ما هو الألم الرجيع أو البعيد؟
هل شعرت يومًا بألم في جانبي جسدك عند تهيُّج قولونك؟ هل أصابك ألم في ظهرك بينما كنت تعاني من مشكلة في معدتك؟
أماكن في جسدك تشعر بالألم، وتختلف تمامًا عن موضع المشكلة ذاتها! هذا الألم يسمى: الألم الرجيع، أو الألم البعيد (referred pain)، قد يبدو لك الاسم مألوفًا قليلًا؛ لكنك لم تتعمق فيه، فالأمر يستحق البحث والتفكير مليًا.
تابع معي هذا المقال، لنتعرف أكثر عن ماهيته، وكيفية نشأته، وما يجب عليك فعله إذا تعرضت له.
كيف تنتقل الإشارات العصبية إلى المخ؟
قبل البداية بالحديث عن الألم الرجيع، سنتعرف سويًا على كيفية الشعور بالألم، وكيفية وصول ردود أفعالنا إلى أطراف أجسادنا إذا تعرضنا لصدمة خارجية.
فهذا سيفسر لنا الكثير والكثير..
يتكون جهازنا العصبي من ملايين الخلايا العصبية المتفرعة والمتشابكة في جميع أجزاء الجسم، ويوجد أيضًا على سطح الجلد مستقبلات حسية خاصة، مثل المستقبلات الخاصة بالحرارة، والضوء، والضغط، والاهتزاز، وغيرها.
عندما تتعرض المستقبلات الحسية لمؤثر خارجي، ترسل إشارات عصبية من خلية عصبية لأخرى، حتى تصل إلى الجهاز العصبي المركزي (المخ والنخاع الشوكي)؛ حيث يحلل هذه المؤثرات، ويحدد موقع الألم، وشدته، ونوعه، ثم يرسل الاستجابة المناسبة.
هذه هي طريقة ترجمة الألم الذي نشعر به في أجزاء جسدنا المختلفة. يستطيع المخ في معظم الأحيان تفسير المؤثرات الخارجية بشكل صحيح، ولكن قد يخطئ في بعض الأوقات، مما ينتج عنه الألم الرجيع.
نبذة عن الألم الرجيع (البعيد)
عادة عندما تشعر بألم في كتفك، تكمن المشكلة في عضلات الكتف، أو في الأوتار حول منطقة الكتف. لكن ما لن تتوقعه هو أن يكون الألم نابع من القلب، أو من المعدة، فهذا هو الألم البعيد: الشعور بالألم في منطقة من الجسد غير المنطقة التي تعاني من مرض أو مشكلة ما.
كيف ينشأ الألم الرجيع؟
ما زال السؤال يتطرق إلى الأذهان، ما علاقة الكتف بالمعدة أو الأسنان بالقلب؟! ولماذا سُمي بالألم البعيد؟ بعيد عن ماذا؟ الإجابة في السطور القادمة..
تتلخص الإجابة في الجهاز العصبي والأعصاب؛ فالخلايا العصبية في جسدك متصلة ببعضها البعض كالشبكة.
تُنقَل المعلومات حول اللمس وتَلَف الأنسجة بواسطة ألياف عصبية حسية معينة، ولها مستقبلاتها الحسية في الأطراف (مثل العضلات، والجلد، والمفاصل، ولب الأسنان).
مجموعة منها متخصصة بنقل معلومات حول اللمس، ومجموعة أخرى تنقل معلومات حول تَلَف الأنسجة أو التنبيه الضار، وتسمى الألياف العصبية المتخصصة بنقل معلومات حول تَلَف الأنسجة؛ بالألياف العصبية (مسْتَقْبِلَةُ الأَذِيَّة).
ينقل كل منهما الإشارات العصبية إلى جذع الدماغ، لتصب في العصبون الثانوي للعقدة النووية في (العَصَبُ الثُّلاثِيُّ التَّوائِم).
