الفيزياء والفلك

نظرية الانفجار العظيم، ماذا حدث أثناء نشأة كوننا؟

قبل 13.7 بليون سنة، كان ميلاد كونِنا هذا في تمدّد هائل يشبه البالون العملاق.
وهذه باختصار نظرية الانفجار العظيم، التي يؤيدها كل علماء الكون والفيزياء النظرية تقريبًا.
فما الذي سخّر لتلك النظرية هذه المكانة في تفسير نشأة كوننا؟
نحن نعلم أنّ الكون لا يزال يتمدّد حتى الآن، بمُعدل مُتسارع باستمرار، ولا يُمكن رؤية أي أجسام أقدم من 13.7 بليون سنة.

  • فماذا تُعلمنا هذه النظرية؟

افترضَت نظرية الانفجار العظيم، أنّ الكون بدأ كنقطة لامتناهية الكثافة والحرارة (Singularity)، مما يصعُب على عقولنا أن تستوعب طبيعتها.
لكن هنا بدأ النقد، حيث قال الباحثون أنّ ذلك لا يعكس الواقع بدقة، لأن فكرة الـ (Singularity) تعتمد على نظرية آينشتاين للنسبية العامة، وهو لا يأخذ في الاعتبار ميكانيكا الكم، وهي مهمة جدًا في دراسة تاريخ الكون.
لذا، فالبداية تظل غامضة للغاية.

وبدايةً من تلك النقطة، يُعتقد أنّ الكون اجتاز فترة قصيرة جدًا ومذهلة من التضخم، حيث توسّع بشكل أسرع من سرعة الضوء، فقد تضاعف حجمه ربما ١٠٠ مرة أو أكثر، وكل ذلك في جزء صغير من الثانية.
لذا قد ترى -عزيزي القاريء- أنّ التضخم يكسر حواجز نظرية النسبية الخاصة، ولكن العلماء لا يؤيدونك في تِلك الرؤية، حيث أن النسبية الخاصة تنص على أنه لا يمكن نقل مادة بين نقطتين في الفضاء أسرع من الضوء، ولكن يعتبر التضخم توسعًا للفضاء في حد ذاتِه.

  • قبل التضخم

كان التوسع ضعيفًا وبطيئًا. تقول النظرية أنه كان خاويًا من مادة الطاقة المظلمة، وهي القوة الغامضة التي يعتقد العلماء أنها تعمل على تمدُّد الكون.
الطاقة المظلمة جعلت الكون ينعم ويتسارع خلال فترة التضخم.

  • فكرة أخرى

لكن التضخم ليس الفكرة الوحيدة التي تحاول تفسير نشأة الكون.
وقد ابتكر علماء الفيزياء النظرية مفهومًا آخر، يُدعى “النموذج الدوري”، هذه الفكرة تقول أنّ كوننا لم يخرج من نقطة واحدة، بل إنّه أخذ في التوسع انطلاقًا من عالم موجود من قبل كان ينكمش، وإذا كانت هذه النظرية صحيحة، فمن المرجّح أن كوننا مر بتعاقب لا نهاية له من “ضربات” و”تشققات”.
ويفترض النموذج الدوري أنّ الكون يتكون من 11 بعدًا، نستطيع أن نجد أربعة منها فقط (ثلاثة من الفضاء وواحد من الزمان).

  • في نظر موجات الجاذبية

إنّ الكون الذي نعرفه يتشكل من خلال القوى الأربع التي تتحكم به: (الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوى النووية الضعيفة والقوية)، توحّدت في قوة واحدة عند مولد الكون، ثمّ اندمجت معًا بسبب درجات الحرارة والكثافات العالية.
لكن تغيرت الأمور عندما تمدّد الكون وبرد، وفي وقت قريب من التضخم، انفصلت القوة النووية القوية.
وبعد حوالي 10 تريليونات من الثانية من الانفجار الكبير، أصبحت القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة متميزة أيضًا.

  • بعد التضخم مباشرة

امتلأ الكون ببلازما حارَّة وكثيفة، وفي حوالي ١ ميكرو ثانية، كان قد برد ليسمح بتكوّن أول بروتونات ونيوترونات.
بدأت هذه البروتونات والنيوترونات تندمج معًا، مكونة الديوتيريوم -المعروف بالهيدروجين الثقيل- ثم انضمت ذرات الديوتيريوم بعضها إلى بعض لتشكّل الهيليوم.

  • إعادة التركيب

ولأنّ كل هذه الذرات المُخلَّقَة حديثًا ذات شحنة موجبة، فقد كان الكون شفافًا.
ولكن تغيّر هذا بعد حوالي 380 ألف سنة من الانفجار الكبير، في عصر معروف باسم “إعادة التركيب”، بدأت أيونات الهيدروجين والهليوم في انتزاع الإلكترونات، مكونة ذرات متعادلة كهربائيًا.
يتشتت الضوء بشكل كبير على الإلكترونات الحرة والبروتونات لكن أقل بكثير من الذرات المحايدة، لذا أصبحت الآن الفوتونات أكثر حرية للانطلاق عبر الكون.
غيرت “إعادة التركيب” مظهر الكون بشكل كبير. لقد كان ضبابًاً غامضًا، والآن أصبح واضحًا، ويرجع تاريخ الإشعاعات الخلفية الكونية التي نلاحظها اليوم إلى هذه الفترة.
لكن مع ذلك، ظل الكون مظلمًا لفترة طويلة بعد إعادة التشكيل.
وفي الواقع أطلقت هذه النجوم المبكرة القدر الكافي من الإشعاع لتقسيم أغلب هيدروجين الكون إلى البروتونات والإلكترونات المكونة له.
ويبدو أن هذه العملية -المعروفة باسم إعادة التأيين- قد استغرقت حوالي بليون سنة بعد الانفجار العظيم.
إنّ الكون ليس غامضًا اليوم كما كان قبل إعادة التأيين، لأنه توسّع إلى حد كبير.
يقول العلماء أنّ مواد الكون مخفّفة جدًا، لذلك فإن التفاعلات التي تؤدي لتناثر الفوتونات -كما حدث في نشأة الكون- نادرة نسبيًا.
ومع مرور الوقت، انجذبت النجوم معًا لتُشكل مجرات، مما أدى إلى بنية أكبر فأكبر في الكون، والتفت الكواكب حول بعض النجوم مكوّنة المجرات، كما حدث مع شمسنا مكونة مجرة درب التبانة.
وبعد ذلك، ومنذ 3.8 مليار سنة مضت، دبّت الحياة على كوكبنا الجميل، كوكب الأرض.

 

المصدر

كتابة: الاء حمدى

مراجعة: عمر مبارك

تحرير: سعاد حسن

تصميم: اسلام فيصل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى