الإمبراطورية الرومانية
تأسّست عام 753 قبل الميلاد بواسطة الأخوين التوأمين: رومولوس(Romulus)، وريموس(Remus). شبّ صراع بين الأخوين؛ وقام رومولوس بقتل شقيقه، وانفرد بحكم روما، وخلفه سلسلة طويلة من الملوك والأباطرة الذين عاصروا أوقات من الرخاء تارّةً وأوقات من الشدة والخلاف تارّةً، ولكن يظل الشيء المميّز الذي كان يجمعهم هو طريقة الموت! طريقة الموت التي في الغالب؛ إما بالانتحار أو بمكيدة مدبّرة عن طريق أفراد من خُدَّام الأباطرة وحاشيتهم!
-
الحياة في الجمهوريّة الأولى
كان الحكم يُسلّم إلى قاضيين من أعضاء مجلس الشيوخ؛ يُنتخبا سنويًا عن طريق الشعب ويأخذ كل منهما لقب (القنصل)، وبوجه عام اتسمت السياسة في الجمهورية المبكرة بالصراع الطويل بين الأرستقراطيين والعامة، لدرجة حصول العامة على بعض الصلاحيات السياسية المستقلّة متمثلة في منابر ومجالس سياسية خاصة، وكانوا مشاركين بقوةٍ في صنع القرار.
عام 450 قبل الميلاد، وُضع أول دستور في روما، ونُقش على 12 لوحًا برونزيًا؛ عُرف باسم (الجداول الاثنى عشر)، وتم عرضه للجمهور في المنتدى الروماني، وتضمّنت هذه القوانين حل قضايا كثيرة، حيث وفرت الأساس لجميع مسائل القانون المدني الروماني في المستقبل! وبحلول عام 300 قبل الميلاد تقريبًا؛ كان مجلس الشيوخ قد أحكم قبضته على السلطة السياسية في روما، وحكم -فعليًا- من وراء طبقة الأرستقراطيين والأثرياء.
نَمَت الدولة الرومانية -بشكل كبير- من حيث الحجم والقوة؛ فاستولت الدولة الرومانية على شبه الجزيرة الإيطالية بأكمَلها عام 264 قبل الميلاد، ثم خاضت سلسلةً من ثلاثة حروب عُرفت باسم (الحروب البونية)، انتهت الحروب البونية -الأولى والثانية- بسيطرة الرومانيين على صقلية وغرب البحر الأبيض المتوسط ومعظم إسبانيا.
وفي الحرب البونية الثالثة (149-146 قبل الميلاد)؛ استولى الرومان على مدينة قرطاج، ودمروها، وأصبحت مقاطعة رومانية، وباعوا سكانها الباقين في أسواق العبيد! أما في الشرق فقد هُزم الملك فيليب الخامس -ملك مقدونيا- في الحروب المقدونية؛ وتحوّلت مملكته إلى مقاطعة رومانية أخرى. فأدّت كل تلك الفتوحات في البلاد وخلط الثقافات المختلفة -في دولة روما- إلى ازدهار الأدب والفن الروماني بشكل كبير.
بدأت المؤسسات السياسية الرومانية بالانهيار؛ بسبب اتساع الإمبراطورية، مما أدّى إلى بدء عهد من الاضطراب والعنف الداخليين، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتبنّى بعض الملوك حركات إصلاحية؛ لكنها بائت بالفشل جميعًا بل وانتهت بمقتل الإصلاحيين على أيدي خصومهم.
-
صعود يوليوس قيصر للحكم
بدأ نجمٌ جديدٌ يلمَع في الساحة السياسية الرومانية؛ وهو القائد يوليوس قيصر! شكّل تحالفًا مع كل من: الملك بومبي Pompey (قاهر حركات القرصنة في البحر المتوسط) والثري ماركوس ليسينيوس كراسوس (Marcus Licinius Crassus) -الذي قمع تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس عام 71 قبل الميلاد-، وعُرف التحالف باسم (التحالف الثلاثي الأول)، وفي عام 58 قبل الميلاد أصبح يوليوس حاكمًا على ثلاث مقاطعات غنيّة في بلاد الغال (حاليًا فرنسا وأجزاء من بلجيكا وألمانيا الغربية وشمال إيطاليا)، ثم شرع في غزو بقية المنطقة لتوسيع الدولة الرومانية.
وبعد وفاة زوجة بومبي جوليا (ابنة قيصر) في عام 54 قبل الميلاد، ومقتل كراسوس في معركة ضد بارثيا (إيران الحالية)؛ تم كسر التحالف الثلاثي، مما أدّى إلى إحداث خلل في السياسة الرومانية، ومن ثمَّ شغل بومبي منصب القنصل الوحيد في عام 53 قبل الميلاد.
كان مجد قيصر العسكرى في بلاد الغال وثروته المتزايدة قد زاد ورَبأ بشدة على ما لدى بومبي؛ فاستشعر الخطر، وتعاون مع مجلس الشيوخ ضد قيصر لإضعافه وتقييده!
