المادة الأكثر غموضًا في الكون
إذا أحضرت لك -عزيزي القاريء- صورة لصحراء عريضة، وفي ركن هذه الصورة نبتة خضراء صغيرة.
ثُم سألتك: ماذا ترى؟
من الطبيعي أن تُجيب “صحراء طبعًا!”
ماذا إن أحضرت لك صورة لهذا الكون مُجتمعًا.. هل ستجيب قائًلا كواكب ونجوم وكائنات حية، إلخ..؟
إذا تحدثنا بالمنطق الذي بدأنا بِه، فإن إجابتك تِلك غير منطقية ولا تملك أرضية واقعية إطلاقًا.. حيث أن كل ما تحدثت عنه ما هو إلا 5% فقط من هذا!
أما ما تبقى فهو مادة مظلمة وطاقة مظلمة يستحوذان على 25% و70% من الكون على الترتيب.
-
ما هما الطاقة المظلمة والمادة المظلمة؟
عند هذه النقطة يؤسفني أن أُجيبك: “نحن لا نعلم إلا قليلًا جدًا”
وكل ما نعلمه عن هذا الجزء من الكون أنه لا يعكس أو يُشع ضوءًا، لكن وجوده أساسي لبقاء الكون.
حيث أنه عند حساب الجاذبية الناتجة عن المواد الظاهرة (التي يمكن أن نراها بأعيننا) وجدنا أنها غير قادرة -وحدها- على تكوين المجرات والأشكال الأكثر تعقيدًا كعناقيد المجرات، ومن هنا خرج اليقين بوجود المادة المظلمة.
-
رأي العلماء في هذه المادة
أول من جذب انتباه الوسط العلمي إلى أن المناطق الفارغة من الكون ليست فارغةً فعلًا كان العالم “ألبرت أينشتاين”، وذلك من خلال النظر إلى نظرياته عن الجاذبية، فنجد المصطلح المثير للتساؤلات؛ (الثابت الكوني Cosmological constant) الذي يُضاد قوى الجاذبية.
كما إنه بالنظر إلى تمدد الكون نجد أنه يجب أن يصاحبه زيادة في “الطاقة الكونية الخفية” حتى لا يؤدي ذلك التمدد إلى “تخفيف” كثافة الكون مما يؤدي لفقدان العديد من الخصائص الفيزيائية.
-
هل من المستحيل رؤية المادة المظلمة؟
كما يقول الفلاسفة: “رؤية الفعل تُغني عن رؤية الفاعل.”
أما فعل المادة المظلمة فيتمثل في جانبين أحدهما نَحسّه والآخر نراه؛ فما نَحسّه فهو ما سلف ذِكره من تماسك جزيئات الكون الظاهرة حولنا رغم أن جاذبيتها وحدها لا تسمح إلا بانتشارها في الكون دون تماسك، لذا من هنا نُدرك أن المادة المظلمة والطاقة المُظلمة هي ما يُحاوط تلك الذرات ويجمعُ شتاتها.
أما ما نراه فهو ظاهرة غريبة جدًا؛ فقد لاحظ العلماء انحناء الضوء عند مروره بالمناطق التي تحتوي على تركيزٍ عالٍ من المادة المظلمة، مما يشير أن هناك شيئًا ما يتفاعل مع الجاذبية.
-
ما النظريات التي وُضعت لتفسير المادة المظلمة؟
لقد طُرحت العديد من النظريات لتفسير المادة المظلمة؛ فالبعض قال: “إنها سحابة من المواد المعروفة لكن بدون نجوم.”
ولكن الاعتراض هنا أنها لا تقوم بإشعاع أي جزيئات لكي يتم رصدها.
وقال الأخرون: “إنها مُضاد للمادة (Anti-matter).”
ولكن هذا لا يصِح أيضًا لأنه لا ينتج أشعة چاما عند اصطدامها بالمادة العادية.
ثُم قِيل: “إنها مصنوعة من الثقوب السوداء.”
وهذا أيضًا عانَى من الرفض، لأن المادة المظلمة لا تتركز في منطقة واحدة، بل هي مبعثرة في كل مكان، كما أنها لا تقوم بجذب الأشياء.
لذا، فمن الواضح أننا ما زلنا نجهل الكثير والكثير عن المكوِّن الرئيسي لكونِنا هذا، وما زال العلماء يجتهدون للوصول لحل أكبر النقاط الغامضة التي تعترض طريقنا لفهم طبيعة وبداية هذا الكون.
وكما تعلم عزيزي القاريء أن علم الفلك صُمم خصيصًا لهؤلاء الذين لا يعرف خيالهم حدود المنطق أو المعقول.. فتَفكّر.. ربما أنت من سيأتي بهذه الحقيقة، ولست عنها ببعيد.