية الديموطيقية، وكانت لغة العصر المسيحي في مصر من 395 – 641 م.
وفي النهاية، حل النص القبطي محل الديموطيقية باعتباره نص شائع الاستخدام في مصر، وكان يتألف من سلسلة من اللهجات التي كان لست منها على الأقل لغة مكتوبة، وخرجت عن نمطها المعتاد في حوالي القرن الرابع عشر، عندما غزا العرب مصر، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة السائدة، واقتصر الخط القبطي واللغة التي يمثلها على الأغراض الليتورجية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
بعد أن بدأت الإمبراطورية الرومانية حُكمها للأمة المصرية، أخذت الكتابة الهيروغليفية تتلاشى من الاستخدام الشائع، وبقدوم القرن الرابع الميلادي، تحولت مصر إلى المسيحية، واعتمدت باختصار الأبجدية اليونانية والكتابة القبطية، حيث سقطت الأشكال التقليدية للكتابة في البلاد، وكان آخر نقش مؤرخ بالهيروغليفية تم كتابته على عمود بوابة معبد فيلة عام 396 م.
حجر رشيد الشهير
كانت الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة غير قابلة لفك الشفرة لمدة 1400 عام، حتى قام العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون (Jean-Francois Champollion) مؤسس علم المصريات، بفك شفرة حجر رشيد في عام 1822، حجر رشيد نفسه عبارة عن وثيقة مكتوبة بثلاثة نصوص نُقشت بأمر من كهنة ممفيس عام 196 قبل الميلاد.
يحتوي الحجر على نص كتبته مجموعة من الكهنة في مصر، لتكريم الفرعون المصري، كُتب النص بثلاث لغات، منها اللغة الهيروغليفية المصرية، والتي كانت هي النص المستخدم للوثائق الدينية، واليونانية التي كانت لغة حكام مصر في ذلك الوقت، والديموطيقية.
استغرق فك رموز حجر رشيد 20 عامًا، بعد اكتشافه خلال غزو نابليون لمصر عام 1799.
تبقى الحروف الهيروغليفية المصرية حتى اليوم في شكلين: من خلال نصف من الحروف الرسومية الديموطيقية المضافة إلى الأبجدية اليونانية عند الكتابة القبطية، وبشكل غير مباشر كمصدر إلهام للأبجدية الأصلية، التي كانت موروثة تقريبًا لكل الأبجدية الأخرى المستخدمة على الإطلاق، بما في ذلك الأبجدية الرومانية، لا يزال الحديث بشكل ضعيف عن اللغة المصرية في الكنيسة القبطية اليوم.
كتابة: منة الله محمد منصور
مراجعة: آية ياسر
تحرير: سعاد حسن