الطب

الفصام | فقدان التواصل بالواقع

هل شاهدت فيلم “آسف على الإزعاج”؟ فبطل الفيلم (المهندس حسن) الذي غاص في الفصام، وتحولت حياته إلى هلاوس وأوهام، وتخيلات لأشخاص وأحداث غير حقيقية، يعيش ذلك لحظة بلحظة خلال الفيلم. هذا هو مرض الفصام أو الانفصال عن الواقع، وهو حديث مقالنا اليوم، فلندخل سويًا إلى دهاليز هذا الاضطراب.

ما هو الفصام (schizophrenia)؟

هو اضطراب عقلي ينفصل فيه المريض عن الواقع بشكل غير طبيعي، وقد يؤدي الفصام إلى مزيج من الهلوسة والأوهام والسلوك المضطرب الذي يُضعف الأداء اليومي ويُعرقله.
يحتاج المصابون بالفصام إلى علاج مدى الحياة، وقد يساعد العلاج المبكر في السيطرة على الأعراض قبل ظهور المضاعفات الخطيرة، وقد يساعد أيضًا في تحسين التوقعات على المدى الطويل.

أعراض الفصام

ينطوي الفصام على مجموعة من المشاكل المتعلقة بالتفكير، الإدراك، السلوك، والعواطف. قد تختلف الأعراض، ولكنها عادةً ما تتضمن الأوهام، الهلوسة، والكلام غير المنتظم. وإليك تفصيلها:

1- أوهام:

يعتقد المريض -على سبيل المثال- أنه يتعرض للأذى أو المضايقة، إذ يوجه إليه الناس بعض الإيماءات أو التعليقات، أو أن لديه شهرة أو قدرة استثنائية، أو أن شخصًا آخر وقع في حبه، أو كارثة كبرى على وشك الحدوث له.

2- هلوسة:

تتضمن عادة رؤية أو سماع أشياء غير موجودة، ويمكن أن تكون الهلوسة في أي من الحواس، ولكن سماع الأصوات هو أكثر أنواع الهلوسة شيوعًا.

3- تفكير مشوش:

يُستدَل على التفكير المشوش من الكلام غير المنظم، ويمكن أن يضعف التواصل الفعال مع الآخرين، وقد تكون الإجابات على الأسئلة غير مرتبطة جزئيًا أو كليًا.

4- سلوك حركي غير منظَّم أو غير طبيعي:

قد يظهر هذا بعدة طُرُق على هيئة سخافات طفولية أو إثارة غير متوقعة. ولا يرتكز السلوك على الهدف، لذلك من الصعب القيام بالمهام. يمكن أن يشمل ذلك السلوك المقاومة للتعليمات، أو الافتقار التام للاستجابة، أو الحركة المفرِطة وغير المجدية.

5- أعراض سلبية:

قد يتجاهل الشخص النظافة الشخصية، أو يبدو أنه يفتقر إلى العاطفة (لا يقوم بالاتصال بالعين، لا يُغيِّر تعبيرات الوجه، أو يتحدث بنبرة رتيبة). قد يفقد الشخص أيضًا الاهتمام بالأنشطة اليومية، أو ينسحب اجتماعيًا.

يُمكن أن تختلف الأعراض من حيث النوع والشدة بمرور الوقت، وقد تتفاقم في فترات وتتراجع مرة أخرى، وقد تكون بعض الأعراض موجودة دائمًا.

تبدأ أعراض الفصام عند الرجال عادة في أوائل العشرينات من العمر، وعند النساء في أواخر العشرينات. من غير المألوف أن يُشخَّص مرض الفصام عند الأطفال، ونادرًا ما يحدث ذلك بالنسبة لمَنْ هم أكبر من 45 عامًا.

ما هي العوامل المسببة للفصام؟

بالرغم من أن السبب الدقيق لمرض الفصام غير معروف، ولكن هناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة به أو تحفزه، بما في ذلك:
1- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالفصام.
2- بعض مضاعفات الحمل والولادة، مثل سوء التغذية، أو التعرض للسموم أو الفيروسات التي قد تؤثر في نمو الدماغ.
3- تعاطي العقاقير التي تؤثر في الصحة العقلية (الأدوية ذات التأثير النفسي أو المؤثرات العقلية) خلال سنوات المراهقة والشباب، مثل الماريجوانا أو الميثامفيتامين.

مضاعفات الفصام

يمكن أن يؤدي الفصام -إذا تُرِك دون علاج- إلى مشاكل خطيرة تؤثر في كل مجال من مجالات الحياة. تشتمل المضاعفات التي قد يسببها على:
1- محاولات الانتحار والأفكار الانتحارية.
2- اضطرابات القلق والوسواس القهري (OCD).
3- الاكتئاب.
4- تعاطي الكحول أو المخدرات، بما في ذلك النيكوتين.
5- فقدان القدرة على العمل.
6- المشاكل المالية والتشرد.
7- العزل الاجتماعي.
8- المشاكل الصحية والطبية.
9- السلوك العدواني، إلا أنه غير شائع.

