الطب

معدة ذات نافذة مفتوحة!

في ولاية ميتشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث سوق الجلود وتجمع الصيادين لبيع الفراء، وبالتحديد في اليوم السادس من يونيو من عام 1822، قامت حادثة في وسط الزحام لتكشف فيما بعد عن إصابة الصياد الكندي سان مارتن –26 عامًا– راقدًا على الأرض، بعد أن أصابته بالصدفة رصاصة أحد الصيادين من زملاؤه، وعلى مقربة أقل من ثلاثة أقدام.
وبعد أن جاء الطبيب ليركع بجوار المصاب ليفحصه، إذ وجد أن الرصاصة قد اخترقت جدار المعدة تمامًا، ومزقته وهشّمت بعض الضلوع المجاورة أيضًا، وهذا معناه الآن أن ذلك الصياد يحتضر، وفي طريقه لمقابلة الموت، فالطب في ذلك الوقت لم يكن بتكنولوجيا هذه الأيام، وعاجزًا تمامًا عن فعل أي شئ، وحسب تقدير الطبيب فذلك المصاب ليس أمامه إلا 24 ساعة فقط، فندعوه ليرقد في سلام!
ولكن يعود الطبيب بعد ساعات ويتفاجأ أن المريض يلتقط الأنفاس بشكل طبيعي تمامًا ولم يمت. فأخذ الأدوات اللازمة وبات ينظف الجرح ويزيل الأضلاع المهشمة، ثم خيط الجرح ومن ثم الجلد. الغريب في القصة أن مارتن ظل حيًا يومًا بعد يوم، وتمر الأيام ولا زال مارتن يستمتع بحياته ويأكل الطعام –الذي كان في البداية يخرج من ثقب معدته مرة أخرى– بشكلٍ طبيعيٍ تمامًا.
أدرك الطبيب حينها أن مارتن ما زال يتحدى المرض فلا بد من تحديه معه، فكرّس حياته للاهتمام بهذا الصياد، وبلا أجر طبعًا، حتى بعد مرور عامين ليصبح مارتن قادرًا تمامًا على الاعتناء بنفسه، ودون الحاجة إلى طبيب أو غيره. ولكن ما يدهشنا هنا هو أن ذلك الثقب لم يلتئم أبدًا، حيث من المعروف أن أي جرح لا بد أن يلتئم ويشفى أو يؤدي بصاحبه إلى الموت، ولكن هذا الجرح رفض التصرف مثل أي جرحٍ آخر!
شعر الطبيب حينها أنه أول بشري يُتاح له أن يرى المعدة البشرية مباشرًة من الداخل وهي تعمل! بالرغم من أن المناظير الضوئية أتاحت ذلك للجميع الآن، ولكن نحن نتحدث عن زمن في الماضي بأكثر من مائة عام. تحدث الطبيب مع مارتن وأقنعه بأن يكون تحت تجاربه وأن يوهب نفسه للعلم مع ذلك الطبيب، وهنا بدأت عجلة البحث العلمي تدور وتعمل.
عن طريق هذه الفتحة تمكّن الطبيب من ملاحظة آلية الهضم ورأى كيف أن المنبهات (الشاي والقهوة..إلخ) تبطئ من عملية الهضم، وأن القلق والتوتر يجعلان الهضم كأنما هو للصخور. واستطاع أيضًا حينها اكتشاف أن الهضم ما هو إلا عملية كيميائية، بينما في ذلك الوقت كان جميع العلماء يعتقدون أن المعدة تهضم الطعام ميكانيكيًا عن طريق عصره وتقليبه.
وهكذا بدأ كتاب عملاق لذلك الطبيب اسمه (مشاهدات على العصارة المعدية وفسيولوجيا الهضم)، وقد أحدث ضجة شبيهة بما أحدثه كتاب النسبية في العلوم الطبيعية تمامًا. كان الكتاب يتحدث عن مشاهدات وتجارب مثيرة، صحيح أنها غير قابلة للتكرار لأنه لا يوجد طبيب يمكنه الفوز بمثل هذه الفرصة الآن.
أما صديقنا (مارتن) عاش بصحة جيدة وتزوج ورزق بعدة أطفال. ولكن الغريب أيضًا في هذه القصة أن الطبيب مات عام 1853، بينما مات مارتن عام 1880، أي بعد موت طبيبه ب27 عامًا!
ذلك الطبيب هو وليام بومونت، وهو جراح أمريكي مشهور. وُلد وليام بومون في لبنان عام 1785. نشأ مع عائلة تعمل بالزراعة، وبدأ مهنة الطب عام 1810، واستمر بها حتى تفوق بذلك المجال. اشتهر بكتابه “تجارب ومشاهدات على العصارة المعدية وفسيولوجيا الهضم” الذي أصدره عام 1833، ووصف فيه أكثر من مائتي تجربة كان قد أجراها على ذلك الصياد الكندي مارتن.

 

المصادر  1 , 2 , كتاب الحافة للكاتب الدكتور احمد خالد توفيق

 

كتابة: محمود علام

تصميم: امنية عبدالفتاح

تحرير: رنا ممدوح

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى