ما لا تعرفه عن الفايكنج
الفايكنج هم قبائل انتشرت شهرتها في المدة ما بين القرن التاسع وحتى القرن الحادي عشر، وهم عبارة عن محاربين عبر البحار يستخدمون السفن والفؤوس والدروع لغزو الأراضي، وكانوا يتميزون بقوة جسمناهم وقادتهم العظماء الذين يجيدون السيطرة عليهم وتوجيههم جيدًا للبحث عن الثروات والأراضي، وأيضًا بكثرة هجومهم على الصوامع والأديرة ونهبها. ولعلك تتساءل يا صديقي من هم؟ وماذا فعلوا في تلك المدة؟ دعنا نعرف ذلك معًا.
من هم الفايكنج؟ وما سر تسميتهم؟
الفايكنج هم قبائل إسكندنافية، سكنوا المناطق التي تُعرف الآن باسم النرويج والدنمارك والسويد، والحقيقة ليس كل الإسكندنافيين فايكنج، وإنما كان يُطلق ذلك اللقب على الرجال الذين يتخذون البحر لغزو الدول المجاورة، وعلى عكس ما يعرفه البعض، فإن الفايكنج لم ينحدروا من سلالة واحدة أو نسل واحد، إنما هم قبائل متفرقة، وما كان يميزهم عن أوروبا في ذلك الوقت هو أنهم وثنيون، وأوروبا مسيحية، وربما هذا هو أهم اختلاف، وكذلك ليس عندهم مظاهر الحضارة المتعارف عليها في ذلك الوقت من قبل الأوروبيين.
أتعلم يا صديقي، أن اسم الفايكنج لم تستخدمه أي ثقافة ولا أي دولة لوصف تلك القبائل، وإنما استخدمه الكُتَّاب الإنجليز، فهذه القبائل كانت تسمى بأسماء مختلفة في العديد من الثقافات. علي سبيل المثال، الأيرلنديون كانوا يطلقون عليهم لقب الوثنيين أو الأجانب، والفرنسيون كانوا يسمونهم بالشماليين، والألمانيون كانوا يطلقون عليهم أشمين (Ashmen)؛ وذلك لاستخدامهم لنبات المران (Ash) لصنع سفنهم.
ثقافة الفايكنج:
ثقافة الفايكنج هي الإسكندنافية، كان المجتمع الإسكندنافي ينقسم إلى ثلاث طبقات، وهم كالتالي: الأعلى طبقة هم الإيرل (Jarls) وهم طبقة النبلاء، والطبقة التالية هم كارل ((Karls وهم طبقة الرجال الأحرار، والطبقة الأدنى هم طبقة التبعية ((Thralls وهم طبقة العبيد. ظلت العبودية منتشرة بشكل واسع في القبائل الإسكندنافية، ولعله كان الحافز الأوحد للغارات عند الفايكنج. معظم الشعب كانوا مزارعين، ولكن كان هناك وظائف أخرى مثل أن يكون حدّاد، وغيرها. على رغم الصورة المنتشرة لهم أنهم وحشيون وهمجيون؛ لكنهم كانوا يهتمون بنظافتهم جيدًا، وكذلك مظهرهم.
أما بالنسبة للنساء، فالمجتمع الإسكندنافي كان يعطي حرية كبيرة للمرأة، فهي تستطيع أن ترث، وتختار أين وكيف تعيش إذا كانت غير متزوجة، وتدافع وتمثل عن نفسها في القضايا الجنائية، وتستطيع أن تقوم بعمل خاص بها، أزياء وجواهر النساء كانت مماثلة للرجال المتشابهين في الطبقة الاجتماعية.
بداية عصر الفايكنج:
في عام 793 م، وهجوم الفايكنج على صومعة ليندسفارن (Lindisfarne) -تسمى بالجزيرة المقدسة، وتقع على ساحل مملكة نوثرامبرلاند (Northumberland) شمال شرق انجلترا- هو ما ميز بداية عصر الفايكنج، وكانت المفأجاة بالنسبة للأوروبيين أن هؤلاء الغرباء لا يكنّون أي احترام للأديان، حيث كانوا يهاجمون الصوامع والأديرة التي تكون غير محمية وغير محصنة. لمدة عقود عديدة كان الفايكنج يتبعون غارات الكر والفر على الأهداف الساحلية على الجزر البريطانية (وبالأخص أيرلندا).
استغل الفايكنج الصراعات الداخلية في أوروبا؛ ليوسعوا نشاطهم إلى داخل الأراضي، وفي منتصف القرن التاسع، أضبحت أيرلندا وإسكتلندا وإنجلترا الأهداف الكبيرة للمستوطنات والغارات عند الفايكنج، واستطاع الفايكنج السيطرة على الجزر الشمالية من إسكتلندا، وأنشأوا أول المراكز التجارية هناك مثل دﺑلن وغيرها، وفي صدام الهجمات للممالك الإنجليزية استطاعت مملكة واحدة أن تهزمهم، وهي مملكة ويسيكس (Wessex) بقيادة ملكهم ألفريد العظيم، وبمغادرة ويسيكس اتجهوا إلى الشمال، وأقاموا مستوطنة دنالو (Danelaw).
عصر الفايكنج الثاني:
وفي منتصف القرن العاشر، ميز الملك بلوتوث ملك الفايكنج المتحدة الجديدة بداية العصر الثاني للفايكنج، حيث شن غارات منظمة على نطاق واسع بواسطة قادة عظماء، وضربوا السواحل الأوروبية وخصوصًا إنجلترا، تابع ابنه سوين فوركبيرد مسيرته في الهجمات على إنجلترا، وبدأها في عام 991 م، واستطاع أن يهزم المملكة بأكملها في عام 1013 م، ونفى الملك إثيلريد (Ethelred)، تُوفي سوين في السنة التالية، وتبعه ابنه الملك كونت العظيم؛ ليحكم الإمبراطورية الإسكندنافية المتكونة من النرويج والدنمارك وإنجلترا على إمتداد بحر الشمال، خلَّف كونت ابنيه، ولكن تُوفي كلاهما في عام 1041 م.
نهاية الفايكنج:
لم يُهزم الفايكنج بشكل جماعي في أي معركة قط، ولكن الباحثين والعلماء اتفقوا على أن نهاية الفايكنج بدأت في عام 1066 م، عندما قتل هارلد الثالث -آخر ملك عظيم للفايكنج- في معركة جسر ستامفورد. ويوجد العديد من العوامل التي ساهمت في نهايتهم، ولكن أتعلم أن تغيير ديانة الفايكنج إلى المسيحية خلال القرن العاشر والحادي عشر من بين أهم العوامل، فمنذ أن سقطت الديانة الوثنية لم يوجد أي إيمان ولا إلهام لهم للقيام بتلك الغارات.
يمكنك أن تشاهد عزيزي القارئ الإرث الذي تركوه هؤلاء الفايكنج في المناطق الإسكندنافية، وكذلك في المناطق التي استعمروها، مثل شمالي إنجلترا وإستكلندا وغيرها، وقد تركوا ورائهم الكثير من الأدب، فملحمة الآيسلنديين (the Icelandic sagas) والمعروفة أيضًا باسم ملحمة الأسرة تحتفي بالانتصارات العظيمة لهم.
كتابة: عبد الرحمن ناجح
تدقيق: إسراء وصفي