الفيزياء والفلك

نجمٌ قديمٌ في درب التبانة!

عندما نسمع عن النجوم المُكتشفة التي تشكلت بعد الانفجار العظيم فإنها تكون بعيدةً جدًا فتكون في أقصى الكون المرئي بالنسبة لنا. أما الآن، فقد اكتشف الفلكيون شيئًا جديدًا ألا وهو نجمٌ يبلغ من العمر حوالي 13,5 مليار عام وهو موجود في مجرتنا درب التبانة. ويُطلق على هذا النجم اسم (2MASS J18082002–5104378 B)، والذي من الممكن أن يكون أحد أقدم النجوم في الكون، هذا النجم الصغير يُقدر فقط بحوالي 10%من كتلة الشمس! ويحتوي هذا النجم على أدنى كمية من المعدن. علمًا بأن أي نجم آخر يحتوي فقط على حوالي 10% من المعادن الموجودة في كوكب الأرض، وهذا يعني أن القرص المُجدد النجم في مجرتنا أقدم بكثيرٍ من 8-10 مليار سنة والتي كانت مُقدرة في السابق.

وقال عالم الفيزياء الفلكية أندرو كيسي (Andrew Casey) من جامعة موناش بأستراليا (Monash University in Australia): “لم نكتشف أبدًا كتلة نجم منخفضة جدًا ومُكونة من بضعة جرامات من المعادن”. كما أضاف: “يخبرنا هذا الاكتشاف أن النجوم الأولى في الكون لم يكن لها جميعًا نجوم ضخمة ماتت منذ زمنٍ بعيد، فإن هذه النجوم القديمة يمكن لها أن تتكون من كميات صغيرة جدًا من المواد، مما يعني أن بعض هذه الآثار قد نشأت بعد فترةٍ وجيزة ولا يزال الانفجار موجودًا حتى اليوم، وهذا يعطينا وجهة نظر جديدة لتشكيل النجوم في بدايات الكون”.

كيف تمكن هذا النجم بمثل حجمه الصغير هذا من البقاء غير مُكتشف لفترةٍ طويلةٍ على الرغم من وجوده في درب التبانة هنا؟ إنه باهت بشكلٍ لا يُصدق! ويُرجح الفلكيون أن السبب يمكن أن يكون احتواؤه على رفيق ثنائي، ولاحظوا ذلك عندما كانوا يدرسون هذا النجم حيث لاحظوا الحركة الباهتة له. ويتحدى وجود مثل هذا النجم ذاته في الوقوف ضد المفاهيم الشائعة عن النجوم القديمة، والتي ترى أنها ضخمة وبعيدة وميتة منذ سنين طويلة وهذا الافتراض قد ذهب الآن، حيث افترضه مجموعة من العلماء في أواخر تسعينات القرن الماضي عن النجوم القديمة. وفي الواقع ووفقًا للحسابات يمكن أن تعيش نجمة صغيرة لتريليونات من السنين! وقال كيسي “إن النجوم الضخمة تعيش سريعةً وتموت صغيرة، أما النجوم الأقل ضخامةً -أقل بنسبة 20% من شمسنا- يمكن أن تعيش بسهولة لمدة 13 مليار عام.

تكمن المشكلة في أن علماء الفلك منذ زمنٍ بعيدٍ اعتقدوا أن النجوم الأولى في الكون كانت ضخمة، وبالتالي لا ينبغي أن يبقى أي منها حتى يومنا هذا. وهذا الاكتشاف يساعد على تغيير كل ذلك؛ فهو يبين أن النجوم القديمة يمكن أن تكون كتلتها منخفضة للغاية، مما يعني أن بعض أقدم النجوم في الكون قد يكون موجودًا اليوم.

هناك عدد قليل من النجوم القديمة الأخرى والتي تتجول حول مجرة درب التبانة، مثل العملاق الأحمر (HE 1523-0901) في الهالة المجرية، أو نجمة (Methuselah) الغامضة والتي تم حساب عمرها ويُقدر بحوالي 14.5 مليار سنة (وهذا العمر يتناقض مع عمر الكون!). ولكن من حيث الحجم الصغير والمعدن المنخفض، فإن نجمنا المُكتشف يفوقهم جميعًا، فتركيبه أقرب إلى المواد التي ملأت الكون بعد الانفجار الكبير، قبل أن يتم تحويله إلى بضعة أجيالٍ من النجوم.

ولأن حجم نجمنا صغير ويُصعب رؤيته، فمن الممكن أن يكون هناك العديد من النجوم الصغيرة والخالية من المعادن الخافتة، وكما قال العالم كيسي عنه لأنه منخفض بشكلٍ خادع، ولكن اكتشاف النجم هذا يُقدم سببًا نظريًا وملحوظًا للاعتقاد بوجود آخرين أيضًا لم يتم اكتشافهم بعد، وقال أيضًا: “نحن بحاجةٍ إلى مواصلة البحث عن النجوم القديمة مثل هذا النظام”.

إن هذه النجوم نادرة للغاية، إنها تشبه إلى حدٍ كبير العثور على إبرة بين فدانٍ من أكوام التبن، ولكن مع وجود كميات هائلة من البيانات من المقاريب الأرضية، يبدو المستقبل جيدًا، نحن أقرب من أي وقتٍ مضى إلى فهم كيفية تشكل النجوم في بدايات الكون.ِ

المصدر 

 

كتابة: محمد عبدالمعين

مراجعة: نهاد حمدي

تصميم: نهى عبدالمحسن

تحرير: إسراء وصفي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى