البيئة والطاقة

بنك البذور العالمي | قبو سفالبارد العالمي للبذور

بنك يوم القيامة

دائمًا ما ترتبط كلمة بنك لدى البعض بمكان حكومي أو خاص نحفظ أو نستثمر به أموالنا، ويراه البعض كمكان عمل ووظيفة يحلم بها، وهناك أيضًا من يرى البنك متمثلًا في خدمات يوفرها له عبر الإنترنت وغيرها. فبالنسبة للبشر بعض البنوك جيدة والبعض لا، فكلٌ منا لديه نظرته الخاصة عن البنك بمفهومه وبيئته، ولكن هل يوجد بنك قد يحبه ويتفق عليه الجميع؟ 

قبل الإجابة، لنتعرف أولًا على معنى وأصل كلمة بنك. هي كلمة كانت قديمًا تُعني “المنضدة” أو “المصطبة”، واشتقت من كلمة “بنك” الإنجليزية، ومن كلمة “بانكو” الفرنسية، ومن كلمة “بانكا” الإيطالية. أما أصل الكلمة فيعود إلى كلمة “بنك” الألمانية، وتقول المصادر إن كلمة بنك كانت تطلق على مكان بيع النقود، واُستخدمت أول مرة في مدينة فلورنسا بإيطاليا، حيث كان التجار الألمان يُطلقون كلمة بنك على المنضدة التي كانت تُستخدم في سوق فلورنسا لتبادل وبيع العملات. 

حسنًا، لنعود لإجابة السؤال السابق، هل يوجد بنك قد يتفق الجميع على خدماته؟ وأنها مهمة، بل ولا تقدر بثمن؟ الإجابة هي نعم! ومثل هذه البنوك توجد الآن بالعالم، بل وأصبحت أكثر انتشارًا، ولكنها تنتشر تحت اسم مختلف وهو (بنك البذور). 

بنك البذور

هو نوع من أنواع البنوك الجينية التي تهدف للحفاظ على المواد الجينية للنباتات أو الأنسجة أو الكائنات الحية عامةً، وذلك بهدف حماية ذلك النوع من الكائنات أو السلالات الحية في حالة حدوث أزمات أو كوارث عالمية قد يتعرض لها الجنس البشري في أي وقت. وحديثنا اليوم عن أحد تلك البنوك، وهو بنك سفالبارد للبذور بالنرويج، أو كما يطلق عليه البعض قبو بذور يوم القيامة ( Doomsday seed vault). ويُعد كأحد أكبر بنوك البذور حول العالم، وسوف نتعرف عليه أكثر من خلال هذا المقال، وعن أكثر ما يميزه. 

بنك سفالبارد للبذور

يقع بنك البذور بسفالبارد في جزيرة سبيتسبيرغين، وهي أحد أكبر جزر أرخبيل سفالبارد بالنرويج (الأرخبيل “Archipelago” هو أحد أشكال سطح الأرض والذي يرمز لأي مجموعة متقاربة ومتجاورة من الجزر) والذي يقع في المحيط المتجمد الشمالي. وقد تم اختيار ذلك الموقع نظرًا لوقوعه على ارتفاع 130 متر فوق سطح البحر؛ مما يجعله بعيدًا عن الدمار في حالة حدوث أي انهيار ثلجي، وأيضًا لافتقاره للحركات التكتونية والتي قد تتسبب بانهيار وتشقق اليابسة في أي وقت، كما أن ظروف الطقس به مناسبة، حيث يحلّ البرد والثلج في معظم الأوقات من السنة مما يساعد في الحفاظ على البذور وحمايتها.

ترجع فكرة بنك البذور إلى ثمانينيات القرن الماضي كفكرة مقترحة من أجل الحفاظ على التنوع الجيني لبذور المحاصيل الزراعية. تم البدء في بناؤه في شهر يونيو من عام 2006، ليتم افتتاحه في فبراير 2008 كأحد أكبر البنوك الخاصة بالمحاصيل الزراعية وحماية البذور في العالم، ضمن إجراء احترازي لتأمين هذه المحاصيل للأجيال المقبلة، وحماية البذور والحفاظ على التنوع الجيني للمحاصيل في حالة حدوث أزمات أو صراعات عالمية كالحرب النووية والإشعاعات الضارة.. إلخ. كانت الحكومة النرويجية هي الممول الرئيسي لبناء البنك، حيث بلغت تكلفته أكثر من 9 ملايين دولار أمريكي تقريبًا. 

