علم النفس

كيف نساعد الآخرين بشكل أفضل؟

بسبب طبيعتنا البشرية فنحن كائنات اجتماعية تحب المشاركة والعطاء ومساعدة الغير في أغلب الأحيان، فالكثير منا يؤمن بأن العطاء أهم بكثير من انتظار الأخذ، وبفضل تلك الخصائص البشرية فنحن نميل إلى محاولة تحسين حياة الآخرين، ولذلك عندما تجعل مسار حياتك يسير على نحو أفضل مما كانت عليه أو تعلمت شيئًا جديدًا فغالبًا ما تحب أن تشارك تلك الخبرات المفيدة التي اكتسبتها مع عائلتك أو أصدقائك؛ محاولةً منك أن تجعلهم يكتسبوا ويتعلموا ما تعلمت بدلًا من أن تكتم تلك الخبرات وحدك.

توجد العديد من الأسباب التي قد تفسر لنا سبب رغبتنا في إعانة الآخرين وأهمها هو الرغبة في المساعدة، وأيضًا من أجل أن يسير الآخرين معنا في نفس الركب من تحسين الذات الذي نمر به. فالآخرون الذين نقدم لهم يد العون هم أشخاص يعيشون في حياتنا لسنوات بل ربما عقود، وعدم مساعدتهم سيجعلهم خلفنا غير قادرين على المضي معنا في نفس المستوى من حياتنا اليومية، وهذا سوف يجعلنا وحيدين جدًا ونعيش باقي حياتنا إما على هذه الشاكلة أو نتعرف على أشخاص جدد.

وهذا لا يعني بالطبع أن نكف عن مساعدة الآخرين عند مرحلة ما، ولكن يجب علينا أن نعينهم بدون أن ننتظر أي نتائج أو نضع توقعات لذلك. فإذا قمنا بربط ما نقدمه من عون لهم على أن نساعدهم سوف يقفون بجانبنا أو سنجد العون عندما نطلبه، فقد نُصاب بالإحباط عندما لا نجد من يساعدنا أو أن من يساعدنا لا يساعدنا بالشكل الذي نرجوه. ولذلك فإن أفضل ما يمكن فعله لتجنب الشعور بالإحباط هو “أن نجعل أفعالنا تتحدث بدلًا من كلماتنا” وهذا هو جوهر السلوك الأفضل الواجب اتباعه نحو تغيير الآخرين.

فعلى سبيل المثال لنتخيل أنك قد شرعت في ممارسة فن التأمل والاسترخاء، ونتيجة لذلك أصبحت شخص هادئ الطباع بعد أن كنت عصبي يعتريك الغضب بسهولة لو أن سائق قد تجاوزك وأنت تقود. ولكن ليس بعد الآن! فالآن أنت تقود سيارتك وبجانبك يجلس أحد أصدقائك المقربين وفجأة قد تجاوزك أحد سائقي السيارات وقطع عنك الطريق لدرجة أن صديقك قد بدأ يصرخ ويطلق صيحات على ذلك الرجل، أما أنت؛ فأنت ما زلت تقود باسترخاء دون أن تبدى أي غضب تجاه الموقف السابق، الأمر الذي سيصيب صديقك بالدهشة وعلى الأرجح سيسألك بكل تعجب كيف ظللت هادئًا؟ فقد ظن بأنك سوف يسيطر عليك الغضب وتصيح في وجه ذلك السائق، فتجيب أنت موضحًا له سبب هدوءك بأن السائقين المتهورين لم يعودوا يصيبونك بالغضب. تلك الإجابة فقط سوف تجعله يسألك عن سبب ذلك وعن سبب تغيرك إلى كونك شخص هاديء وسينتابه الفضول بخصوص التغير للأفضل بدون أن تنصحه أو تخبره بشكل مباشر بأن عليه ممارسة التأمل كما فعلت لكي يصبح هادئًا مثلك.

هذا المثال يوضح لنا كيف أن البشر جميعهم متصلون ببعضهم البعض وأن أفعالنا تؤثر على الآخرين فإذا مضينا نحو تحسين ذاتنا والتعبير عن تحسننا من خلال أفعالنا فسنجد تأثير ذلك حولنا، ولكن بالطبع لا يعني أن كل من يجلس معك في السيارة سوف يصبح هاديء الطباع إذا شاهدك تتصرف بهدوء كما في المثال السابق. ولكنه يوضح بأنه إذا تغيرنا فإن العالم حولنا سوف يتغير. ربما لا نستطيع أن نحدد شكل هذا التغير أو توقع زمن حدوثه ولكن التغيير قادم لا محالة. فعندما نزيل من عقلنا فكرة انتظار المقابل من الأصدقاء أو العائلة فقط لأننا صرنا أفضل، فإن ذلك سوف يجعل عالمنا أفضل وبدون معاناة.

البعض يرى بأن أثر الفراشة حقيقي وموجود في هذا الكون الشاسع وكل فعل مهما بلغ صغره فإنه سيصبح له تأثير واضح، الأمر الذي يجعلنا نرغب في تلقي المزيد من الاهتمام والرعاية من أولئك الذين نهتم لأمرهم ونسعى لراحتهم، ولكن من فهمنا بأن كل ما نفعله يؤثر بطريقته الخاصة في الحياة سوف نتعلم بأن كل شيء يحدث في الحياة لسبب ما وبأن بزوغ الفجر لا مفر منه مهما طال سواد الليل. يجعلنا أيضًا نتقبل أن لكل شخص طريقته الخاصة في تحسين نفسه، علينا فقط إعانة الغير من خلال تقديم نموذج لهم وليس تقديم نصائح، وبذلك سوف نستشعر الحياة حولنا وعما تحويه من حب نابع من الآخرين.

المصدر

كتابة: راندا عارف

مراجعة: اميرة يحيي

تصميم: احمد سرور

تحرير: اسراء وصفي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى