معلومات وحقائق عن المركبة “كيوريوسيتي”
يُعتبر مختبر علوم الفضاء (كيوريوسيتى Curiosity) من أكثر المهام الطموحة لاكتشاف الكوكب الأحمر ومعرفة ما إذا كان صالحًا للحياة واكتشاف بيئة الكوكب الأحمر. وقد هبطت المركبة على المريخ في 2012 واحتفلت ناسا في مارس 2018 بمرور 2000 يوم مريخي للمركبة. وتشق المركبة طريقها من غايل كريتر(Gale Crater) إلى إيوليس مونس (Aeolis Mons)، وإيوليس مونس أي جبل الريح ويُسمى أيضًا جبل شارب، وهو جبل عالٍ في كوكب المريخ، ويشكل القمة المركزية لفوهة غيل ويرتفع 5.5 كـم عن قعر الوادي.
غيل هي فوهة اصطدام بقطر 155.3 كيلومتر توجد على سطح كوكب المريخ في رباعي الزوايا المسمى بمنطقة إيوليس مونس عند الحدود الجيولوجية التي تجسد انقسام القشرة السطحية للمريخ. وأثناء بحث المركبة نظرت إلى المعلومات الجيولوجية في طبقات الجبال ووجدت أيضًا أدلة من المياه والتغيير الجيولوجي الذي حدث في الماضي.
تفاصيل المركبة:
إن الذي يثير الفضول في المركبة هو حجمها؛ فهي مثل سيارة دفع رباعي حيث طولها يبلغ 3 أمتار وعرضها حوالي 2,8 متر وارتفاعها 2,1 متر أما بالنسبة للكتلة فهي تبلغ 900 كيلوجرام، ويبلغ قطر العجلة حوالي 50,8 سنتيمتر وقد صممها مهندسو ناسا لاجتياز عقباتٍ تصل إلى 65 سنتيمتر وارتفاعات تصل إلى 200 متر في اليوم. أما عن مصدر طاقتها فهو ناتج من مولد كهربائي حراري للنظائر المشعة حيث تنتج الكهرباء من الانحلال الحراري للبلوتونيوم 238.
الأهداف العلمية:
وفقًا لناسا لدى كيوريوسيتى أربعة أهداف علمية رئيسية لدعم برنامج استكشاف المريخ التابع لها:
1-تحديد ما إذا كانت الحياة قد نشأت على سطح المريخ.
2-توضيح مناخ المريخ.
3-توضيح جيولوجيا المريخ.
4-الاستعداد للاستكشاف البشري.
وهذه الأهداف مرتبطة ببعضها، فمثلًا فهم مناخ المريخ الحالي يساعد في تحديد ما إذا كان بإمكان البشر اكتشاف سطحه، ودراسة الجيولوجيا ستساعد على فهم ما إذا كانت المنطقة القريبة من الهبوط صالحة للسكن. وللمساعدة في تحقيق هذه الأهداف قامت ناسا بتحليل الأهداف العلمية إلى 8 أهداف أصغر تتراوح من البيولوجيا إلى الجيولوجيا إلى العمليات الكوكبية.
ودعمًا للعلم، لدى “كيوريوسيتي” مجموعة من الأدوات على متن السفينة لفحص البيئة بشكل أفضل وهذا يتضمن:
الكاميرات التي يمكنها التقاط صور للمناظر الطبيعية أو المعادن عن قرب، مقاييس الطيف لتوصيف أفضل لتركيبة المعادن على سطح المريخ، كاشفات الإشعاع لمعرفة حجم الإشعاع الذي يطفو على السطح مما يساعد العلماء على فهم ما إذا كان باستطاعة البشر استكشافه هناك، مجسات بيئية للنظر في الطقس الحالي ومستشعر جوي تم استخدامه في المقام الأول أثناء الهبوط.
هبوط معقد:
أُطلِقت المركبة من كيب كانافيرال بفلوريدا في 26 نوفمبر 2011 ووصلت إلى المريخ في 6 أغسطس2012، بعد سلسلة هبوط أطلقت عليها ناسا “سبع دقائق من الإرهاب!”؛ بسبب وزن المركبة. وقررت ناسا أن الطريقة المتداولة باستخدام أكياس الأرض لن تعمل، بدلًا من ذلك مر المسبار من خلال سلسلة معقدة للغاية من المناورات على الأرض، ومن مدخل ناري إلى الغلاف الجوي. كانت المظلة الأسرع من الصوت بحاجة لتنتشر لإبطاء المركبة الفضائية وقال مسؤولون في ناسا إن المظلة ستحتاج إلى تحمل 29,480 كجم لكسر سقوط المركبة على السطح.
