الخرف | ما هو؟ وكيف نتقيه؟
زارني صديقي ليقضي ثلاثة ليالٍ معي، أتوقع أن تكون ليالٍ سعيدة..
من فوري اصطحبت صديقي لغرفة جدي -فكم أحبه وأحب أن أعرّفه أصدقائي، فتعارفا وجلسنا نتسامر ثلاثتنا، ويجلس جدي على الأريكة يحادثنا..
وللأسف، لم يطل الحديث كثيرًا؛ فكعادته يتوقف جدي في منتصف الجمل لا يدري كيف يُتابع، فهو لا يستطيع إيجاد الكلمات المناسبة لإكمال جمله.. ولم نشأ أن نرهقه كثيرًا، فاستأذنّاه وتركناه يخلد للنوم.
في صباح اليوم التالي، اصطحبت صديقي مسرعًا إلى جدي -فقد أحب صديقي مجالسته.. لكن يا للأسف! لم يتذكره جدي.. لقد نسيه رغم أنه لم يمضِ أكثر من ساعات على تعارفهما.. مسكينٌ جدي أرهقه الخرف..
ولكن، ما هو الخرف يا ترى؟
الخرف هو متلازمة مكونة من تدهورٍ في قدرات الذاكرة، والقدرة على التفكير، وتغير في السلوكات؛ مما يعيق المصاب عن أداء مهامه اليومية بشكل طبيعي، وربما نلاحظ أيضًا نقص تلك الوظائف بشكل اعتيادي في سن الشيخوخة، إلا أن تأثير الخرف يكون أعتى من الأثر الناجم عن التغيرات الفسيولوجية التي تحدث مع تقدم العمر.
كذلك يعصف الخرف بقدرات المصاب على التعلم، وإجراء العمليات الحسابية، واتخاذ القرارات الصائبة. ويُصاحِب التدهور المعرفي في معظم الأحيان فقدان القدرة على التحكم في المشاعر والسلوكات، كما قد يؤدي الخرف لفقدان الدوافع على المضي قدمًا في الحياة وتخبو معه العزيمة.
هل الخرف مرض؟
لا يُعد الخرف مرضًا في حد ذاته، إلا أنه ينتج عن العديد من الأمراض التي تؤثر في الدماغ، ويأتي على رأس تلك الأمراض مرض ألزهايمر (Alzheimer) السبب الأكثر شيوعًا لحدوث الخرف.
الأعراض ومراحل الخرف
يحدث الخرف نتيجة تلف الخلايا العصبية في الدماغ، وتختلف الأعراض باختلاف المنطقة المصابة من الدماغ، ويمر المصاب بالخرف بمراحل ثلاث:
المرحلة الأولى (الخرف البسيط)
تُغفَل المرحلة الأولى للخرف في كثيرٍ من الأحيان؛ لأن أعراضها تظهر تدريجيًا وببطء، وتشمل تلك الأعراض: النسيان، وفقدان المتعلقات الشخصية، فقدان الشعور بالوقت، الضياع في أماكن مألوفة للمريض.
المرحلة الثانية (الخرف المتوسط)
تتفاقم فيها الأعراض لدرجة تعيق المريض بشكل واضح عن ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي، مثل:
تفاقم النسيان: ينسى المريض بشكل متكرر، وتتأثر الذاكرة قصيرة المدى بشكل ملحوظ؛ إذ ينسى الأحداث القريبة كما ينسى أسماء الأشخاص الذين تعرف عليهم مؤخرًا.
الضياع في المنزل: يضل المريض طريق غرف منزله المختلفة.
صعوبات التواصل: يجد المريض صعوبة في التحدث وإكمال الجمل، ولا يستطيع إيجاد كلمات مناسبة لإكمال الجمل.
الاعتمادية: يحتاج المريض إلى عون أهله في بعض أموره الخاصة، مثل: ارتداء ملابسه وتمشيط شعره.
تغيرات سلوكية: تتغير بعض سلوكاته؛ إذ يزداد شرود ذهنه ويكرر الأسئلة ذاتها مرارًا.
المرحلة الثالثة (الخرف المتأخر)
أعتى مراحل الخرف، فيها يعتمد المريض اعتمادًا كليًا على من حوله، ويصير غير قادر على أداء أي نشاطٍ وحده، وتزداد الأعراض حدة وسوءًا، مثل:
عدم إدراك الوقت والمكان: لا يستطيع أن يميز بين الليل والنهار، كذلك لا يستطيع التمييز بين البيت والمستشفى وأي مكانٍ آخر.
نسيان الأهل والأصدقاء: يجد المريض صعوبة في التعرف على أقاربه وأقرانه.
الاعتمادية شبه التامة: يحتاج المريض مساعدة غيره في كل أموره تقريبًا، حتى في الأمور التي كان يمكن أن يعتمد فيها على ذاته في المرحلة السابقة (كقضاء الحاجة مثلًا).