وفي عام 49 قبل الميلاد، بدأ قيصر بغزو إيطاليا وأحكم قبضته عليها عام 45 قبل الميلاد؛ مشعلًا بذلك حربًا أهلية، وفوضى عارمة، برز هو فوقها كواحدٍ من أشهر من حكموا روما، ولكن بعد أقل من عام قُتل على يد أعدائه!
-
أوكتافيوس.. الإمبراطور الأول لروما
بعد وفاة يوليوس؛ تم تقسيم الدولة الرومانية، فحكم أوكتافيوس المقاطعات الغربيّة وتولّى أنطونيوس حكم الشرق وأفريقيا، ولاحقًا تطوّرت الخلافات بينهما، وانتهت بحرب (أكتيوم البحرية) بين أوكتافيوس وأنطونيوس ومعه حليفته ملكة مصر كليوباترا السابعة (يُقال أيضًا أنها الحبيبة السابقة ليوليوس قيصر)، وأسفرت هذه الحرب عن هيمنة ساحقة لأوكتافيوس وانتحر أنطونيوس، وتبعته كليوباترا.
وفي بداية عام 29 قبل الميلاد كان أوكتافيوس الزعيم الوحيد والإمبراطور الأول لروما!
أَعاد حكم أُغسطس (أوكتافيوس) الأمن والاستقرار لروما بعد قرن من الخلاف والفساد، ويُعتبر عهده بدايةً لحقبة سلام امتدت لقرنين من الزمان؛ قام فيه بالعديد من الإصلاحات الاجتماعية، وأحرز العديد من الانتصارات العسكرية، وازدهر الأدب الروماني والفن والعمارة والدين، وعند وفاته رفع مجلس الشيوخ أُغسطس إلى مرتبة الإله، وكانت تلك بداية التقليد الشهير بروما في توليه الأباطرة.
-
أشهر خلفاء أغسطس
1- الإمبراطور نيرون (Nero (37-68 ميلاديًا:
أحد أحفاد أُغسطس من ناحية والدته، وكانت تحلم بإيصاله إلى عرش روما، بل وعملت على ذلك بالفعل؛ فتزوجت عمها الإمبراطور كلاديوس (Claudius)، وأصبح نيرون على مقربة منه حتى أعلن تبنيه، بل وزوّجه بنته أوكتافيا، وهكذا ظلت والدته نيرون تُقربه من الإمبراطور حتى آثره على ابنه -الذي من صلبه- بريتانيكوس (Britannicus)؛ فاختصّه بتولي العرش، وتولى نيرون الحكم وهو صغير السن، كان أرعنًا سفيهًا ولم يكن كأسلافِه.
بعد تولّيه الحكم دبّر مكيدة لوالدته وتخلص منها بدعوى أنها تُخطط لاغتياله! وقام بقتل زوجته الأولى بتهمة الزنا والخيانة! كما أن هناك ادّعاءات بقتله لزوجته الثانية أيضًا!
كان مغرمًا بشكل خاصّ ببلاد الإغريق وقام بزيارتها، حينها تم إلغاء دورة الألعاب الأوليمبية وتأجيلها للعام التالي؛ حتى يتسنى لنيرون الاشتراك فيها، بل وتم إدراج دورًا للرسم والغناء خصيصًا له؛ فقد كان شغوفًا بهما -برغم أنه لم يمتلك صوتًا جيدًا-.
تتهمه بعض الروايات بإحراق روما ومحاولة إلصاق التهمة في النصارَى، في حين تدافع عنه روايات أخرى مدعيةً أنه كان في أنتيوم (Antium)، أيًا كان الجاني فقد استفاد نيرون كثيرًا من هذا الحريق وأعاد بناء المدينة على الطراز الإغريقي، كما قام ببناء قصرٍ له عُرِفَ بالقصر الذهبي (Domus Aurea).
وبسبب فجوره الشخصيّ وإسفافه الشديد بجانب إعادة بناء روما وبناء القصر؛ تكبدت الخزانة الرومانية خسائر فادحة، مما دفعه إلى رفع الضرائب، بل ومصادرة القرابين والنذور من المعابد! الأمر الذي اضطر الحرس الإمبراطوري بالتخلي عنه، وأعلن مجلس الشيوخ بأنه خائن للشعب، بعد يوم من هذا الإعلان انتحر نيرون!
بعد وفاة نيرون تولى الحكم أربعة أباطرة في هذا العام المضطرب، رابعهم يُدعى فيسباسيان (Vespasian)، وخلفاؤه تيتوس ودوميتيان (Titus and Domitian) الذين حاولوا التخفيف من تجاوزات المحكمة الرومانية، واستعادة سلطة مجلس الشيوخ، وتعزيز الرفاهية العامة، واكتسب تيتوس إخلاصَ شعبه عرفانًا له بالجميل لجهوده في إصلاح آثار ثوران بركان فيزوف (Vesuvius) المشوؤم، الذي دمّر مدينتيّ هركولانوم وبومباي.
خلف دوميتيان الإمبراطور نيرفا (Nerva)، الذي بدأ عصرًا ذهبيًا آخر في التاريخ الروماني، تولى أربعة أباطرة العرش بسلام، تراجان (Trajan) الذي وسّع حدود الدولة الرومانية إلى أقصى حد في التاريخ؛ بانتصارات على ممالك داسيا (شمال غرب رومانيا حاليًا) وبارثيا.
خليفته هادريان (Hadrian)، قام بترسيخ حدود الإمبراطورية الشهيرة ببناء جدار هادريان (يقع حاليًا في إنجلترا) وواصل عمل سلفِه في إرساء الاستقرار الداخلي وإقامة الإصلاحات الإدارية.
وأنطونيوس بيوس (Antoninus Pius (138-161، الذي استمرت روما في عهده في مرحلة من السلام والإزدهار.
ولكن عند تولي ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius (161-180، بدأ الصراع يدبُ من جديد في مفاصل الإمبراطورية؛ فاشتعلت الحرب للأسف ضد بارثيا وأرمينيا وغزو القبائل الألمانية من الشمال.
2- الإمبراطور دقلديانوس:
كان من أبناء العامة، ولكن بمهارته العسكرية صعد في المناصب حتى وصل للحرس الخاص بالإمبراطور كاروس (Carus)، أُغتيل ابن الإمبراطور كاروس والوريث الشرعي على يد زعيم الحرس الإمبراطوري للاستيلاء على الحكم، لكن محاولته باءت بالفشل، وقام بإعدامه دقلديانوس أمام قواته، وتذكر بعض الروايات أنه كان متورطًا في تدبير الاغتيال.
كان دقلديانوس من أشد المُعادين للنصرانيّة؛ كان يرى فيها الشوكة التي وقفت في حلق الأباطرة منذ عهد نيرون، كما أنه رأى فيها إهانة شخصية له؛ لأنه رأى نفسه إلهًا يجب أن يُعبد كما جرت العادة منذ عهد أُغسطس مثلما ذكرنا، ورأى أنه يجب عودة الحياة الدينية إلى عبادة الوثنية كما كانت في روما، الأمر الذي رفضه النصارى بشدة.
في عام 303 ميلاديًا بدأ موجة اضطهاد شديدة للنصارى؛ فقام بهدم الكنائس، وإحراق الكتب، والنصوص الدينية، واعتقال كبار رجال الدين والأساقفة بل وقطع رقاب بعضهم، وأمر أن يُسجد له! وأمر الجنود وموظفي القصر أن يتقربوا للإله بالقرابين، ومن يرفض يُجبر على الاستقالة! ثم غُلّظت العقوبة إلى التعذيب والإعدام! واشتد الاضطهاد وكثر الشهداء حتى عُرف بـ(عصر الشهداء).
استمرت تلك الوحشية حتى نهاية عام 303 ميلاديًّا؛ حين اشتد عليه المرض مما دفعه لاعتزال الحكم، والذهاب للاستشفاءِ في قصره بكراوتيا حاليًا، خلفه من بعده الإمبراطور (قسطنطين) أول من اعترف بحقوق النصارى في المجتمع، لم يكتف بذلك بل اعتنق النصرانيّة، وأعلنها ديانة رسمية للبلاد؛ مما جعل دقلديانوس يستشيط غضبًا بيد أنه لم يتخذ موقفًا، وظل في قصره حتى مات عام 311 ميلاديًا.
قام قسطنطين بنقل العاصمة إلى مدينة بيزنطة اليونانية، والتي أعاد تسميتها بالقسطنطينية وحاليًا (أسطنبول)، وتخلى عن صراعات السلطة التي نشأت، وانفرد بحكم الإمبراطورية 324 ميلاديًا.
بعد 30 عامًا من وفاته، انقسمت روما لإمبراطوريتان: إمبراطورية شرقية، وإمبراطورية غربية، بقت الإمبراطورية الشرقية -أو ما عُرف حينها باسم الإمبراطورية البيزنطية- متماسكة لقرونٍ طويلةٍ على الرغم من معاركها المستمرة ضد القوات الفارسية، على اليد الأخرى فإن الإمبراطورية الغربية انهارت بسبب الصراع الداخلي والتهديدات من الخارج لا سيما من القبائل الجرمانية.
انهارت روما في نهاية المطاف، وخسرت مقاطعاتها واحدة تلو الأخرى، وتعرضت لغزة أتيلا الهوني الذي أقتطع بلاد الغال وإيطاليا، وفي سبتمبر 476 ميلاديًّا فاز أحد أمراء القبائل الجرمانية الذي يُدعى أودوفاكار (Odovacar) بالسيطرة على الجيش الروماني في إيطاليا بعد عزل الإمبراطور الغربي الأخير رومولوس أوغسطس، ونصّب نفسه ملكًا لإيطاليا، مما أدّى إلى نهاية التاريخ الطويل المضطرب لروما القديمة، واكتمل سقوط الإمبراطورية الرومانية.