الفلسفةعلم النفس

هل تعاني من كوارنتين 15؟

هل حدَّثت نفسك من قبل عندما كنت تشعر بالملل؟ أقصد هل حدَّثتها ب “لمَ لا نصنع لأنفسنا طعامًا شهيًا ومشروبات طيبة؟ نكسر بها ذاك الملل، ونجدّد نشاطنا، حتى نصبح في حال أفضل؟”، ومن بعدها تذهب كي تُحضر طعامك وتتناوله، وإذا بك بعد تناول كميات كبيرة، تحدِّث نفسك مجددًا ب “ماذا فعلت بنفسي؟ سيزيد وزني بشدة بهذا الشكل!”

هل حدث كل ذلك معك من قبل؟ أو أنه يحدث معك الآن في ظل العزل الصحي، والتباعد الاجتماعي، وكورونا؟ إذَا فهذا المقال لك، لديك اشتباه في إصابة، إصابة ب “كوارنتين 15”!

في البداية، أنا هنا لأطمئنك، لا تجزع لن يصبح الموضوع خطيرًا إذا ما استمعت إليّ جيدًا، كما أنك لست الوحيد الذي يعاني من تلك الحالة، لذا؛ اجلس واستمع لما سأقوله بهدوء ولا تقلق أو تشعر بالذعر.

نحن جميعًا نشعر بالراحة عند تناول الطعام، كما أنَّ الكثير منا يلجأ إليه كمصدرٍ لتفريغ الطاقة السلبية، والتخلص من التوتر، وتجديد الطاقة.

  • ما هو “كوارنتين 15″؟

تعتبر حالة كوارنتين 15 أو “Quarantine-15″، هي حالة اخترع اسمها رواد مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، والتي يرتبط اسمها بكلمة Quarantine، والذي يعني الحجر الصحي، والمرتبط كذلك بأحداث كورونا الحالية، والتي يتبعها شعور في تناول الطعام، ورغبة شديدة في أكل الوجبات السريعة، والتي يتبعها دائمًا عدم حركة وكسل كبيرين، مما قد يتسبب لاحقًا في زيادة الوزن، ويصحبها كذلك شعور مضاعف بالاكتئاب، والخوف والضجر والقلق من الأحداث الجارية الخاصة بالجائحة، وكذلك من تلك الزيادة السريعة في الوزن.

  • علاقة الأكل الشره بكورونا

الظروف الحالية التي سببها ڤيروس كورونا هي بيئة خصبة لانتشار تلك الحالة، فمع انتشار جائحة كورونا التي ترتب عليها فرض حظر تجوال وعزل صحي منزلي للأصحاء والمرضى، والتي تسببت في قلة الحركة، وقلة ممارسة التمارين اليومية، وأبسطها الجري، وبالتالي الشعور بالخمول والقلق والريبة والخوف، مما يحدث في العالم من أحداث خاصة بجائحة كورونا، يضطر الشخص بعدها إلى اللجوء للطعام كمصدر راحة له -كشعور مؤقت-، فيسبب نتيجة لذلك زيادة الوزن، كما أنها تُشكل مخاطرَ كبيرة على الذين يعانون من زيادة الوزن بالفعل، غير أنها ستتسبب في مشاكل كثيرة صحية ونفسية بعد انتهاء فترة الحظر، والخروج للعالم مرة أخرى.

ويكون الفرد أكثر رغبة في اللجوء للمأكولات والمشروبات الغنية بالدهون أو السكريات، والتي تعطي له شعورًا بالراحة والاسترخاء، والتي يتبعها مكوث في المنزل، وعدم حركة، هذا كله يسبب زيادة مستمرة في الوزن، ويكون بحجة تخفيف القلق.

  • كيف يمكن للأكل أن يؤذينا؟

هل الأكل بتلك الطريقة هو حل فعال كما هو ظاهر للنفس البشرية؟ يمكننا أن نجيب ب”نعم”، ولكن سنتبعه بأنه حل فعال فقط على المدى القصير، ولكن في حقيقته تكمن مشكلة أكبر على المدى الطويل، فتناول الطعام يغرقنا في رغبة مستمرة في التناول، يصعب على المرء كسرها، فتزيد من التوتر والقلق والضيق لدى الفرد، مما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل: أمراض القلب، والسكري، والسمنة المفرطة، بالإضافة إلى مشاكل عاطفية، مثل: الاكتئاب، والقلق.

أثناء التوتر، أو القيام بعمل ما، يضخ الدماغ مزيجًا من هرمونات الإجهاد في مجرى الدم، والتي تجعل الجسم بحاجة للطاقة، والتي يلجأ لها بالطبع عن طريق أكل السكريات، والمأكولات الدسمة؛ لتهيئة الجسم للقيام بالعمل المطلوب، مثل زيادة نسبة الجلوكوز، وتجديده بالجسم، والذي يقل بالإجهاد، فكلما زاد إفراز الجلوكوز كرد فعل للضغط والإجهاد، أصبح الفرد أكثر جوعًا ورغبة ولهفة في أكل الحلويات والدهون، ليحل محل الكورتيزول الذي تشتد الحاجة إليه، وبالتالي يضطر لأكل الدهون والسكريات، والتي تذهب مباشرة إلى البطن، وتُخزَن فيها، وتسبب المزيد من الضرر للجسم.

  • طرق الوقاية من “كوارنتين 15”

لعلك الآن تتساءل عن طريقة يمكننا أن نستعيض بها عن الأطعمة المضرة، أو التي تسبب حالة الكوارنتين 15 تلك، وأنا هنا لأساعدك على معرفة تلك الحلول.