صعوبات في الحركة: يجد المريض صعوبة في المشي والانتقال من مكان لمكان اخر.
العدوانية: تتفاقم التغيرات في سلوك المريض إلى درجة قد تجعله عدوانيًا مع الآخرين.
الآثار النفسية للخرف
تظهر على مريض الخرف بعض الأعراض النفسية، مثل: الاكتئاب، والقلق، كما قد يصل الأمر لدرجة إصابته بجنون العظمة والمعاناة من الهلاوس.
أنواع الخرف الشائعة
مرض ألزهايمر هو أكثر أنواع الخرف شيوعًا، ويمثل قرابة 65% من حالات الخرف، إلا أن هناك أنواعًا أخرى للخرف، مثل: الخرف الوعائي، وهو يحدث في الحالات المرضية التي تؤدي لتلف الأوعية الدموية في الدماغ، وبالتالي نقص تدفق الدم للدماغ، مثل: السكتة الدماغية، وخرف أجسام ليوي حيث تتراكم بعض البروتينات الغير طبيعية داخل الخلايا العصبية في الدماغ مسببةً تلفها، والخرف الجبهي الصدغي، وهو يحدث نتيجة تلف الخلايا العصبية في الفصين الجبهي والصدغي من الدماغ، والخرف المشترك -وهو مزيجٌ من الأنواع السابقة. والتمييز بين الأنواع قد يكون أمرً صعبًا؛ لأنه في معظم الأحيان، يكون المرض مزيجًا من أنواع مختلفة
معدلات انتشار الخرف عام 2020
تبعًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يعاني قرابة 50 مليون شخص حول العالم من الخرف، ويتواجد قرابة 60% منهم في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، كما يمثل المصابون بالخرف ممن تجاوزوا سن الستين قرابة 5% إلى 8% من عموم من بلغ الستين عامًا أو تجاوزها، ويتوقع أن يرتفع عدد المصابين بالخرف إلى 82 مليون شخص بحلول عام 2030.
عوامل الخطورة
تساهم العديد من العوامل في ارتفاع معدل خطورة الإصابة بالخرف، بعض تلك العوامل حتمية لا يمكن تغييرها إلَّا أن أكثرها يمكن التحكم فيه للوقاية من الخرف، منها:
- السن: تزداد خطورة الإصابة بالخرف مع تقدم العمر -خاصة بعد سن الخامسة والستين- ومع ذلك لا يعد الخرف حتميًا في سن الشيخوخة، ويمكن أن يصيب من هم في أعمارٍ مبكرة.
- التاريخ المرضي للسلالة العائلية: وجود تاريخ مرضي بإصابة أحد أفراد السلالة العائلية بالخرف يزيد من خطورة إصابة فردٍ اخر من نفس السلالة.
- متلازمة داون (Down syndrome).
- الخمول وقلة النشاط.
- تناول الأطعمة غير الصحية باستمرار.
- تناول الخمور بكثرة.
- التدخين.
- مرض السكري.
- نقص الفيتامينات.
- أمراض القلب والأوعية الدموية.
الوقاية من الخرف
لا يوجد طرق مؤكدة للوقاية من الخرف، إلا أن هناك عدة عادات يساعد اتباعها على التقليل من احتمالية الإصابة بالخرف، منها:
1- تنشيط العقل باستمرار: تساعد الأنشطة التي تتطلب نشاطًا ذهنيًا على إبقاء الدماغ صحيحًا أزمنة أطول، كما تقلل من أثر الخرف إن أصيب به، وتمثل القراءة باستمرار وألعاب الكلمات المتقاطعة والألعاب التي تتطلب نشاط الذاكرة عادات رائعة لتنشيط العقل باستمرار.
2- ممارسة الرياضة بانتظام: تنشيط الجسد مهمٌ كتنشيط العقل، يُنصح بممارسة الرياضة لمدة 150 دقيقة اسبوعيًا.
3- الامتناع عن التدخين: تزيد احتمالية الإصابة بالخرف في المدخنين الشرهين عن أولئك الذين لا يدخنون.
4- تناول فيتامين (د): أشارت بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من نقص فيتامين د أكثر عُرضة للإصابة بالخرف، لذا؛ يُنصح بالمداومة على تناول الأطعمة والمكملات الغذائية المليئة بفيتامين (د)، وكذلك التعرض للشمس بين الحين والآخر، رغم ذلك، لم يتم التأكُد حتى الآن من فعالية فيتامين (د) في منع الإصابة بالخرف.
5- معالجة الأمراض والحالات المؤدية لأمراض القلب والأوعية الدموية: ارتفاع الضغط، وارتفاع كوليستيرول الدم، والسمنة، ومرض السكري.. كلها تمثل عوامل خطورة على القلب والأوعية الدموية، وأمراض القلب والأوعية الدموية تزيد من احتمالية الإصابة بالخرف.
6- المواظبة على الطعام الصحي.
كتابة: أحمد جمال
مراجعة: تقى عوف
تحرير: أحمد عبيد