كيف يُمكن مساعدة شخص مُصاب بالفصام؟

إذا كنت تعتقد أن شخصًا ما تعرفه قد يعاني أعراض الفصام، تحدَّث معه -أو معها- بشأن مخاوفك. على الرغم من أنه لا يمكنك إجبار شخص ما على طلب المساعدة النفسية، إلا أنه يمكنك تقديم التشجيع والدعم، ومساعدة مَنْ تحب في العثور على طبيب مختص في الصحة العقلية.
قد يحتاج بعض الأفراد لدخول المستشفى -في بعض الحالات- إذا كانوا يُشكِّلون خطرًا على حياتهم أو حياة الآخرين. يمكنك الاتصال بوكالات الصحة النفسية المجتمعية أو أقسام الشرطة، وذلك للحصول على الدعم المطلوب، ومعرفة كيفية التصرف في هذه المواقف.

الوقاية من الفصام

لا توجَد طريقة مؤكَّدة للوقاية من مرض الفصام، ولكن الالتزام بخطة العلاج يمكن أن يساعد في منع الانتكاسات أو تفاقم الأعراض. بالإضافة لذلك، يسعى الباحثون لمعرفة المزيد عن عوامل الخطر لهذا المرض، مما قد يساعد في التشخيص والعلاج المبكر.

الفصام مرض قابل للعلاج بالأدوية والدعم النفسي الاجتماعي الفعال. ومع ذلك، فإن معظم المصابين بالفصام المزمِن يفتقرون إلى العلاج. لا بُدَّ من بذل المزيد من الجهود للتعجيل في تقديم الدعم لهؤلاء الأفراد، ويتحقق ذلك بواسطة:
1- تدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية الأولية.
2- تسهيل الوصول إلى الأدوية الأساسية.
3- دعم الأُسَر في تقديم الرعاية المنزلية.
4- تثقيف الجمهور لتقليل وصمة العار والتمييز.
5- تعزيز مهارات العيش المستقل، وذلك من خلال التدخلات النفسية والاجتماعية الموجَّهة نحو التعافي (مثل التدريب على المهارات الحياتية والمهارات الاجتماعية) للأشخاص المصابين بالفصام وأُسَرهم.

الخطة العلاجية

تشتمل الخطة العلاجية على عدة محاور، وهي:

1- الأدوية:

هي حجر الزاوية في علاج مرض الفصام. والأدوية المضادة للذهان (anti psychotics) هي الأدوية الأكثر شيوعًا، إذ إنها تتحكم في الأعراض من خلال التأثير في الدوبامين، الناقل العصبي في الدماغ.

الهدف من العلاج بالأدوية المضادة للذهان هو التحكم الفعال في الأعراض بأقل جرعة ممكِنة. قد يجرب الطبيب النفسي عقاقير مختلفة -أو جرعات مختلفة- بمرور الوقت لتحقيق النتيجة المرجوة، وقد تساعد الأدوية الأخرى أيضًا، مثل مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق.

2- العلاجات النفسية:

التدخلات النفسية والاجتماعية ضرورية بالإضافة إلى الأدوية. وقد تشمل:

أ- العلاج الفردي: قد يساعد العلاج النفسي في كيفية التعامل مع الإجهاد، والتعرُّف على علامات الإنذار المبكر للانتكاس، وهذا من شأنه مساعدة الأشخاص المصابين بالفصام في إدارة مرضهم.
ب- المهارات الاجتماعية: ترتكز على تحسين التواصل والتفاعل الاجتماعي، وتحسين القدرة على المشاركة في الأنشطة اليومية.
ج- العلاج الأسري: يوفر هذا الدعم والتعليم للأُسَر التي تتعامل مع مريض الفصام.
د- التأهيل المهني والعمالة المدعومة: يساعد مصابي الفصام على الاستعداد للوظائف، والعثور عليها، والاحتفاظ بها.

3- العلاج في المستشفيات:

خلال فترات الانتكاسات، أو أوقات الأعراض الشديدة، قد يكون العلاج في المستشفى ضروريًا لضمان: السلامة، التغذية السليمة، النوم الكافي، والنظافة الأساسية.

4- العلاج بالصدمات الكهربائية:

يُمكن التفكير في العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) بالنسبة للبالغين المصابين بالفصام الذين لا يستجيبون للعلاج بالعقاقير، وقد يكون العلاج بالصدمات الكهربائية مفيدًا لمَنْ يعاني الاكتئاب أيضًا.

ختامًا، يحتاج معظم المصابين بالفصام إلى الدعم المعيشي اليومي، مع الدعم المستمر والعلاج المناسب الذي يضمن لمعظم المصابين التحكم في مرضهم، وعيش حياة طبيعية مرة أخرى.

المصادر: 1، 2، 3، 4

كتابة: مي علي

مراجعة: آية المعتز

تحرير: زياد محمد

اظهر المزيد

مي علي أبو زيد

صيدلانية وكاتبة محتوى طبي، نويت أن أقضي الشطر القادم من عمري في تقديم المعلومة الطبية بطريقة سلسة ومبسطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى