إذا كُنت قد دخلتَ إلى مطار سياتل تاكوما الدولي قبل حوالي ثلاث سنوات، ودخلتَ إلى قسم الكتب كُنتَ ستجد نفسك في دهشة، فقد كان هناك رف كامل مملوء بمئات النسخ من كتاب واحد فقط وهو (الرومانسية الحديثة) لعزيز الأنصاري، بعد ذلك بشهور إذا ذهبت مُجدَدًا، هل تعلم عدد الكتب التي كُنتَ ستجدها لـ (الرومانسية الحديثة)؟ لن تجد!
إليكَ كتاب آخر يفشلون في تخزينه في هدسون، وهو (مباديء علم النفس) لوليام جيمس، ونعتقد أنَّ غياب المباديء أقل إثارة للدهشة من غياب (الرومانسية الحديثة)، فقد تمَّ نشره نظرًا للنص التأسيسي لعلم النفس، فقد كان كتاب (المباديء) تتويجًا لعقد من العمل الذي قام به جيمس، والذي كان يتم تهميشه باستمرار خلال المعارك مع الأمراض المُختلفة، وفي ذلك الكتاب تَنبَّأ جيمس بنجاح بكل شيء مازلنا نهتم به في علم النفس، وهو يُغطي الإحساس والانتباه والذاكرة والإدراك والخيال والتفكير والغريزة والإرادة الحرة، فلا يقتصر الأمر على تغطية نفس الموضوعات ولكن لايزال يُمثل إلى حد كبير كيف نُفكر اليوم.
بالطبع هو لا يُغطي التفاصيل الدقيقة للتجارب التي أُجرِيَت على مَدار القرن الماضي، لكنه يرسم صورة لسلوك الإنسان بنفس السكتات الدماغية التي لا نزال نستخدمها الآن، فإذا كُنتَ ترغب في الحصول على فهم عميق لعلم النفس فيُمكنك أنْ تقرأ ذاك الكتاب.
ولا مُبالغة في القول بأنَّ (مباديء علم النفس) يُدَّرس في كل دورة علم نفس تمهيدية، فمن المحتَمَل أنْ يُدَّرس جيمس ونصه الشهير في كل مُقدمة لعلم النفس، فللكتاب شعبية كبيرة جدًا.
لكن نوع الشعبية التي يتمتع بها يختلف تمامًا عن النوع الذي حصل عليه كتاب (الرومانسية الحديثة)، السبب في أنَّنا نعتبر (الرومانسية الحديثة) شعبيًا أنَّه في فترة من الزمن كان الجميع يتحدث عنه، ولكن بعد وقت قصير من ظهوره على الساحة قلَّ الحديث عنه، إذا كُنتَ ترغب في رسم شعبيته بمرور الوقت على المحور الأُفقي مع عدد الأشخاص الذين يقرأونه على المحور الرأسي، فسيُشكل ذلك ارتفاعًا كارتفاع الخط العمودي تقريبًا، وسيكون هناك انفجار عند ظهوره لأول مرة.
فـ (الرومانسية الحديثة) كان يتمتع بشعبية هائلة، فقد كان قراؤه محصورين في قسم صغير من الوقت الزمني، ولكن ماذا لو قدمت نفس المعادلة لكتاب (المباديء) لجيمس؟
من المُؤكَد أنَّ كتابه كان له تأثيرًا كبيرًا عندما تمَّ نشره، لقد جعله مشهورًا عالميًا، لكنه لم يكن له مثل أرقام مبيعات كتاب الأنصاري، فبالنسبة إلى (المباديء) تأتي شعبيته من قراء مُستدامين له حتى مع مرور الوقت وليس كلهم يأتون مرة واحدة.
هذه هي سمة الشعبية الأُفقية، إنه أُفقي لأنَّه تتراكم كتلته مع مرور الوقت، ولا يُلازمه بالضرورة ارتفاع كبير في الرأسي، حتى لو كان هناك ارتفاع في البداية فلن يكون مسؤولًا عن غالبية شعبيته على المدى الطويل كالأُفقي.
إذن، ما الفرق بين الشعبية الأُفقية والرأسية؟
الشعبية الأُفقية هي النوع الأكثر صعوبة في تحقيقه، فمُعظم الكتب التي تَحظى بشعبية تكون شعبيتها رأسية، يتضمن ذلك أي كتاب يُباع على أرفُف المطارات، فالمطارات وكيل جيد لشعبية رأسية.
إذا فكرتَ في الأمر، فإنَّ الزبائن الأساسيون لمحلات بيع الكتب في المطار هم الأشخاص الذين يُدركون أنَّهم على وشك أنْ يعلقوا في السماء لعدة ساعات، ففكروا: “ربما يجب أنْ أجد شيئًا أقوم به في ذلك الوقت”، فتميل الكتب التي يلتقطونها إلى إثارة اهتمام قصير الأجل.
بالتأكيد، لن يقوم أحد بتدريس تلك الكتب في كلية خلال عقد من الزمان، على النقيض من ذلك، فإنَّ الكتب ذات الشعبية الأُفقية هي كتابات فرويد والقرآن الكريم والكتاب المُقدس و Infinite Jest وهاري بوتر وشريعة الأعمال الأدبية المُعتادة، تلك الكتب يُمكن وصفها بكلمة واحدة: “كلاسيكية”.
السمة المُميِّزة للشعبية الرأسية هي أنها مُهمة الآن لكنها لن تكون كذلك في وقت لاحق.
الكتاب الجيد ينبغي الحُكم عليه من خلال عائد الاستثمار، فلن نقضي 10 ساعات في قراءته، دعنا نَقُل: هل تُريد شيئًا ما سيظل في عقلك لعقد من الزمن ويُواصل كسب الأرباح؟ أو تُريد شيئًا سوف يتلاشى ويتركك للشك في أنَّه لا يجب أنْ تأخذ توصيات كتابية من نفس الشخص الذي يُقدم لك المَشُورة المالية؟
إذا كُنتَ قد قرأتَ (المباديء) قبل مائة عام، فستفهم شيئًا مُهمًا في علم النفس، وستبقى معلوماته عالقة في ذهنك.
فما رأيكَ أنت؟
كتابة: أميرة يحيي
مراجعة: مصطفى طنطاوي
تحرير: أسماء مالك
تصميم: أمنية عبد الفتاح