وتحت المظلة تخرج المركبة من قاع درعها الحراري بحيث يمكن الحصول على إصلاح راداري على السطح ومعرفة ارتفاعه، كانت المظلة قادرة على إبطاء السرعة إلى322 كم/ساعة وهي سرعةٌ كبيرةٌ جدًا للهبوط، ولحل المشكلة صمم المهندسون التجمع لقطع المظلة واستخدام الصواريخ للجزء الأخير من تسلسل الهبوط حوالي 18 مترًا فوق السطح انتشرت تقنية الهبوط الهادئ حيث قامت مجموعة الهبوط بتفكيك المركبة تحت الصاروخ باستخدام حبل طوله 6 أمتار عندما سقطت بسرعة 2.4 كيلومتر في الساعة، لمست المركبة الأرض برفق في Gale Crater، وقد طار مهندسو ناسا فرحًا عندما تأكدوا من هبوط المركبة، وانتشر خبر هبوط المركبة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
أدوات لإيجاد أدلة على الحياة:
تحتوي المركبة على عدد قليل من الأدوات للبحث عن إمكانية السكن ومن بين هذه التجارب تجربة تقذف السطح بالنيوترونات والتي ستتباطأ إذا واجهت ذرات هيدروجين. ويمكن للذراع التي يبلغ ارتفاعها 7 أقدام أن تلتقط عينات من السطح وتحللها داخل المسبار حيث تستنشق الغازات التي تخرج من هناك وتحللها بحثًا عن أدلة حول كيفية تشكل الصخور والتربة، ويمكن لأداة تحليل عينة من المريخ -إذا التقطت أدلة من المواد العضوية- أن تتأكد من ذلك على واجهة المركبة تحت غطاء رقائق معدنية هناك العديد من القطع الخزفية التي تحتوي على مركبات عضوية اصطناعية.
تلتقط الكاميرات عالية الدقة والمحيطة بالمركبة الصور أثناء تحركها، مما يوفر معلومات مرئية يمكن مقارنتها بالبيئات على الأرض. وفي سبتمبر 2014، وصل كيوريوسيتى إلى أيولس مونس بعد فترة وجيزة من إجراء مراجعة علمية لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، قال إنه يجب على المركبة أن تقوم بالقيادة بشكل أقل وأن تبحث عن أماكن أكثر ملائمة للسكن. الآن يتم تقييم الطبقات على المنحدر بعناية أثناء تحركها صعودًا والهدف هو رؤية كيف تغير مناخ المريخ من الماضي الرطب إلى الظروف الحمضية الأكثر جفافاً اليوم.
والدليل على الحياة هو المواد العضوية والميثان، ومهمة كيوريوسيتي الرئيسية هي تحديد ما إذا كان المريخ مناسبًا للحياة أم لا. على الرغم من أنها لم تصمم لإيجاد الحياة نفسها، إلا أن المركبة تحمل عددًا من الأدوات على متنها والتي يمكن أن تعيد المعلومات عن البيئة المحيطة. وكان المسحوق من عينات الحفر الأولى التي تم الحصول عليها تتضمن عناصر الكبريت والنيتروجين والهيدروجين والأكسجين والفوسفور والكربون، والتي تعتبر جميعها “عناصر بناء” أو عناصر أساسية يمكن أن تدعم الحياة، في حين أن هذا ليس دليلًا على الحياة نفسها إلا أن البحث لا يزال مثيرًا للعلماء المشاركين في المهمة.
اكتشف العلماء أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في مستويات الميثان على المريخ في أواخر عام 2013 وأوائل عام 2014 عند مستوى يبلغ حوالي 7 أجزاء في المليار (مقارنةً بالمعدل المعتاد 0.3 جزء من المليون إلى 0.8 جزء في المليون). كان هذا اكتشافًا مهمًا؛ لأن الميثان يعتبر في بعض الظروف مؤشرًا للحياة الميكروبية، ولكن يمكن أن يشير أيضًا إلى العمليات الجيولوجية. لكن في عام 2016 قرر الفريق أن ارتفاع الميثان ليس حدثًا موسميًا، فهناك تغييرات في الخلفية أصغر في الميثان ومع ذلك يمكن أن تكون مرتبطة بالفصول. وعلى الرغم من أن الفريق لا يستطيع أن يجزم أن هناك حياة في غيل كريتر، إلا أن هذا الاكتشاف أظهر أن البيئة القديمة توفر إمدادات من جزيئات عضوية مخفضة؛ لاستخدامها ككتل بناءة للحياة ومصدر طاقة للحياة.
فحص البيئة:
و إلى جانب الصيد من أجل قابلية العيش تحتوي المركبة على أدوات مصممة لتعلم المزيد عن بيئة الكوكب. ومن بين الأهداف الحصول على ملاحظات الطقس والإشعاع لتحديد ما إذا كانت البيئة صالحةً لمهمة بشرية. ويعمل كاشف الإشعاع لمدة 15 دقيقة لقياس الإشعاع على الأرض والغلاف الجوى ويهتم العلماء بقياس الأشعة التي يمكن أن تولد جسيمات ذات طاقة منخفضة مما قد يسبب خطرًا على البشر.
في ديسمبر 2013، حددت وكالة ناسا أن مستويات الإشعاع التي تم قياسها لبعثة كوكب المريخ هي 1,01 سيفرت، وتم تحديد الحد الأقصى من الإشعاع التي يمكن تحمله وهو 1 سيفرت وهو ما يرتبط بزيادة 5% في خطر إصابة بسرطان قاتل للشخص وتقيس المحطة سرعة الرياح وتوجهها وتحديد درجة الحرارة والرطوبة وتحدث بعض التغيرات عندما تذوب القبعات القطبية من ثاني أكسيد الكربون مما يؤدى إلى زيادة الرطوبة في الهواء.
في أوائل عام 2018، أرسلت المركبة صورًا للبلورات التي كان يمكن أن تكون قد تشكلت من البحيرات القديمة على سطح المريخ، وهناك فرضيات متعددة لهذه الميزات ولكن هناك احتمال واحد هو أنها تكونت بعد أن تم تركيز الأملاح في بحيرة مائية متبخرة.
مسائل مع المسبار:
تسببت الأبخرة الناتجة عن تجربة “كيميائية رطبة” مملوءة بسائل يسمى (MTBSTFA) في تحليل أداة تحليل استنشاق الغاز بعد فترة قصيرة من هبوط المركبة منذ أن عرف العلماء أن العينات التي تم جمعها كانت تتفاعل بالفعل مع البخار، استمدوا في النهاية طريقة للبحث عن المواد العضوية والحفاظ عليها بعد استخراج البخار وجمعه وتحليله وكانت المركبة تعاني من خلل خطير كان سيؤدي إلى فقدان الاتصال مع الأرض إلى الأبد.
وفي الأشهر التي تلت الهبوط، لاحظت ناسا الضرر الذي لحق بالعجلات الآلية بسرعة أكبر من المتوقع. وبحلول عام 2014 قام المتحكمون في توجيه المركبة بإبطاء ظهور الضربات والثقوب. وقال جيم إريكسون -مدير مشروع كوريوسيتى- في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا بكاليفورنيا في مقابلة أجريت في يوليو 2014: “هذه هي المفاجأة التي حصلنا عليها في نهاية العام الماضي”. “كنا نتوقع دومًا أن نحصل على بعض الثقوب في العجلات التي قدناها، إن حجم ما نراه هو المفاجأة”.
عانى المهندسون من مشكلة ميكانيكية في مناورة كيوريوسيتى ابتداءً من عام 2016، وذلك عندما توقف محرك متصل بعمليتي تثبيت على مثقاب الحفر. قامت ناسا بفحص العديد من تقنيات الحفر البديلة وفي 20 مايو 2018، حصلت من الحفر على عيناتها الأولى في أكثر من 18 شهرًا.
البعثات ذات الصلة والبعثات المستقبلية:
تجدر الإشارة إلى أن المركبة لا تعمل وحدها على المريخ، بل يرافقها فريق من المركبات الفضائية الأخرى من عدة بلدان. وغالبًا ما تعمل بالتعاون من أجل تحقيق الأهداف العلمية. تقدم المركبة صورًا عالية الدقة للسطح، وتدرس مركبة أخري من ناسا تُدعَى (MAVEN) الغلاف الجوي المريخي لخسارة الغلاف الجوي وظواهر أخرى مثيرة للاهتمام. وتشمل البعثات الأخرى التي تدور في فلكها مركبة Mars Express الأوروبية، وEuropean ExoMars Trace Gas Orbiter، ومرسى كوكب المريخ في الهند.
من منتصف عام 2018، تعمل المركبة على السطح جنبًا إلى جنب مع مركبة ناسا أخرى تدعى “الفرصة”، والتي كانت تتجول على السطح منذ عام 2004. صممت الفرصة في البداية لمدة 90 يومًا، لكنها لا تزال نشطة بعد أكثر من 14 عامًا على سطح المريخ! كما عثرت على أدلة سابقة على المياه أثناء استكشاف السهول وحفرتين كبيرتين، وتعمل شركة (Mars Odyssey) التابعة لناسا كمرحلة اتصالات للمركبة والفرصة بينما تقوم أيضًا بتنفيذ علوم خاصة بها مثل البحث عن جليد الماء.
هناك المزيد من المهام السطحية المهمة في الطريق قريبًا، حيث تم إطلاق مركبة إنزال ثابتة مصممة للتحقيق في المناطق الداخلية من المريخ في 5 مايو 2018 ومن المتوقع أن تهبط في 26 نوفمبر 2018، ويجب إطلاق مركبة الفضاء exomars التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية في مارس 2020 للبحث عن أدلة على الحياة القديمة.
كتابة: محمد عبدالمعين
مراجعة: هدير أحمد
تصميم: نهى عبدالمحسن
تحرير: يمنى جودي