في العصر الحديث تم استبدال الأعمال اليدوية بالوظائف المكتبية، تطوير وسائل المواصلات، الإنترنت وغيرها. مما ساعد في إنجاز المهام دون الحاجة للحركة، مما أتاح للبشر الجلوس لأوقاتٍ كثيرة أكثر من أي عصر مضى.
الجلوس طويلًا له آثاره المدمرة على الصحة على المدى الطويل، وخصوصًا في وضعياتٍ خاطئة، فمثلًا يكفي أن تعرف أن الجلوس في الطائرة لوقتٍ كثير يُمكن أن يكون مميتًا! وإن كان هذا نادرًا؛ بسببِ ما يُسمى بالجلطة الوريدية العميقة، ولذلك تم تصميم الكراسي والمقاعد بشكلٍ يُحافظ على صحة الأفراد. إن الحركة هي التي ساعدت على نجاة جنسنا وانتشاره، وهياكلنا العظمية بل وسائر أجزاء الجسم مصممة لتحمُّل المشي لمسافات طويلة، كما يبدو أننا تقريبًا مبرمجون للمشي وحتى بدون تدخل الوعي!
تُوجد مجموعات من الأعصاب في أسفل الحبل الشوكي تُعرف بـ “مولدات النمط”، تُساعد على تحريك عضلات الساقين بنمطٍ معين (كالمشي مثلًا) بدون تدخل الوعي -مما يفسر السير أثناء النوم-، كما أنها تستقبل الإشارات من العضلات، الأوتار والمفاصل لمعرفة مثلًا إن كنا نمشي على منحدر فيتم ضبط باقي أجزاء الجسم لمعادلة الميل وعدم الانزلاق.
وهُنا يأتي السؤال، إن كانت الحركة ضرورية لحياتنا لدرجة أننا طورنا أنظمة حيوية خاصة بها للتأكد من إتمامها دون تحميل المخ عبء القيام بها، لمَ نُصاب بدوار الحركة والمصحوب بالغثيان والقيء؟
إن الجهاز الهضمي برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب من تلك التهمة! فهو فقط مأمور بذلك ولكنها مناطق اللاوعي البدائية المسؤولة عن تفسير إشارات الحركة.
ألم تلحظ أن دوار الحركة يحدث عندما تسافر بمركبة فقط؟ فكيف ذلك؟
يتعرف المخ على حركة ووضعية الجسم عن طريق 3 مساعدين:
– مستقبلات الحس العميق: هي مستقبلات تُساعد في تعريف المخ بحركة الأطراف والعضلات ووضع الجسم الحالي وحفظ توازنه. حيث أنك إن خطوت على شيءٍ حاد كمسمار مثلًا، يحدث تصرف انعكاسي غير خاضع للوعي ويتم رفع القدم عن موضع الألم، ثم يأتي دور الحس العميق فتجد باقي عضلات جسمك وقدمك الأخرى تضبط نفسها كيلا تقع بفعل الجاذبية بدون تدخل وعيك، ويعتبره البعض حاسةً سادسةً.
- النظام الدهليزي بالأذن الوسطى: وهو عبارة عن مجموعة قنوات صغيرة ممتلئة بسوائل تتحرك تبعًا للجاذبية، وبها مستقبلات تبلغ المخ بأي تغيير في مستوى السائل، ويقوم المخ بتفسير تلك الإشارات وتحديد وضع الجسم.
- العين: تقوم بتجميع صور عن حركة الموجودات حولها وتبعثها للمخ.
عند رؤية قطار يتحرك مثلًا، من الذي يتحرك؟ نحن أم القطار؟ هنا يستشير المخ الأذن الوسطى، ومنها يتأكد أننا ثابتون والقطار هو الذي يتحرك. والمخ يعرف الحركة من عدمها من خلال اتفاق هؤلاء العمال الثلاثة على شيءٍ واحدٍ فقط.
حسنًا لنكمل، إن ركوب السيارة يُولد إشاراتٍ مختلفة من كل مساعد؛ فالعين ترى الموجودات تتحرك، والسائل بالأذن الوسطى يتحرك تبعًا لحركة السيارة، وهما معًا يعنيان أننا نتحرك، لكن مستقبلات الحس العميق في العضلات تقول أننا لا نتحرك؛ لأننا جالسون ولا نتحرك فعلًا! وطبق نفس القاعدة على السفن والطائرات، فالمحصلة النهائية أن هناك مشاجرة بين الإشارات وكل منهم مقتنعٌ برأيه.
إن عقلنا الواعي يتصرف جيدًا في تلك المشاكل، ولكن اللاوعي لا يعرف كيف يتصرف في تلك المشاكل، وليس لديه أدنى فكرة عما يحدث. فينظر المسكين بحيرة إلى تلك المشاجرة بين الإشارات ولا يدري ماذا يفعل، ما السبب لذلك الخلل؟ يا إلهي هل تسممنا؟ فهذا هو السبب الوحيد الطبيعي الذي يُمكن أن يسبب خللًا كهذا، السم شيءٌ سيئٌ، يجب أن نُنبه باقي الجسد ونتخلص منه، فيتم تحفيز الجهاز الهضمي للتقيؤ فتتقيأ!
فإن اللاوعي لا يقصد أن يضايقك في سفرك، هو فقط يريد أن يحميك من هذا السم.
تلك هي أشهر نظرية مطروحة لتفسير دوار الحركة، ولكنها ليست واضحةً بشكلٍ كامل، فمثلًا لم لا يصاب بها كل الناس؟ لم نصاب بها في أوقات معينة؟ لم تختلف استجابات الناس؟
يُمكن أن يكون هناك عوامل أخرى مثل: طبيعة المركبة التي تستقلها، حساسية عصبية لبعض أنماط الحركة وغيرها. وتشمل أعراض دوار الحركة: غثيان، قيء، زيادة إفراز اللعاب، صداع، فقد الشهية وشعور عام بعدم الارتياح.
وهناك بعض النصائح لتخفيف ذلك الشعور:
الاسترخاء، ركز على شيءٍ آخر لإبقاء عقلك بالكامل مشغولًا، كالعد بالعكس من 100 إلى 1. يمكنك تركيز نظرك على شيءٍ ثابت، إن كنت على سفينة ركز بصرك على الأفق، وإن كنت في سيارة فانظر عبر الزجاج الأمامي، أو أغلق عينيك تمامًا. تجنب التدخين، الكحول والقراءة. يمكن أن يساعدك الزنجبيل والنعناع أيضًا. تزول آثار دوار الحركة بعد النزول من المركبة، ولكن إن ظلت تلك العلامات بعد انتهاء الرحلة يجب أن ترى الطبيب.
كتابة: ياسمين محمد
مراجعة: محمد أحمد
تصميم: أمنية عبدالفتّاح
تحرير: هدير رمضان