بمجرد وصول الإشارات العصبية لجذع الدماغ يحدث أمران مهمان:
١- يمكن أن تنتهي العديد من الألياف العصبية (مسْتَقْبِلَةُ الأَذِيَّة) من منطقة الفم والوجه، على نفس المجموعة من العصبون الثانوي. على سبيل المثال، يمكن أن تتلاقى الألياف العصبية (مسْتَقْبِلَةُ الأَذِيَّة) من عضلات الفك، ولب الأسنان، والجلد، في نفس العصبون الثانوي.
٢- يمكن للأعصاب الحسية (مسْتَقْبِلَةُ الأَذِيَّة)، والأخرى (غير المستقبلة للألم) مثل اللمس والضغط، أن تتلاقى مع نفس العصبون الثانوي.
هذا التلاقي أو التقارب هو أحد الظواهر العصبية المهمة؛ والتي تلعب دورًا حاسمًا في تفسير الألم البعيد. لذا؛ قد يحدث خطأ أثناء انتقال هذه الإشارات، وتصل إلى مكان آخر بخلاف موضع الألم -من هنا جاءت التسمية-، فهو ألم بعيد عن مكان حدوث الصدمة، أو مصدر الألم.
ما هي مناطق الجسد الأكثر تعرضًا للألم الرجيع؟
1- الأسنان والفكان: قد تشير إلى أعراض أولية لنوبة قلبية.
2- الكتفان والرقبة: قد تكون إشارة إلى تكيس في الكبد أو نوبة قلبية أو إصابة في الطحال.
3- جانبي أسفل البطن: وتشعر به النساء -غالبًا- نتيجة لمشكلة في المبايض.
4- الجانب العلوي والسفلي من الحوض: قد تشير إلى مشكلة في المثانة.
5- الجزء العلوي من الظهر: قد يشير إلى مشاكل في المعدة.
6- الجزء السفلي من الظهر وجوانب الجسد: قد تكون دلالة على مشاكل في القولون أو الكليتين.
كيفية تشخيص الألم الرجيع
عادةً ما يخدر الطبيب المنطقة التي بها الألم، فإذا كان المريض ما زال يشعر بالألم بالرغم من تخدير هذه المنطقة؛ فهذا يعني أنه ألم رجيع، حيث يبدأ الطبيب بالبحث عن المسبب الرئيسي لهذا الألم. لكن إذا زال الألم مع التخدير، فهذا يستثني كونه ألم رجيع.
الخطة العلاجية
يجب علاج المشكلة الرئيسية المسببة للألم الرجيع، فتسكين الألم دون علاج السبب قد يكون قاتل صامت لصاحبه، مثل حالات النوبات القلبية. ينبغي لك استشارة الطبيب المختص إذا شعرت بألم غير مبرر في الأماكن السابق ذكرها، بصورة متكررة.
يحدد الطبيب المختص الفحوصات اللازمة، ويصف الدواء المناسب لحالتك، ولكن تذكر دائمًا أن الألم البعيد قد ينقذ حياتك، إذا تحركت بخطى سريعة وقت شعورك به، واستشرت طبيبك فورًا.
العلاجات المنزلية
يمكنك أيضًا القيام ببعض العلاجات المنزلية التي تخفف من حدة الألم الرجيع، وتضيف بعضًا من الراحة والسكينة إليك:
1- كاستخدام كمادات دافئة على العضلات في أماكن الألم؛ لتخفيف حدة الانقباضات.
2- الاسترخاء وعدم القيام بمجهود عضلي يزيد من إرهاق العضلات.
3- أيضًا الاستحمام بالماء الدافئ والملح الإنجليزي (ملح إبسوم)؛ لإزالة تشنج العضلات.
في النهاية، عندما يستدعيك جسدك في أي وقت يجب عليك أن تلبي النداء، فهذا يجنبك الوقوع في مخاطر صحية أكبر، قد تؤثر سلبًا على مجريات حياتك.
كتابة: مي أبو زيد
مراجعة: رباب جبل
تدقيق لغوي: زينب علاء الدين