الفلسفةعلم النفس

علاقة الاكتئاب بالدين

** ما قبل المقدمة:

في البداية، لنقم بتعريف بعض المفاهيم بوضوح.

  • الدين:
    مجموعة من الاعتقادات يؤمن بها، وأفعال يؤديها الفرد إيمانًا منه وتقربًا لخالق هذا الكون.
  • المرض النفسي:
    مجموعة من الاضطرابات والتغيرات في العواطف والمشاعر والسلوك، يرتبط حدوثها بوجود مشاكل وصدمات نفسية أو مجتمعية.
  • الاكتئاب:
    اضطراب في المزاج العام لدى الفرد، يرتبط بإصابة الشخص بمشاعر من الحزن، ونقص الاهتمام، وعدم الرغبة في تأدية أي عمل في الحياة اليومية.

** مقدمة لابد منها:

عندما نتحدث عن علاقة الدين والمرض النفسي، فنحن -على الأغلب- نتحدث عن علاقة الدين بمرض الاكتئاب. في مريض انفصام الشخصية، نرى بوضوح خلل كيمياء الدماغ، وكذلك الحال عند مريض الذهان (الجنون). أما عند الاكتئاب، فرغم أن المرض تجمعه علاقة ارتباطية (Correlation) بين نقص الناقل العصبي (السيرتونين) وبين الإصابة بالاكتئاب، إلا أنه ما زال هناك سؤالين، أولهما: (هل الاكتئاب سببه نقص السيرتونين، أم أن الاكتئاب هو من سبب هذا النقص؟)، وثانيهما: (هل دائمًا ما يصاحب الاكتئاب نقص السيرتونين؟).

فيما يخص السؤال الثاني، فالإجابة ما زالت مبهمة بعض الشيء، وحتى الأدوية التي تعمل على إعادة ضبط مستوى السيرتونين لا تزال طريقة عملها غير مفهومة بدقة. وأما السؤال الأول، فإن العلماء يعكفون جاهدين للإجابة عنه، فلا توجد إجابة قاطعة في هذا الموضوع أيضًا.

إذا وصلت لهذا السطر فعلى الأرجح تساءلت أين هي إجابة السؤال الأهم، وهو: (ما علاقة الاكتئاب بالدين؟). ولكن قبل الإجابة، يجب علينا أن نطرح سؤالين آخرين:

  • هل فقدان المعنى يؤدى إلى الاكتئاب؟
  • هل فقدان الحب يؤدى إلى الاكتئاب؟

** تمهيد ضروري قبل الإجابة:

قديمًا ساد مبدأ أن نقص صلاة الإنسان هو سبب رئيسي للاكتئاب، وكان لا يتم التعامل مع الاكتئاب كمرض حقيقي. ربما رأى الوالدان في ابنهما المصاب شيئًا من الانحلال الديني، أو ربما هذا الحزن سببه هرمونات المراهقة، عليه فقط إدراك صلاة الجماعة وسيعود لطبيعته. والمشكلة هنا ليست في الأهالي؛ فتغيير آرائهم أشبه بتغير رأي النباتيين في أن لحوم الحيوانات مهمة. تكمن المشكلة في أن مرضى الاكتئاب قد بدأوا يصدقون أنهم في لعنة هذا المرض بسبب بعدهم عن الدين.

حمدًا لله أن هذا المفهوم قد بدأ في الزوال -على الأقل بين المصابين بالمرض- وبدأ الناس يدركون أن الاكتئاب مرض حقيقي، لكن قد انحرفت بوصلتهم قليلًا، فبدأوا يشبهون الاكتئاب بأنه مرض مثل السكري، ولا دخل للدين في هذا المرض. استشر طبيبًا، تناول أدويتك، وستصبح بخير. بالتأكيد يُنصح مريض الاكتئاب باستشارة طبيب نفسي وتناول الأدوية، إن رأى الطبيب ضرورة ذلك, لكن الأمر أكبر في جوهره من هذا، فهو ليس مرضًا بيولوجيًا بحتًا كمرض السكر مثلًا، وإنما هو مرض نفسي في المقام الأول.

