أيها السادة كان من الشرف لي سرقتكم!
إن استطعت أن تدرك من قائلها وتمكنت أيضا من أن تتذكر المشهد بأكمله فأنت من ضمن الثلاثين مليون شخص الذين شاهدوا وأعجبوا بالممثل (بيدرو الونسو) ولكن أغلبهم يعرفه باسم (برلين) في مسلسله الاخير، والأن دعنا من هذا المسلسل وتعال معي إلى سنة 1973 في دولة السويد وبالتحديد في مدينة (ستوكهولم) حيث وقعت عملية سرقة لبنك مشابهة لتلك التي حدثت في المسلسل، حيث أثناء عملية السرقة قام المجرمون باحتجاز عدداً من موظفي البنك كرهائن لمدة تقريبا ستة أيام وخلال هذه المدة أصبح الرهائن متعلقين عاطفياً بالخاطفين وأثناء فترة التفاوض مع السلطات كانوا رافضين مساعدة المسئولين بل وعندما استطاعت السلطات أن تفرج عن الرهائن وتلقى القبض على السارقين قام أحد الرهائن بفتح صندوق يجمع فيه المال من أجل توفير المال لمحامي الخاطفين!
الأمر الذى حير المستشار النفسي (نيلز بيجي روحيث) حيث كيف للشخص أن يرتبط عاطفيا بأشخاص يعتدون عليه وبعدها قام أخصائي علم النفس (فرانك اوكبيرغ) بتعريفها كمتلازمة وأطلق عليها(متلازمة ستوكهولم) أو ما تسمى بـ (ظاهرة الآسِر والسجين الكلاسيكية)، يمكن تفسير هذه الظاهرة في ثلاث نقاط تمثل كل منها مرحلة من المراحل التي يمر بها الشخص أثناء تلك التجربة وهي:
-النقطة الأولى (مرحلة آلية التكيف)
خلال هذه المتلازمة يتم فيها ما يسمى (بالحيل النفسية) (Defense Mechanisms) حيث يلعب اللاوعي دورا مهما أثناء تلك المرحلة فيجري حيلة نفسية غير واعية تسمى (Identification with the aggressor) أو (التعاطف مع المعتدي) فيضخم الأسير من كل ما يفعله المعتدي فينجذب الأسير ناحية خاطفه ويشعر بامتنان له لدرجة أنه ربما يشعر أن الخاطف قد منَّ عليه وأسدى له معروفا عظيما فقط بعدم قتله، وتنعدم لديه العديد من المفاهيم منها ماهية الخير والشر ولذلك ليس من المستغرب بأن يقوم المُخْتَطَف بمنع أي محاولة مساعدة له في ذلك الوقت أو أن يدافع عن خاطفه حتى ان كان على حساب أذية نفسه كما حدث في حادثة البنك الآنف ذكرها.
وقد وجدت أدلة علمية أخرى تؤكد الادلة السابقة حيث اكتشف بعض العلماء بأن هذه العملية ليست مقتصرة فقط على البشر ولكن في بعض الثدييات أيضا مثل الشمبانزي نتيجة سوء المعاملة والأثر الناتج عنه في تلك الحيوانات.
-النقطة الثانية (غريزة البقاء)
إن أهم شيء يبتغيه الإنسان أثناء اختطافه هو أن يعيش لذلك تعد غريزة البقاء واحدة من العوامل التي تساعد على خلق مشاعر بين السجين وآسره حيث تكون الرغبة ف النجاة أهم من الأنا الداخلية فلا يجد المُخْتَطَف حرجا من أن يهين نفسه فقط من أجل ضمان أن يعيش، وتزداد تلك الغريزة حدة عندما يقوم الأسر بأذية سجينه جسديا فيمر المُخْتَطَف بحالة من الاستسلام أشبه ما تكون بوهب النفس والجسد لخاطفه.
-النقطة الثالثة (ما بعد التجربة)
يقوم العقل اللاوعي بذلك من منطلق غريزة البقاء بداخل المرء حيث لا يرغب المُخْتَطَف في هذه اللحظة سوى الحياة، وبعد أن تنتهى هذه التجربة الشاقة يدخل الشخص الذي مر بها بحيلة نفسية أخرى من حيل اللاوعي تسمى (الإنكار) (Denial) وفيها لا يتذكر الشخص أنه مر بتلك التجربة من حبه لخاطفه ويشعر بأن كل هذا أشبه بحلم قد راوده في منامه, ولكن من الجدير بالذكر بأن هذا لا يبعده عن الواقع حيث تنتابه حالة معقدة من التردد بين الإعجاب بالخاطف أو كرهه لدرجة البغض، ويقوم بإلقاء كل اللوم أما على نفسه أو على من ساعده بل قد يصل به الحد الى مساعدة خاطفه الذي تم القبض عليه وقد حدث هذا في حادثة البنك السابق ذكرها.
على الرغم بأن مصدر تلك الظاهرة نابع من الشخص إلا أنه قد وجد أن هناك عوامل خارجية تؤثر ع المرء فتدفع عقله لممارسة تلك الحيل النفسية منها علاقة الشخص بسلطته أو حكومته غير سوية، أو يكون قد تعرض لظلم وقهر من قبل سلطاته . وأما عن علاج هذه الظاهرة فهي المعالجة السلوكية ومحاولة تغيير الصورة التي ترسخت بعقل السجين عن مختطفيه وهى بالطبع عملية شاقة تطلب الكثير من الجهد والوقت.
وقد تكررت تلك الظاهرة في ظروف أخرى ولمختلف الأعمار والأجناس ومنها مثلا حادثة اختطاف الممثلة (باتريسيا هيرست) حفيدة (ويليام راندولف هارست) صاحب أكبر سلسلة صحفية في الولايات المتحدة آنذاك حيث تم اختطاف حفيدته من قبل إحدى حركات اليسار المتطرف تدعى (جيش التحرير التكافلي) وقاموا بالإفراج عنها بعد أكثر من 19 شهرا. اللافت للنظر هنا أن باتريسيا قامت بالانضمام إلى تلك الحركة وساعدتها في عملية من عمليات السرقة وكان ذلك بمحض إرادتها عندما تمت محاكمتها وتم القبض عليها وسجنها الى أن حصلت على عفو رئاسي من الرئيس كارتر.
إن العقل البشري في الحالات الصعبة يعمل جاهدا لتنفيذ رغبته الأعظم وهى البقاء فيسعى جاهدا ليظل هذا الجسد الذى يسكنه حيا، وحيلة تعد واحدة من أغرب الحيل معقدة التفسير ولذلك لا تتعجب عندما تقرأ عن حادثة اختطاف الطفل (شون هورنبيك) والذى كان بعمر ينهاز11 عام والذى كان بإمكانه الهرب عدة مرات لكنه ابى وفضل أن يظل مع مختطفيه! ولا تندهش لو سمعت عن حادثة اختطاف الطفلة (اليزابيث سمارت) ذات ال14عام والأهم من ذلك كله هو أن تحاول فقط ألا تعتريك الدهشة وأنت تشاهد ذلك المسلسل مرة أخرى عندما ترى إحدى السجينات تهيم حبا صدقا بخاطفها!
– هذا المقال في إطار مسابقة الجرعة اليومية من العلوم
كتابة: مصطفى طنطاوي