إن أحد أكبر التحديات في العلوم الفيزيائية الحديثة هو تحديد المكونات الأولية للمادة، وكيفية تشكُّل الكواركات والبوزونات والإلكترونات، والطريقة التي تتفاعل بها هذه الجسيمات مع بعضها البعض. وحل هذه المشكلة المُعلقة لن يؤدي فقط إلى تعميق فهمنا للأيام الأولى للكون، ولكنه سيُلقي بعض الضوء أيضًا على حالاتٍ غريبةٍ من المادة، مثل: الموصلات الفائقة (superconductors).
إلى جانب الغازات والسوائل والمواد الصلبة، يمكن أن توجد المادة في أشكالٍ أخرى عندما تتعرض لظروفٍ قاسية. تمت ملاحظة مثل هذه الأشكال في الكون بعد الانفجار العظيم مباشرةً، ويمكن محاكاتها أيضًا في المختبر. وبينما تم اكتشاف عددٍ كبيرٍ من الجسيمات الأولية في مصادمات الطاقة العالية، تبقى الأسئلة المعقدة المتعلقة بتفاعلاتها -ووجود حالاتٍ جديدةٍ للمادة- دون إجابة.
بالتعاون مع مجموعةٍ من علماء الفيزياء التجريبية: إيمانويل بلوش (Immanuel Bloch)، مونيكا أيدلسبرجر (Monika Aidelsburger)، وكريستيان شويزر (Christian Schweizer)، وعلماء الفيزياء النظرية: يوجين دايملر (Eugene Demler)، فابيان جروسدت (Fabian Grusdt)، ناثان جولدمان (Nathan Goldman)، ولوكا باربييرو (Luca Barbiero)، قاموا باقتراح النهج التجريبي الجديد الذي يمكن من خلاله دراسة هذه الظواهر غير المألوفة دراسة دقيقة.
نُشرت أعمالهم في مجلة (Nature Physics) حول تحقيقهم التجريبي لـ”نظرية المعيار الشبكي “lattice gauge theory”، -وهو نموذجٌ نظريٌ اقترحه في البداية كينيث ويلسون (Kenneth Wilson) الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء 1982- لوصف التفاعلات بين الجسيمات الأولية مثل الكواركات والغلونات. أظهر الباحثون أن إعدادهم التجريبي -وهو عبارة عن ذرات غازٍ فائقة البرودة- يتم التحكم فيه بواسطة الليزر، حيث يستنسخ بالفعل خصائصًا مثل هذا النموذج الجذاب.
يكمُن التحدي في تنفيذ تفاعلات محددة بعناية بين جزيئات المادة والبوزونات القياسية (والتي تُمثل حاملات القوى الأساسية). في حالة الذرة الباردة، يتم تمثيل هذه الأنواع المختلفة من الجزيئات بحالات ذرية مختلفة، والتي يمكن معالجتها بطريقةٍ دقيقةٍ جدًا باستخدام الليزر.
هذا النهج التجريبي الجديد يشكل خطوة مهمة للمحاكاة الكمية للنظريات الأكثر تطورًا، والتي قد تُلقي -في نهاية المطاف- بعض الضوء على الأسئلة المفتوحة في فيزياء الطاقة العالية، وفيزياء الحالة الصلبة باستخدام تجارب معملية.
كتابة: زهرة صابر
مراجعة: أحمد مغربي
تحرير: زياد محمد
تصميم: عاصم عبد المجيد