تم الإنتهاء من بناء بنك البذور ليصبح مخزن شامل به أكثر من 4.5 مليون نوع من مختلف السلالات لبذور المحاصيل الزراعية مثل الذرة والقمح.. إلخ.

بلغ عدد الدول المشاركة في بنك البذور أكثر من 100 دولة حول العالم، منها الولايات المتحدة، إنجلترا، أستراليا، الصين، الأردن، سوريا وحتى كوريا الشمالية! فبعيدًا عن المشاكل والقضايا السياسية، أخيرًا تم الاتفاق على بنك واحد يجمع البشرية كلها في ذلك المبنى الضخم، وكأنها تدرك أنه بالرغم من الصراعات الخارجية والداخلية لا بد أن يتعاونوا على شيء واحد وهو حماية الجنس البشري. 

كانت سوريا هي أول مستخدم لبنك البذور بالنرويج، الذي فتح أبوابه أول مرة في سبتمبر 2015. فبعد حرب سوريا، طلب المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة من البنك بذورًا للقمح من سلالات تستطيع تحمل الحرارة والجفاف، ليتم زراعتها بالمغرب ودول شمال أفريقيا، عوضًا عن الكميات التي تم فقدها في الحرب بسوريا.

بنوك البذور حول العالم

بلغ عدد بنوك البذور المشابهة لبنك النرويج اليوم أكثر من 1000 بنك حول العالم، فقد أدركت جميع الدول أنه لا بد من توفير طريقة للحفاظ على أساسيات الحياة بطريقة ما أو بأخرى في حالة حدوث كوارث طبيعية أو أزمات عالمية. ومن هذه البنوك: 

 1. معهد فافيلوف للصناعة النباتية: ويُعد أقدم بنك في العالم خاص للبذور الزارعية، تأسس في عام 1894، في بداية القرن الحادي والعشرين، ويُشكِّل بنكًا للبذور الغنية يضم مئات الآلاف من الأصناف النباتية بعضها فريدة من نوعها في العالم.

2. مشروع بنك بذور الألفية Millennium Seed Bank: وهو أكبر بنك للبذور في العالم، يقع في المملكة المتحدة. تم بناؤه تحت الأرض وصُمم ليكون مقاوم للإشعاع والقنابل والفيضانات من أجل حماية البذور، والتي يتم تخزينها عند درجة حرارة – 20 درجة مئوية، وذلك باستخدام المعايير الدولية. من أشهر مميزاته هو القدرة على إيواء 75 في المائة من البذور القابلة للتخزين في العالم، وهو حاليًا موطن لأكثر من 2.3 مليار بذرة، تمثل أكثر من 40000 نوع مختلف.

أكثر من مجرد بنك!

قد يسأل البعض هل فعلًا تستحق فكرة بنك البذور حول العالم كل هذا الاهتمام والأموال؟ في نظري نعم، فقد شاهدنا بأم أعيننا المشاكل والكوارث الطبيعية التي نمر بها، والتي هي في ازدياد دائم عن الأعوام السابقة، نظرًا للعديد من القضايا البيئية -والتي يسببها الإنسان في معظم الوقت- كالتغير المناخي والاحتباس الحراري. حتمًا عند حدوث أحد الكوارث الطبيعية أو في حالة اندلاع حرب عالمية أو تسرب إشعاعي كما حدث في الماضي سنحتاج إلى مثل هذه البنوك فورًا عوضًا عن البنوك الرسمية والتجارية الأخرى. فما أهمية النقود بدون وجود بضائع وأساسيات الحياة لشرائها؟ 

يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو التعريفي لبنك البذور في سفالبارد بالنرويج

https://www.youtube.com/watch?v=B95Pem9XW7k

المصادر 1 2 3 4

كتابة: محمود علام

تحرير: إسراء وصفي

تصميم: امنية عبدالفتاح

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى