التقدم في السن هو سنة الحياة، فذلك الخط الأبيض من الشيب الذي يبعثر الشعر الأسود، ويسلب منه ملكيته التي حافظ عليها لعقود على ذلك الرأس، ما هو إلا نتاج سنوات من الحياة بين التخبط، الهروب، الحزن، الانتصار تارة والهزيمة تارة أخرى؛ أما تلك الترهلات التي أصابت الجلد فأصبح رفيعًا سهل الخدش، ما هي إلا نتاج سنوات من العمل.
تلك التجاعيد التي أصابت الوجه فأفقدته رونقه وجماله هي نتاج أعوام من الضحك والبكاء، أعوام من النظر إلى الحياة ومتطلباتها، وتحت ذلك كله، نرى المفاصل وقد فقدت انسيابيتها مع بعضها البعض، عضلات القلب ما عادت قادرة على الضخ كسابق عهدها، أما المخ فبات ينسى الكثير من الذكريات.
كل يوم جديد يستيقظ صاحبه ليجد نفسه فاقدًا لذكرى ما، حتى يمسي لا يذكر شيئًا؛ هذا عادي لشخص قارب عمره الخامسة والتسعين، أو حتى أحيانًا الثمانين، ولكن لطفل لم يكمل عقده الثاني بعد، بل لم يقطع حتى نصف عقده الثاني، هنا لابد من وقفة، فتلك ليست بالحالة الطبيعية، إنما هو مرض يسمى “متلازمة الشيخوخة”!
-
ما هي متلازمة الشيخوخة؟
هي حالة جينية نادرة تصيب الأطفال من النوعين على حد سواء، يصيب هذا المرض 1 لكل 4000000 مولود على مستوى العالم. في الغالب، لا تظهر الأعراض مبكرًا، بل تبدأ في الظهور من منتصف العام الأول، أو في بدايات العام الثاني من عمر الطفل، وذلك الطفل لديه فرصة للعيش لعمر (13 – 14 عامًا) تقريبًا وليس أكثر من ذلك.
خلل واحد في جين يسمى (Lamin A)، يتسبب في صناعة نوع غير عادي من البروتينات وهو البروجرين (progerin)، عندما تستخدم الخلايا هذا النوع من البروتينات، يتسبب ذلك في تدميرها بشكل سهل، يزداد ذلك البروتين في العديد من خلايا الطفل دافعًا إياه نحو الشيخوخة بشكل سريع.
هي ليست بالمرض الوراثي، في الثلاثين عامًا الماضية، لم تكن الأسباب معروفة، ولكن في عام 2003 عُرف أن السبب خلل جيني، وذلك أعطى أملًا كبيرًا في إيجاد العلاج، ومع ذلك، حتى الآن لا يوجد علاج نهائي، ولكن هناك فقط طرق لعلاج الأعراض.
-
أعراض متلازمة الشيخوخة
الأطفال المصابون بمتلازمة الشيخوخة لا يكتسبوا الوزن، ولا يتم نموهم بشكل طبيعي، إلى جانب بعض الأعراض ومنها:
1- الرأس الكبير والعيون الكبيرة.
2- صغر الفك السفلي.
3- بطء وخلل في نمو الأسنان.
4- فقدان الشعر، بما في ذلك شعر الحاجب والجفن.
5- الجلد الرفيع، وهي إحدى علامات السن المبكر.
6- تيبس المفاصل.
7- افتقار الجسم للعضلات والدهون.
8- قلة الحركة.
مع التقدم في العمر، تبدأ بعض الأمراض التي تصيب من هم بعمر ال50 في الظهور على الطفل، مثل: فقدان العظام، وأمراض القلب والشرايين، في الكثير من الأحيان يتوفى الطفل نتيجة الأزمات القلبية أو الجلطات.
الشيخوخة المبكرة لا تؤثر على ذكاء الطفل أو حالته المناعية ومدى قابليته للتعرض للعدوى، كما أنها لا تؤثر على قدرته الحركية، فهو يبدأ بالحبو والمشي مثل سائر الأطفال من نفس عمره.
-
تشخيص متلازمة الشيخوخة
تشخيص الحالة يحتاج إلى إجراء بعض التحاليل والاختبارات المعملية، مثل: قياس ضغط الدم، ومتابعة القلب، والمفاصل، والقوى العضلية، اختبارات السمع والنظر، بجانب بعض الأعراض الظاهرية؛ كفقدان الشعر، والعيون الكبيرة، والرأس الكبير.
-
علاج متلازمة الشيخوخة
لا يوجد حتى الآن علاج لمتلازمة الشيخوخة؛ نظرًا لحداثة اكتشاف السبب الرئيسي وراء حدوثه، ولكن بعض الأبحاث تعمل على أحد أنواع الأدوية التي تستخدم في علاج السرطان وهو ((Farnesyltransferase Inhibitors (FTIS) الذي يعمل عن طريق استهداف بروتين يسمى Farnesyltransferase، وبالتالي يوقف عمل بروتين يسمى (RAS)، وهو يعمل على إصلاح الخلايا المدمرة، حيث يعتقد العلماء أنه قد يعكس الأثر المدمر الذي يحدثه الخلل الجيني في الخلايا.
بعض الدراسات أجريت على مجموعة من الفئران التي لديها نفس أعراض الشيخوخة المبكرة، وقد أدت هذه الدراسات إلى ظهور نتائج جيدة من التحسن لدى الفئران.
في سبتمبر 2012، أجريت بعض التجارب مُستخدمة FTIs على مجموعة من الأطفال المصابين بالشيخوخة المبكرة، وقد أظهرت نتائج مبشرة تتمثل في تحسن في التكوين العظمي، واكتساب الجسم للوزن بشكل جيد، بجانب تحسن الجهاز الدوري.
في عام 2016 أكدت دراسة أن استخدام FTIs قد يزيد من العمر بمتوسط 1.6 عام.
حتى يجد لنا الباحثون علاج لذلك المرض، يركز الأطباء على علاج الأعراض، ومحاولة تجنب حدوث المضاعفات، فبعض الأدوية تُوصَف لتقليل نسبة الكوليسترول في الدم؛ لتجنب تكون الجلطات.
العلاج الطبيعي هو أحد جوانب العلاج التي ينتهجها الأطباء، وذلك للحفاظ على العضلات والمفاصل بشكل صحي لأطول فترة ممكنة.
ممارسة الرياضة بشكل منتظم، والحرص على تناول الطعام الصحي يساعد بشكل كبير في علاج الحالة. في بعض الأحيان، يلجأ الطبيب إلى الجراحة القلبية لتجنب الأزمات والفشل القلبي.
كتابة: نهاد عادل
مراجعة: فاطمة نصر
تحرير: إسراء وصفي
