السفر عبر الزمن
في المقال السابق عن السفر عبر الزمن كنا قد بدأنا رحلتنا مع أينشتاين وخيالاته عن القطار الذي يسير بسرعة الضوء، وعن الساعة التي تتباطأ عقاربها حتى تتوقف، ووصلنا بهذا إلى أن المحور الآن لم يَعُد هو الوقت الذي تحتاجه لتسافر، ولا المسافة التي ستخضع لها رحلتك، ولكن هو ببساطة التناسب بينهما.
في خلال العشرة سنين التي تَلت اكتشاف (ألبرت أينشتاين) لما سُمي بالنسبية الخاصة والتي اعتمدت في أساسها على تخيله للتناسب بين الوقت والمسافة، توسّعت فكرة أينشتاين أكثر فأكثر، حتى خرجت من تخيله للقطار والساعة إلى تخيله للعالم كله، ولكن لنفهم أكثر مفهوم التناسب بين الوقت والزمن دعنا نأخذ هذا المثال:
تخيل معي أنك واقف الآن في غرفتك، وتَود الذهاب إلى باب المنزل الذي يقع في الشمال الشرقي من باب غرفتك. إذن الآن أنت ستتوجه في إزاحة نحو الشمال الشرقي لتذهب إلى باب المنزل، ولكنك -من وجهة نظر أخرى- قد قطعت مسافة في اتجاه الشرق، تليها مسافة في اتجاه الشمال، وبهذا وصلت إلى باب المنزل.
دعنا الآن نتجرد من مفاهيم الشمال والشرق إلى إزاحة (س) في اتجاه المحور (ف)، وإزاحة (س) في اتجاه المحور (ن)، والنسبة بين هاتين الإزاحتين أتت بالاتجاه الذي عليك أن تسلكه لتصل من غرفتك إلى باب المنزل. الآن، إذا استبدلنا المحور (ف) بمسافة والمحور (ن) بزمن، فإن النسبة بين هاذين المتجهين سيأتي لنا بالسرعة وهو مفهوم بديهي حتى الآن.
ولكن، ماذا إذا بلغت هذه العلاقة الخطية أقصاها وأصبحت السرعة تؤول إلى ما نهاية؟
هنا يأتي المفهوم البسيط للنسبية، كلما زادت سرعة الجسم تباطأ الزمن من حوله، فإذا وصلت سرعة الجسم إلى أقصى قيمة لها (عند سرعة الضوء) أصبح من الضروري للزمن -نسبيًا- أن يتوقف، وهنا أصبح من الضروري ربط مفهوم الزمن بالمكان وهنا أتى دور أينشتاين في مفهومه عن العالم كله بشبكة (الزمكان). تخيّل أينشتاين أن الفضاء هو عبارة عن شبكة -وهمية- من تقاطع خطوط الزمان مع خطوط المكان، وأي جسم يوضع على هذا التقاطع يسبب -حسب كثافته- انحناءً فيه وكلٌ حسب كثافته. وهذا يفسر دوران القمر حول الأرض ودوران الأرض حول الشمس، هو فرق في الانحناء المُسبَّب ليس إلا!
الآن، دعنا نحاول سويًا تخيل شيئ ما، إذا أردت أن تسافر من الإسكندرية إلى السودان في سيارة بدون طعام ولا شراب ولا راحة فقط أنت وسيارتك والطريق، فأنت بالكاد هالك إما من الإجهاد أو من الملل. لذلك، سأسدي لك معروفًا، سأخبرك طريقة، الآن، أمسك بيدك بطرف الإسكندرية، أحذر البحر هائجٌ اليوم وامسك باليد الأخرى طرف الخرطوم لا داعي للقفازات ليس الجو بهذه الحرارة. الآن أنت تقف بسيارتك في الإسكندرية كل ما عليك فعله هو أن تمسك الأرض من منتصف المسافة بين المدينتين، وتثني الأرض، لا فقط ثق بنفسك أنت تستطيع فعلها! نعم، هكذا، أقوى، أنت الآن أتيت بالخرطوم بجانب الإسكندرية، يمكنك حتى ترك السيارة والترجل إلى هناك أحذر فقط التقلبات المناخية.
تراها دعابة سخيفة أليس كذلك؟
نعم فهذه الدعابة السخيفة هي أساس فكرة السفر عبر الزمن، ودعني أخبرك شيئًا، هذا الكلام نظريًا منطقي طالما المشكلة تتعلق بالمسافة الكبيرة جدًا في السفر في الفضاء وأن الوقت لن يسعفنا بسبب النسبية، إذن لماذا لا نحاول التفوّق على هذا الفضاء بثني شبكته، وهذه هي الفكرة التي نعتمد عليها أساسيًا في بناء ما سُمي ب (محرك الإعوجاج) الذي يقوم على بفكرة ثني شبكة الزمكان، فبدلًا من أن أسافر من المجرة للمجرة، لماذا لا أقوم ببساطة -على الأقل- بتقليل المسافة بين المجرتين؟
ولكن دعني أخبرك شيئًا، على أي حال لن تقتنع والدتك بهذه الفكرة خاصةً عندما تقنعها أنك ستأتي بصندوق القمامة أمام باب منزلكم.
كتابة: محمد رضا
مراجعة: نهاد حمدي
تصميم: محمد خالد
تحرير: نها عمّار