زراعة الأعضاء
عندما يشرف الليل، يخلد الأطفال إلى فراشهم، وما إن تطفأ الأنوار حتى يبدأ الخوف من أن يأتي أحد الوحوش الليلية كصاحب الرجل المسلوخة. ليقضم أحد أطرافك فتفزع للغطاء لتندثر تحته، كان هذا حالنا في الطفولة، وربما أقول ربما ظل بنا الحال إلى الآن.
على كلٍ، إن قضم الوحش طرف لنستبدله بآخر، هذا يذكرني بالطبيبين القسيسين قزما Cosma)) ودميان (Damian) في أحد أشهر لوحات الرسام ماثيو دي باتشينو (Matteo di Pacino). ويظهر فيها القسيسين وهما يؤديان معجزة الرجل السوداء (Miracle of black leg)، وهما ينقلان قدم الرجل الأسود إلى الرجل الأبيض، ونقل قدم المريض الأبيض إلى جثة الرجل الأسود.
محاولات باءت بالإخفاق!
هكذا تبدأ الأساطير عن نقل وزراعة الأعضاء، ثم إلى القرن الثامن عشر حين جرّب الباحثون زراعة الأعضاء على البشر والحيوانات، ولا نجاح بلا فشل. لذلك؛ باءت الكثير من محاولاتهم بالإخفاق، وكانت أول تجربة ناجحة لزراعة عضو في القرن التاسع عشر للطبيب جوزيف موراي (Joseph Murray).
حيث استطاع نقل كلية شخص بالغ بنجاح لتوأمه لتفتح له الباب للحصول على جائزة نوبل في الطب عام 1990 التي شاركها مع الطبيب إدوارد دونال توماس (Edward Donnall Thomas) لأبحاثهما التي ساهمت في تطوير مجال زراعة الأعضاء والخلايا. وبمرور الوقت، أصبحت عمليات نقل وزراعة الأعضاء روتين في المجال العلاجي.
ولكن الأشياء ليست وردية دائمًا، فمع انتشار زراعة الأعضاء، نوهت منظمة الصحة العالمية WHO بالكثير من المخاطر المترتبة على سلامة المرضى والإتجار بالأعضاء والبشر للكسب الخسيس من وراء زراعة الأعضاء. ومن المعروف أيضًا أن التباين في انتشار معدل عمليات زراعة الأعضاء في بعض الأماكن ونقصها في أماكن أخرى ليس دليلًا على مدى الحاجة إليها. بل على مدى رفاهية المرضى في الحصول على هذا النوع من العلاج مع توفير الإمكانيات المطلوبة؛ كالتقنيات الطبية المكلفة والموارد.
غالبًا ما تنفذ تلك العمليات باستبدال عضو المريض التالف أو المصاب بعضو سليم مستئصل جراحيًا من شخص آخر. ونجاح تلك العملية يعطي المريض أملًا جديدًا في الحياة، وتعتبر عملية زراعة الكلى هي الأشهر. تليها زراعة الأمعاء، ولكن تواجه تلك العمليات الكثير من المخاطر والتهديدات التي قد تصل بالعملية للفشل أو تهديد حياة المريض. ومن أشهر الأخطار التي تعوق بين العملية ونجاحها هو رفض الزرع (Transplant rejection) حينما يرفض جسم المتلقي العضو أو النسيج المزروع.
والعجيب أن سبب هذه المشكلة يفعلها الجسم بحسن نية مسبقة. كل ما في الأمر أن الجهاز المناعي يحاول أن يقوم بواجبه في حمايتك من الأجسام الغريبة. وهذا الدور هو الذي يحمينا من الميكروبات والفيروسات والأجسام الضارة.
لكن كيف يتعرف عليها؟
يوجد على سطح تلك الخلايا أنواعًا معينة من البروتينات تسمى المستضدات أو مولدات الضد (antigens). بمجرد دخولها للجسم يبدأ الجهاز المناعي في استشعار تلك المستضدات ليحفز الخلايا المناعية لمهاجمة هذا الجسم الغريب.
لذا؛ من البديهي عندما يتم زرع عضو أو نسيج غريب في الجسم أن يتعرف عليها الجهاز المناعي ويُعرّفها كجسم غريب ويهاجمها، لذلك هناك بعض الشروط اللازم وجودها في جسم المتبرع لإتمام عملية الزرع، ومنها أن تكون المستضدات في عضو المتبرع تشبه المستضدات في جسم المتلقي (المريض) تمامًا أو تشبهها بشكل كافٍ، ومداه يحدده الأطباء، وكلما زاد التشابه، كلما قل احتمال رفض الجسم. وحالة المثالية في التشابه بين المستضدات لا تحدث إلا في حالة التوائم. لعل هذا كان أبرز أسباب نجاح أول عملية في التاريخ.
ومن أشهر الاختبارات المطلوبة في عمليات نقل وزراعة الأعضاء هي التنميط التنسيجي (Tissue Typing). ويتم فيه اختبار مدى توافق أنسجة المتبرع مع المتلقي (المريض)، وتحديد إمكانية نجاح العملية. ومع ذلك، يحاول الأطباء بكامل جهدهم في المساعدة في نجاح تلك العملية. ومنها أن يستخدم الأطباء أنواع معينة من العقاقير التي تعمل على تثبيط (كبح) الجهاز المناعي؛ لمنعه من مهاجمة العضو المزروع في حالة عدم توافق مستضداته بالشكل الكافي.
لحسن الحظ هناك بعض الاستثناءات، فهناك مثلًا زراعة ونقل أعضاء معينة نادرًا ما يحدث فيها رفض؛ كزراعة القرنية. حيث أن أنسجتها لا تحتوي في الأساس على إمدادات دموية، والعمليات التي تحدث بين التوأم المتطابق.
وينقسم رفض الجسم للعضو المزروع إلى ثلاثة أنواع:
- الرفض شديد الحدة (Hyperacute rejection):
في حالة كانت المستضدات (antigens) غير متطابقة تمامًا، يتم رفض العضو المزروع خلال دقائق قليلة من الزرع، ويجب إزالة العضو المزروع على الفور حتى لا يموت المتلقي، ومثال على هذه الحالة عندما يُعطى الشخص دم من فئة (أ) ودمه من الفئة (ب). - الرفض الحاد (Acute rejection):
يتم في الفترة بين أول أسبوع من زرع العضو إلى ثلاثة أشهر، وجميع المتلقين لأعضاء مزروعة يتعرضون لقدر من هذا الرفض. - الرفض المزمن (Chronic rejection):
يتميز بطول البعد الزمني بين عملية الزراعة والرفض، وتؤدي الاستجابة المناعية من الجسم للعضو المزروع أو النسيج مع الوقت إلى إتلافه ببطئ.
كما سبق القول، في الغالب يتم إزالة العضو التالف من جسم المريض باستبداله مع آخر سليم من المتبرع. لكن هل هذا يحدث دائمًا؟
في حالة زراعة كلية جديدة في الجسم لمرضى الفشل الكلوي. لا يحتاج الطبيب في الأغلب إلى استئصال الكلى الموجودة بالجسم. بل يتم زرعها في الجزء الأمامي من أسفل البطن في الحوض. ويتم إيصال شريان ووريد الكلية المزروعة بالوريد والشريان اللذين يغذيان الكلى. حيث أنه موجود أيضًا في الحالب (الأنبوبة التي تنقل البول من الكلى إلى المثانة) بمنطقة الحوض.
ولكن هناك بعض الحالات التي يجب فيها إزالة الكلى الموجودة. إذا سببت مشاكل خطيرة؛ كارتفاع ضغط الدم الذي لا يمكن السيطرة عليه، أو أن يتضخم حجمها بشكل بالغ.
كتابة: رؤى غريب