ميكانيكا الكم.. الشبحية!
موجة في بحر، حجر صغير، كاميرا تصوير، هذه المكونات التي يمكن أن تتخيلها ليوم راحتك من العمل، أو ليوم تَدرِس فيه ميكانيكا الكم
بدأ الموضوع في أوائل القرن التاسع عشر عندما قام العالم (توماس يانج) بإجراء تجربة “تخليق الشق المزدوج” التي كان يدرس فيها خواص الإلكترونات. في البداية، دعنا نعود قليلًا إلى يوم راحتك. عندما تقوم بقذف حجر صغير على شيء صلب، فإنه يُشكِّل نقطةً في المكان الذي اصطدم به، وإذا كررت العملية بمجموعة من الأحجار، فإن ذلك يُشكِّل حِزمةً من النقاط على الحائط. ولكن، إذا استبدلْتَ الحجر بموجة مياه، فإن الموجة ستصطدم بالحائط بشكل مُقوَّس، وأعلى نقطة في الموجة تصطدم بأكبر قوة بالجدار، وإذا استبدلنا الموجة بمجموعة من الموجات، فإنه سينشأ تداخل -حسب خواص الموجات-، وهذا التداخل سيؤدي إلى تعدد القيم الكبيرة التي تصطدم بالجدار. فإذا أخبرتك أن تنظر إلى الجدار وتستنتج ماذا قذفت، إذا رأيت حِزمة من النقاط مُتراصّة، إذًا فهذا نتيجة قذف أحجار (أو جسيمات)، وإذا رأيت مجموعةً من الخطوط المتوازية، هذا نتيجة اصطدام أمواج. الآن، استبدل الحجر بإلكترون وكفاك لهوًا، ولنعد مرةً أخرى إلى مختبر (يانج).
قام (توماس يانج) بإجراء تجربة، وضع مدفع إلكترونات ومن ثَم وضع في مقابلته حائط، ووضع بينهما ممرين (فتحتين) لهذه الإلكترونات، وبعد إطلاق الإلكترونات بشكل عشوائي، لاحظ تكون حزم من النقاط مبعثرة ومتداخلة على الحائط، أي أن الإلكترونات تسلك سلوك الجسيمات والأمواج معًا. وكان ذلك مُحيِّرًا في ذلك الوقت، إذ لم تكن الطبيعة المزدوجة للموجة والجسيم قد اُكتشِفت بعد.
ولكي يقطع (توماس) الشك باليقين، قام باستخدام كاميرا لتصوير الإلكترونات قبل المرور من الفتحة، فوجد أن الإلكترونات عادت إلى رشدها وبدأت تتصرف كجسيمات مرة أخرى وترتبت حزمة من النقاط على الحائط، إذًا فَلنُعِد الكرًّة، أطلق الإلكترونات بدون تصويرها، فعادت مرة أخرى تتصرف كجسيمات وأمواج. إذًا فيمَ العيب؟
استخدم (يانج) المعطيات التي معه، وأحضر حائطين، وضع كل حائط منهما أمام فتحة، وجعل واحدًا منهما يتقدم عن الآخر، ووضع الكاميرا قبل الحائط الأقرب. ثم شغل مدفع الإلكترونات. فخرج الإلكترون الأول وبمجرد أن اصطدم بالحائط الأول كأنه جسيم، أطفأ (يانج) الكاميرا. ليفاجأ أن الإلكترون الآخر قد اصطدم بالحائط الأبعد كأنه جسيم وليس موجة. فكأن الإلكترون الأول أخبر الآخر أن هناك كاميرا، فتصرف على أنه جسيم -بدون أن يُصوّر حتى- وسُمِّيت هذه الظاهرة بظاهرة “التشابك الكمي”.
تعد ظاهرة “التشابك الكمي” أو “التأثير الشبحي” من أصعب ظواهر ميكانيكا الكم، على الرغم من كون المعادلات والحسابات تجعل الأمر بسيطًا نظريًا، لكن العقل ما زال يَعجَر عن إدراك حقيقة هذه التفسيرات، كيف لإلكترون أن يخبر إلكترونًا آخر بمعلومة أو يحدث بينهما اتصال من أي نوع. أما بعد هذا الكم من التفكير، فأنصحك فعلًا بالعودة إلى إجازتك على الشاطئ، لكن أفضل أن تُبعِد الكاميرا من أمامك الآن.
كتابة: محمد رضا
مراجعة: عمر ياسر
تصميم: محمد خالد
تحرير: إسلام حمدي