** الأديان، والاكتئاب، والمعنى:

تلك المشاعر السلبية التي تشعر بها بين فترة وأخرى -نتيجة عدم اجتياز اختبار، أو التعرض لمواقف متكررة من التنمر، أو بسبب فشل علاقة، أو أنك تشعر بها دون سبب- تؤثر فينا بأشكال مختلفة. بعضنا يدرك باب الخروج منها، والبعض الآخر يظل في غرفة المشاعر السلبية إلى الأبد.

لكن إذا كان إنهاء علاقة حب بين شخصين قد يتسبب في الاكتئاب، فهل إنهاء علاقة بين مؤمن وخالقه قد تسبب ذلك أيضًا؟ تخبرك الأديان أن حياتك هي مسعاك، وأنها اختبار لما بعد الحياة. أن ترضى بالقضاء خيرًا كان أم شرًا. أن تؤمن بأن الحقوق ستُرد لأصحابها، وأن خالق الكون سوف يحاسب كل شخص على قدر عمله، فلا تبتئس.

الفكرة الرئيسية هنا، أن الأديان قادرة على خلق “معنى للحياة”. وإذا ما حدث شيء أدى لفقدان الإنسان هذا المعنى الديني، ربما أدخله ذلك في حلقة مفرغة من اللا معنى. ومن يحاول أن يدرك معنى للحياة فيمكن للأديان أن ترشده إلى ذلك المعنى.

** مشكلات، وعقبات، وملاحظات لا مفر منها:

  • الفهم الخاطيء للمنظومة الدينية:
    عندما يأتي فهم الأديان بطريقة خاطئة، فقد يأتي بكوارث نفسية؛ فالخوف من الذنب والخطأ طوال الوقت له تأثير سلبي على الشخص. يقول الطبيب النفسي “همام يحيى”: “في المجمل -من حيث الأرقام والدراسات- يبدو أن الدين والتدين له أثر إيجابي على الأمراض النفسية، وتحديدًا الاكتئاب. لكن أيضًا في بعض الحالات، يكون العكس فيها هو الصحيح. وهناك نظرية، أنه كلما كان نمط تدين الشخص أكثر تركيزًا على فكرة الشعور بالذنب، يكون الدين هنا سببًا في الإصابة، ويجعل الاكتئاب أصعب”.
  • عيوب المنظومة:
    في بعض الأحيان، قد لا يصبح الأمر واضحًا لدى الشخص المصاب بالاكتئاب فيما يخص إدراك معنى المنظومة الدينية، ويصبح الحديث عنها أمرًا بلا معنى. وفي حياة بلا معنى، لا تصبح لفكرة وجود الدين معنى. ولهذا يجب -في البداية- محاولة خلق المعنى لديه، فيما يعرف ب”العلاج بالمعنى”.
  • علاج الاكتئاب بالدين:
    لا توجد دراسة مؤكدة تفيد بأن الدين قد يكون علاجًا للاكتئاب. لكن كما أشرنا، التعامل مع الدين هنا هو بمثابة تعامل لفكرة “المعنى” لدى من فقد المعنى، قد لا يصلح للجميع، لكنه يظل حلًا يمكن استخدامه.

** مراجع لابد منها:
إذا ما أحاطت بك دوامات المشاعر السلبية، فلا بأس من الحديث عنها لمن تحب، شارك مشاكلك مع الجميع؛ فصحتك النفسية لها الأولوية القصوى. وكاتب المقال ينصحك بمشاهدة محاضرات الدكتور همام يحيى على موقع “You Tube”. ولأولئك الذين يعرفون شخصًا مصابًا بالاكتئاب، فكتاب “ما يفيد وما لا يفيد لمرضى الاكتئاب” يعد دليلًا مهمًا للتعامل مع هذا المرض.

دمتم بصحة نفسية متزنة.

 

المصدر

 

كتابة: مصطفى طنطاوي

مراجعة: عبد الستار نور الدين

تحرير: زياد محمد

تصميم: أمنية عبد الفتاح

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى