تقنيات رصد الفيروسات
تسبب العدوى الفيروسية الكثير من الأمراض غير المزمنة والمزمنة، والتي تتراوح آثارها على الإنسان بين: أمراض ليس لها أثر واضح تقريبًا، وأمراض تكاد تكون فتاكة. تتنوع أعراض العدوى الفيروسية بين: الحمى، الإسهال، ضعف المناعة، وتلف الأنسجة. وتتشابه بعض أعراضها مع أعراض العدوى البكتيرية، مما يجعلنا في حاجة لأدوات فحص وكشف دقيقة لمعرفة سبب المرض الذي يعاني منه المريض. والعالم الآن واقع تحت حصار الفيروس الجديد Covid-19، الذي ظهر في أواخر ديسمبر الماضي في الصين، وبدأ الانتشار حول العالم بشكل مفجع. وأمام ذلك الوباء، تقف البشرية مسلحة بالعلم والتكنولوجيا لرصده ودراسته أولًا، ثم إيجاد علاج له. فكيف تستطيع تقنياتنا رصد واكتشاف العدوى الفيروسية؟ فيما يلي عدة طرق وأدوات لذلك…
-
رصد الحمض النووي الفيروسي بتقنيات “CRISPR”
تتم هذه الطريقة باستخدام إنزيمات “CRISPR” الخاصة بتعديل الجينات، حيث تُستخلَص العينة المراد الكشف عن الحمض النووي الريبوزي (RNA) الخاص بالفيروس فيها، ثم تُجرَى عملية نسخ ومضاعفة لكمية الحمض النووي لزيادة فرصة وسهولة رصده، ثم يُضاف إنزيم خاص من إنزيمات كريسبر ومعه شريط RNA مخصص يُسمى ب”RNA الدليل – single guide RNA” للتعرف على الRNA الفيروسي. وإذا كان الRNA الفيروسي موجودًا في العينة، يتعرف عليه الRNA الدليل ويتجه نحوه، ثم يرتبط إنزيم كريسبر بالمادة الوراثية للفيروس، ويحدث تفاعل كسر (cleavage) ينفصل بسببه جزء من الإنزيم، وهذا الجزء يكون مشعًا (fluorescent) يمكن التقاط إشعاعه، ويثبت بذلك وجود الفيروس ووجود العدوى.
ولتلك الطريقة عدة مميزات؛ فهي طريقة سهلة ورخيصة -لأن المواد المستخدمة فيها رخيصة- وسريعة، ويمكن استخدامها ميدانيًا وليس معمليًا فقط، كما أن إنزيمات كريسبر والRNA الدليل يمكن أن يتم تعديلهما ليختصا بفيروس واحد، وبالتالي عند إضافة عدة أدلة وإنزيمات، يمكن رصد عدة فيروسات مختلفة في العينة في نفس الوقت.
-
جهاز تحليل التتابعات الجينية الفيروسية المحمول
لطالما كان تحليل التتابعات الجينية هو الطريقة المركزية لفهم ودراسة الفيروسات على مستوى جزيئي، ومن أبرز التقنيات الحديثة لتحليل التتابعات الجينية هي تقنية التحليل خلال الثقب النانوي (Nanopore sequencing)، والتي تعتمد على إمرار المادة الوراثية للفيروس خلال ثقب بروتيني صغير، وينتج عن ذلك اختلاف في التوصيلية الكهربية عند مرور القواعد النيتروجينة المختلفة خلال الثقب، وبالتالي يمكننا معرفة ترتيب القواعد النيتروجينية ودراسة جينات الفيروس.
يبلغ حجم ذلك الجهاز حجم الUSB، ويدعى “MinION”، ويمكنه اكتشاف عدة أنواع من الفيروسات في العينة خلال وقت قليل. لكنه يحتاج إلى أن تحتوي العينة على كمية كبيرة من نُسَخ المادة الوراثية، وذلك يستهلك وقتًا لنسخ ومضاعفة المادة الوراثية في العينة.
-
تحليل الأجسام المضادة بتقنية “LIPS”
إحدى أهم الطرق أيضًا لرصد العدوى هي رصد الأجسام المضادة داخل دم المريض، أو المتعافي. إن الفيروسات تحمل على أغلفتها الخارجية علامات مميزة وأجزاء تسمى مولدات الضد (antigens)، يتعرف جهازنا المناعي عليها حال حدوث عدوى، ويبدأ في تصنيع أجسام مضادة (antibodies) تستطيع التعرف على الفيروس من خلال العلامات المميزة على سطحه، ومن ثَمَّ تدمره.
وبتحليل دم الشخص، ورصد وجود الأجسام المضادة، يمكننا معرفة إذا كان الشخص قد أُصيب بالعدوى -دون أن تظهر عليه أعراض المرض- أم لا، ويمكننا بذلك معرفة مدى انتشار المرض جغرافيًا، ومدى انتشاره بين البشر.
تعتمد هذه الطريقة على تصنيع antigens في المعمل مطابقة للantigens الموجودة على سطح الفيروس، وتضاف على هذه العلامات المميزة إنزيمات “لوسيفيريز – Luciferase”، وهي إنزيمات مشعة توجد في الحشرات المضيئة، وهي التي تسبب انبعاث ذلك الضوء. وحال إضافة الantigens المعدلة لعينة من دم المريض، تتعرف عليها الأجسام المضادة وترتبط بها، ثم تترسب بواسطة بروتين معين، وتظهر النتيجة بوضوح للعين؛ حيث تضيء إنزيمات اللوسيفريز المشعة، ويتناسب إشعاعها ونشاطها طرديًا مع كمية الأجسام المضادة التي هاجمت الإنزيم.
إن تلك الاختبارات السريعة وسهلة التنفيذ ستساعدنا على تتبع وعلاج عدة أنواع من العدوى الفيروسية، وستساعدنا على فهم وتحديد سبب ظهور الأعراض المرضية التي لا نجد لها سببًا واضحًا، ولا نستطيع أن نحدد إذا ما كان سببها: عدوى بكتيرية، مشكلة في العضو نفسه، أو عدوى فيروسية. وبالطبع، سيكون التحديد الدقيق للسبب أول خطوة لتقديم العلاج المناسب للمريض. وسيساعدنا تحليل المادة الوراثية على اكتشاف الفيروسات الجديدة، ودراسة تطور وتغير الفيروسات، بدلًا من إجراء التحليل للمريض بمواد مضبوطة مسبقًا لرصد نوع معين من الفيروسات. ويمكن أيضًا دمج تلك التقنيات مع تقنيات مسح وتحليل الجينوم، لمعرفة إذا ما كانت جينات معينة لدى الشخص تجعله أكثر عرضة للإصابة بأمراض معينة.