الفلسفةعلم النفس

عدم اليقين آفة يُمكنك التصالُح معها!

تفاءل الناس بالعام الجديد -2020-، وهمَّ الكثيرون بالقيام بإنجازاتٍ مُميزة، لكن لم يعرف أحد منهم أنَّ هذا العام حقًا عام مُميز، ليس لكثرة ما سيوثقونه بالإنجازات، بل لأنه سيكون أول عام في القرن الواحد والعشرين، يشهد اجتياح واحد من أشرس الأوبئة على مرّ التاريخ، إنه وباء كوفيد-19، أو فيروس كورونا المُستجد.

  • استطلاع أمريكي

منذ فترة من الزمن -ليست بالبعيدة- نشرت جمعية الطب النفسي الأمريكية استطلاعًا يُفيد بتأثير فيروس الكورونا على الصحة العقلية للأمريكيين (لاحظ يا صديقي، أنَّ أمريكا هي أعلى دولة في الإصابات بكورونا على الأقل في اللحظة التي أكتب فيها إليك)، وكانت نتائج الاستطلاع:
▪ عانی حوالي 36% من الأمريكيين من تأثير سلبي على صحتهم العقلية، بسبب الكورونا.
▪ عانی حوالي 59% من الأمريكيين، بسبب تأثير كورونا بشكل خطير على الحياة اليومية.
▪ يُعاني 19% منهم من مشاكل في النوم، بسبب القلق.
▪ يُواجه 24% منهم مشاكل في التركيز، بسبب خوفهم من كورونا.
▪ يُعاني 57% من البالغين من القلق، بسبب التأثير السلبي لـ كورونا على مواردهم المالية، فمعظمهم قلقون من نفاذ الطعام أو الأدوية، أو احتياجاتهم اليومية بشكل عام.
▪ يخاف 68% من الأمريكيين من التأثير السلبي للفيروس على الاقتصاد على المدى الطويل.

  • تعليق شخصي

من وجهة نظري الشخصية، فإنَّ كل هذه الاستطلاعات تُشير إلى تأثير الفيروس السلبي على نفوس الأمريكيين -في الحقيقة أنَّ التأثير السلبي هذا ينتشر بين الناس في العالم أجمع-، فتجدهم جميعًا يعيشون في حالة من عدم الأمان، وفي شك دائم، ليس فقط خوفًا على حياتهم، وإنما على ما سيحدث في المستقبل إذا استمر الوضع بالتدهور، أو أضعف الإيمان الخسائر التي سيُسببها الفيروس في المُستقبل، والشك، إنه الشك يا صديقي الذي صنفه علماء النفس بأنه من أخطر الأمراض على النفس البشرية، وقد يتسبب في إصابة مَن يُعاني منه بنوبات اكتئاب حادة، لذا من الضروري أنْ يسعى الأمريكيون للتصالُح مع هذا الأمر قليلًا -وباستطاعتهم-.
كيف؟ الأمر يحتاج إلى شرح طويل، تابعني في السطور التالية.

  • أحداث واقعية

بالرغم من أنها دولة قوية، وبها أحدث الوسائل التكنولوجية، ومنذ أنْ أنشائها رجال الأعمال منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان، فكل الجهود مُوجّهة لتدعيمها، إلا أنَّ الولايات المُتحدة قد شهدت سلاسل مُريعة من الجرائم المُروعة للأمريكيين الأفارقة، ومن السلطات المسئولة عن تنفيذ القانون أيضًا، وهذا بدوره يكشف الستار عن العنصرية التي كانت تسود الولايات المُتحدة في الماضي.

على الصعيد الآخر، فقد تسببت التقارير الإخبارية الخاصة بالاحتجاجات -التي كانت تحدث- وردود الفعل القوية من السلطة التنفيذية، أو القانون الخاص بالبلاد، لفض هذه الاحتجاجات، في غضب وخوف الشعب، فتسبب في النهاية في خلق فجوة من عدم اليقين أو الشك، في عدالة السلطة، تستطيع القول أنها فقدان للثقة، لكن من جانب الشعب، لكن لمَ يحدث هذا؟ لنُفسر الأمر سويًا.