1- يمكنك أن تجد أنشطة تقلل من الإجهاد، مثل: ممارسة الرياضة، والتأمل، واليوغا، فاقتران النشاط بالأكل الصحي والنوم الجيد ليلًا يمنحك طرقًا صحية لإدارة أوقاتك بشكل جيد في وقت الوباء.

2- تناول الأطعمة المغذية: الجسم ذو التغذية الجيدة، لديه درع يقاوم التوتر بشكلٍ جيد، فبعض الأطعمة الضارة تستنفذ مقاومة جسمك للإجهاد. فاستبدالك للقهوة بالمياه المعبأة وعصائر البروتين وعصائر الفاكهة، تجعلك أقل عرضةً لإجهاد جهازك العصبي، وإصابته بالتوتر والقلق.

والأطعمة عالية الألياف التي يتم هضمها ببطء، مثل: الحبوب والمعكرونة، تعمل على استقرار مستويات السكر في الدم، فالأطعمة التي تحتوي على أحماض أوميجا 3 الدهنية، تحمي من أمراض القلب، وتخفف من الاكتئاب.
المأكولات البحرية، والمكسرات، والبذور، والزيوت مثل: الكتان، وفول الصويا، توفر العناصر الغذائية المطلوبة؛ لتحسن الحالة النفسية والصحية.

3- حدد وجبتك: عند وجودك في المنزل، فإنه من السهل عليك أن تشرب بدون كمية محددة، أو تأكل من الأطباق الكبيرة، فأنت بعدم قياسك للطعام، تأكل كميات كبيرة من الطعام تلقائيًا، مما يساهم في زيادة الوزن والسمنة غير المرغوب فيها، لذا؛ عليك بتناول الوجبات الخفيفة على طبق بكمية محددة مسبقًا، فذلك يزيد إحساسك بالشبع من الكميات القليلة.

4- كُل بتركيز: ابتعد عن التركيز في الأشياء الأخرى أثناء تناولك للطعام، كأن تأكل أثناء القيادة، أو تأكل أثناء مشاهدتك للتلفاز، عليك أن تتعامل مع وجبة الطعام كنشاط فردي، له قيمة في حد ذاته، فالجلوس أثناء تناول الطعام، وكذلك تناوله ببطء، ومضغه عدة مرات قبل البلع، وتقدير قوامه وروائحه ونكهاته، كل ذلك يساعدك على الاسترخاء والتمتع بالوجبة، بالإضافة إلى تيسير عملية الهضم، ويمنح معدتك الوقت لإخبار دماغك أنه ممتلئ، وبذلك تكون أقل عرضة للإفراط في تناول الطعام.

5- حاوط نفسك بالطعام الصحي: فإحاطة نفسك بالأطعمة الصحية، يزيد من احتمالية تناولك الطعام بشكل أفضل، فعندما تكون مرهقًا، فإن شهيتك تركز على أكل كل ما هو أمامك.

ننصحك بالتفكير في تفريغ ثلاجتك من الأطعمة غير الصحية، والتخلص من السكريات العالية والدهون، مثل: الآيس كريم أو رقائق اللحم والوجبات السريعة، كل ذلك يجعلك تصل إلى طعام صحي.

6- قم بتغيير روتينك: اترك حياتك العادية، التي تربطها بتناول الطعام بنهم بعد يوم مرهق، فبدلًا من مشاهدة التلفاز وأنت تأكل علبة آيس كريم، أو أكلك لوجبات سريعة أثناء تصفحك للإنترنت، خطط لشيء مختلف، وكافئ نفسك بالنشاطات الأكثر صحية، كأن تقوم بتمشية حيواناتك الأليفة، أو تلعب ألعاب البلايستيشن التي تحبها، أو أن تجلس مع أطفال عائلتك وتسليتهم، أو أن تستمع للموسيقى، وتتحدث إلى أصدقائك عبر الإنترنت.

7- قم برعاية نفسك: واظب على أخذ القسط الكافي من الراحة، والنوم 8 ساعات يوميًا، وممارسة الرياضة، وابحث عن طرق جديدة للحفاظ على لياقتك أثناء عزلك في المنزل، مثل: الركض، أو المشي، أو تمارين الضغط، أو رفع الأثقال، أو استخدم الدرج في الصعود والنزول عليه عدة مرات في عمل تمريناتك اليومية.

8- تحدَّث مع نفسك وحفزها: في مواجهة الأوقات المضطربة، بدلًا من شعورك بالإحباط، أو ضرب الطاولة أثناء شعورك بالضجر، تحدَّث إلى ذاتك، وكن بجانبها، وحدِّثها أحاديثًا مبهجةً، مليئة بالتفاؤل وحب الذات.

في النهاية، يجب القول بأن الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية في مثل تلك الأوقات هو أمر مهم ومطلوب، والأكل المفرط للطعام، يمكنه أن يخرب الصحتين النفسية والجسدية، ويقودهما نحو الأسوأ، فعلينا دائمًا الحفاظ على ذواتنا، وعلى صحتنا بشكل جيد.

وأنت، ما هي استراتيجياتك للحفاظ على نفسك من “كوارنتين 15″؟

المصادر 1 2

كتابة: أميرة يحيى

مراجعة: آلاء عمارة

تحرير: إسراء وصفي

اظهر المزيد

أميرة يحيي

كاتبة بقسم علم النفس والفلسفة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى