لماذا لا نستخدم البراكين كمحارق طبيعية للتخلص من القمامة؟
معروف أن البشر كائنات كل ما تطله أيديها تُسخِّره من أجل رخائها، فمع الزمن تكثُر المنتجات -من مأكل وملبس- وتتطور وتتنامى حتى تصل إلى صورتها التي نعرفها الآن، ويتخلَّف عن تلك المنتجات أطنان من المخلفات والقمامة بشكل يومي، وإذا تُركت القمامة هكذا بدون محاولة للتخلص منها؛ سيتحول الكوكب إلى مكب نفايات كبير، لذا كثُرت المحاولات والأفكار للتخلص من القمامة، منها ما هو تقليدي كإنشاء المكبات أو حرقها يدويًا، ومنها ما هو مبتكر مثل إعادة التدوير وصناعة منتج جديد أو حرقها في محارق خاصة لإنتاج الطاقة -ويوجد ما يُعرف أيضًا بطاقة الكتلة الحيوية وهي تعتمد على المخلفات الحية مثل النباتات والحيوانات النافقة-، ومنها أيضًا ما هو مجنون مثل فكرة إطلاق النفايات إلى الفضاء الخارجي أو إلقائها في البراكين، تبدو تلك الأفكار المجنونة مثالية وممتازة للوهلة الأولى ولكن في الحقيقة توجد الكثير والكثير من المعوقات لتطبيقها عمليًا، تُرى لماذا؟
في هذا المقال سنتحدث عن أسباب عدولنا عن فكرة إلقاء النفايات في البراكين كمحارق طبيعية المنشأ ومنها:
١- بُعد استخدام البراكين عن متناول أيدينا
بدايةً نحتاج إلى تحديد موقع بركان نشط، ثم نقوم بنقل النفايات لهذا الموقع، وتعد هذه مشكلتنا الأولى، فمعظم البشر لا يعيشون وبالقرب منهم براكين نشطة. لذا؛ فإن نقل القمامة إلى مكان البركان سيكلف الكثير من الوقت والمال والوقود أيضًا.
٢- صعوبة التعامل مع انفجارات أغلب البراكين
المشكلة التالية أن البراكين ليست جميعها ذات شكل مثالي كما نتخيلها بفوهة مستديرة وجسم مخروطي بداخله بحيرة من الحمم مناسبة تمامًا لحرق جميع القمامة لدينا -كبراكين الدرع في هاواي-، فهناك العديد من أنواع البراكين وأكثرها انتشارًا على الأرض هي البراكين الطبقية “stratovolcano” ويتميز هذا النوع بأنه في بعض الأحيان تتدفق منه الحمم البركانية إلى سطح الأرض، وتميل أيضًا للانفجار في أحيانٍ أخرى -مثل بركان “Kilauea”-، حيث تنجم انفجاراته تلك عن ضغط الغاز الساخن والصهارة داخل البركان وتجمعاتها الأكثر من اللازم فينفجر،
ونحن بالطبع لا نريد إلقاء القمامة في بركان متفجر، فإذا كنت قريبًا بما يكفي لرمي القمامة من براكين تتفجر منها صخور منصهرة ورماد بركاني وغازات فأنت ميت لا محالة.
٣- خطورة الغازات السّامة والصهارة المنبعثة من البركان
لنفترض أنك تعيش بالقرب من بركان نشط وودود وذي شكل مثالي كما في هاواي وعلى مقربة كافية لسحب القمامة الخاصة بك كل يوم إلى قمة البركان النشط حيث لا فقد في وقت أو مال أو وقود، بغض الطرف عن قلقك الدائم بشأن تدمير منزلك بسبب الحمم البركانية، فهناك أيضًا بعض المخاطر عليك أو على شاحنة القمامة خاصتك، تتمثل تلك المخاطر في الغازات السامة وبقع الحمم البركانية التي هي بالفعل مخاطر وجودها أمر طبيعي في قمة البركان، بالإضافة إلى ذلك سيتولد انفجار عظيم بمجرد اصطدام كتلة القمامة الباردة كبيرة الحجم مع الحمم البركانية، وهذا بالطبع أمر لا يُحمَد عقباه، ناهيك عن كمية الغازات الضخمة التي سَتنتُج مباشرةً عند إحراق القمامة في البركان، فهكذا سنزيد من نسبة تلوث الهواء وهي ضارة بشكل لا يصدق للتنفس.
اليوم محارق القمامة تلتزم بمجموعة من اللوائح والقوانين التي تلزمها بضرورة التخلص من الغازات الناجمة بطرق آمنة حتى لا تنبعث للهواء مثل تصفية الملوثات الرئيسية، ومنها: الأوزون وأكاسيد الكربون والكبريت، وهذا تكنيك لا يمكن تطبيقه في حالة البركان، فإذا حللنا مشكلة صنع مصافٍ للهواء بحجم وشكل كل بركان، فإننا لا نضمن تلفها مع حرارة وانفجار البركان من حين لآخر.
٤- مشكلة تكدُّس القمامة داخل البركان وعدم حرقها كاملةً
والسبب التالي يتمثل في أن البراكين داخلها ليس كبير كفاية ويتسع لكل القمامة لدينا حتى تصل إلى مركز الأرض مثلًا، حيث ستتكدس القمامة في البركان ولن تحترق جميعها، وستتفاعل أيضًا مع الحمم وتنتج مواد كيميائية عديدة لا نود أن تُنتَج، لذا؛ فعند تدفق الحمم خارج البركان لن تصبح ساخنة وحارقة فحسب بل سامّة أيضًا.
٥- البراكين ليست ساخنة كفاية للتخلص من النفايات الأكثر تخصصًا
لذا بعد كل هذه الأسباب، فإن إلقاء المخلفات اليومية العادية التي نخلفها نحن البشر في البركان ليس قرارًا ملائمًا، وخصوصًا مع فكرة اختراعنا للكثير من المواد منخفضة الكثافة التي تطفو ببساطة فوق السطح فلن تطولها حرارة الحمم، ولن يتم حرقها، وسيظل أغلبها كما هو.
ولكن ماذا أيضًا عن النفايات الأكثر تخصصًا وأكثر خطورة مثل النفايات الطبية أو النووية مثلًا؟ لسوء الحظ رميها هي أيضًا ليس قرارًا ملائمًا، فالبراكين ليست ساخنة بما يكفي لإذابة الوقود النووي أو تعقيم النفايات الطبية، حيث تتراوح درجات حرارة الحمم البركانية من 1292 إلى 2282 درجة فهرنهايت وهي ساخنة فعلًا ولكنها ليست ساخنة بما يكفي.
٦- تلوث بصري للمناطق الطبيعية
بالإضافة إلى كل هذا فإن البراكين سواء كانت نشطة أو خامدة فهي أماكن وتضاريس جيولوجية ذات جمال طبيعي خاص والعديد منها محفوظ ومحميّ كمنتزهات طبيعية، ولا داعي لأن أوضح مدى تشوه جمالها هذا عندما يختلط المنظر بالقمامة.
وأخيرًا أود أن أختم مقالي بمَثل شعبي شهير يقول: إذا عُرف السبب، بَطُل العجب، حيث إن فكرة حرق النفايات داخل بركان ثائر كانت تبدو لك حقًا فكرة لامعة منذ قليل، ولكن بعد أن اتضحت الصورة كاملة فقد وجدناها مجرد فكرة سيئة كالقمامة.