  • الشك أو عدم اليقين “Uncertainty”

تحدث حالة الشك أو عدم اليقين عندما تتحول الحالة المُعتاد عليها إلى حالة أخرى، غير معروفة بعد، فلا أحد يعرف كيف ستسير الأمور، كما أنَّ المعلومات المُتوفرة، لا تُساعد حتى على التنبؤ بالوضع الجديد، عندما تستقر الأمور الحالية.

فسيولوجيًا، جسم الإنسان مُهيأ لإحداث ردود فعل على هذه الحالة، حيث يمتلك دماغ الإنسان قدرة تُمكنه من تقييم التهديدات أو المخاطر المُحتملة، ويظهر ذلك واضحًا عند التعرض لحالة الشك أو عدم اليقين، فتكون الأنظمة العصبية لجسم الإنسان في حالة استعداد للتفاعُل، ولهذا التفاعُل عدة أشكال منها: القتال أو الهروب.

وكل هذا يفسر لنا إصابة الشعب الأمريكي بحالة من عدم اليقين أو الشك تجاه السلطة أثناء جائحة فيروس كورونا “COVID-19″، فما حدث من قبل في قضايا عدم المُساواة العرقية، والتمييز العنصري، ووحشية الشرطة، وحالات الشعب من غضب وضجر وخوف وفزع، كل هذه الأمور اختلطت مع بعضها، أضف إلى ذلك طبيعة الجسم البشري -كما ذكرنا- الذي يستعد لردود الفعل المُختلفة، في حالة التهديد، فأدت في نهاية الأمر للوصول إلى حالة الشك، فالشعب يشعر بالتهديد، وهو الآن في حالة تأهب للمُواجهة.

  • الأزمة تخلق الفرصة

هذا صحيح، فالأزمات تفتح أبوابًا للعديد من الحالات غير المُستقرة، والتي بدورها تُؤثر على الفرد أو الأسرة بل والمجتمع بأكمله، وتشترك الأزمات في خصائص مُعينة، منها: أنها غير مُتوقَعة -بنسبة كبيرة-، أيضًا تتسبب في ارتفاع مُستويات القلق والخوف والشك، وهذا تهديد للمُعرَّضين للأزمة.

وتختلف حالات الأزمة، فقد تحدث نتيجة حوادث طبيعية لا دخل للإنسان فيها، مثل: الزلازل أو الأعاصير أو البراكين، أيضًا من المُمكن أنْ تحدث نتيجة حوادث بشرية، منها: الجرائم، والإرهاب، والسرقة… إلخ، وقد ترتبط الأزمات بالتغييرات الجوهرية في حياة الإنسان، مثل: فقدان الوظيفة، أو العجز المالي، أو الإدمان.
باختصار، يُمكننا تعريف الأزمة على أنها تَحوُّل حالة الحياة العادية المُستقرة، إلى حالة غير مُستقرة، وجديدة، وغير مألوفة، فيتأهب الإنسان لأي تهديد، ويدخل في حالة الشك أو عدم اليقين.

الإنسان الذكي هو مَن يستغل الأزمة، ويحولها إلى فرصة، والنظرة الإيجابية للأمور، تُساعدنا في تحويل اليأس إلى أمل، لكن قلما يفعل الإنسان ذلك، وهذه طبيعة النفس البشرية، وفي هذا الصدد أشار المبدأ الأول لعلم النفس البوذي إلى أنَّ “الظواهر تتغير باستمرار من حولنا، ولكننا نميل للتعامُل معها كما هي أو كما يجب أنْ تكون”، ومن هنا تأتي المُعاناة النفسية للإنسان، نتيجة للتناقُض الذي يعيش فيه، ما بين الأمل في خلق فرصة جديدة، واليأس نتيجة الاستسلام للواقع المُتغيّر حوله.

ولفض هذه المُعاناة، يجب أنْ يتخلص الإنسان من النظرة السلبية، وأنْ يتعايش مع الشك أو عدم اليقين ويتعامل معه بإيجابية وتَقبُّل للواقع، والتأكُد من حقيقة ألا وهي: “اليقين الحقيقي هو عدم اليقين”، قد تكون العبارة غريبة بعض الشيء، لكن هذا ما علَّمه لي أساتذتي في الجامعة، عدم اليقين والشك في نتائج التجربة، وكذلك في الواقع وفي علم النفس أيضًا، فالتصالُح مع عدم اليقين يُعزز مرونة المرء، ويُكسبه قدرة على تَقبُّل الواقع من حوله، والتَكيُّف مع شتى أنواع التغيير، واستقبال المشاكل والأمور المُزعجة بصدرٍ رحب، ناهيك عنْ أنَّ هذا يُساعد على تعزيز الصحة النفسية.

إليكَ بعض الطرق التي قد تُساعدك في التصالُح مع عدم اليقين:
▪ كُن لطيفًا مع نفسك، ومع الآخرين.
▪ يتسبب الجفاف في تعزيز حالات القلق والتوتر، لذا احرص على تناول القدر الكافي من الماء يوميًا.
▪ حافظ على مستوى تنفسك، وتنفس ببطء وعمق، فعادة ما تتسبب حالات التوتر بسبب عدم اليقين في تنفس الإنسان بسرعة، هذا بدوره يزيد من التوتر والقلق.
▪ احصل على جرعة عاطفية تدعمك، من خلال التواصُل مع الأصدقاء أو الأقارب عبر الهاتف، فهذا يُقلل من التوتر والقلق.
▪ افعل أي شيء ترضى عنه، مثل تأدية خدمة ما لغيرك، فهذا بدوره يُعزز النفس ويمدها بطاقة إيجابية.

  • تعليق هام

عادةً لا يستطيع المرء معرفة ذاته، أتفق معك فيما قد يدور في ذهنك الآن، فقد يتبادر إلى ذهنك بعض الأفكار مثل: “كيف لي ألا أعرف ذاتي؟ أنا أدرى الناس بها، وأتفهم احتياجاتها، لا أحد غيري يعرف متى أحتاج إلى الأكل أو الشرب… إلخ”، حسنًا يا عزيزي، أتفهم ذلك جيدًا، لكني أود إخبارك بأنَّ تفكيرك ليس بالصحيح، على الأقل من وجهة نظري، أنا مثلك أعرف احتياجات نفسي، لكن هناك بعض الأمور التي قد لا نستطيع تفسيرها، فكم من عالم أفنى عمره سابحًا في بحر النفس البشرية، ولم يستطع إحاطتها علمًا.

الطبيعون من البشر يستطيعون تحديد ما تحتاج إليه أنفسهم من احتياجات الحياة، لا بأس من ذلك، لكن هناك بعض الأمور التي تحتاج للعمق والمُراقبة حتى نستطيع فهم أنفسنا، لذا؛ أنصحك بأنْ تُصادق نفسك، وتتفهمها جيدًا، وتُراقبها، وهنا “مَربَط الفرس”، إذ تستطيع من هذه النقطة البدء في التعامُل مع التصالُح مع عدم اليقين، فقط عندما تفهم نفسك وتُراقبها جيدًا.

المصدر 

كتابة: آلاء عمارة

مراجعة: أميرة يحيى

تحرير: أسماء مالك

اظهر المزيد

الجرعة اليومية من العلوم

مؤسسة علمية تطوعية هدفها نشر وتبسيط العلوم، وإثراء المحتوى العربي العلمي عبر الإنترنت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى