ما هو الذهان؟
تستخدم كلمة الذهان لوصف الحالات التي يتأثر بها العقل، ويفقد الشخص اتصاله بواقعه، إما باستبداله بواقع آخر مُتخيل، أو يصعب عليه تفرقة الخيال من الواقع فيستحيلان واحدًا، عندما يمر شخص بهذه الحالات يطلق عليها نوبات ذهانية.
خلال فترة الذهان، تستثار أفكار الشخص وتصوراته، ويواجه الفرد صعوبة في فهم ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، وتشمل أعراض الذهان الأوهام والهلوسة و الكلام غير المترابط.
قد يعاني الشخص المصاب بنوبة ذهانية أيضًا من الاكتئاب والقلق، ومشاكل النوم، والانسحاب الاجتماعي،، ونقص الحافز، وصعوبة الأداء بشكل عام.
الذهان عَرَض وليس مرضًا، وهو أكثر شيوعًا مما قد تظن، ففي الولايات المتحدة يعاني ما يقرب من 100،000 شاب من الذهان كل عام.
وحوالي 3 من كل 100 شخص سيواجهون نوبة ذهانية في مرحلة ما من حياتهم.
ما هي العلاقة بين الذهان والفصام؟
إن الفصام (Schizophrenia) مرض عقلي يتميز بوجود النوبات الذهانية بجانب أعراض أخرى، يجب أن يعاني الفرد من أعراض ذهانية لمدة ستة أشهر على الأقل حتى يتم تشخيصه بالفصام، ومع ذلك، قد يعاني الشخص من الذهان ولا يتم تشخيصه مطلقًا بالفصام أو أي حالة صحية عقلية أخرى.
أيضًا الفصام يمكن أن يكون له أعراض سلبية Negative Symptoms، أي حدوث الأعراض الأخرى دون الذهان تتمثل في: وجوه غير معبرة، نظرات فارغة، كلام رتيب وأحادي المقطع، القليل من الإيماءات، فقد الاهتمام بالعالم والأشخاص الآخرين، عدم القدرة على الشعور بالمتعة أو التصرف بشكل عفوي.
في حين أن الذهان يثير الانتباه والحاجة لإيجاد علاج، فإنه لا يمكن علاجه بفعالية باستخدام الأدوية المضادة للذهان.
لكن الأعراض السلبية هي السبب الرئيسي الذي يجعل مرضى الفصام لا يستطيعون العيش بشكل مستقل، وشغل الوظائف، وإقامة علاقات شخصية، وإدارة المواقف الاجتماعية اليومية.
يشير الذهان المبكر أو النوبة الأولى First Episode Psychosis
(FEP) إلى ظهور علامات بدء فقدان الاتصال بالواقع على الشخص لأول مرة. ويجب التصرف بسرعة لربط الشخص بالعلاج المناسب أثناء الذهان المبكر أو FEP حيث أن ذلك قد يغير حياته ويغير مستقبل ذلك الشخص بشكل جذري
الأعراض الرئيسية للذهان هي
1- الهلوسة
حيث يسمع الشخص، ويرى، وفي بعض الحالات يشعر، أو يشم، أو يتذوق أشياء لا توجد خارج عقله، ولكن يمكن أن يشعر بها الشخص المتأثر بها؛ الهلوسة الشائعة هي سماع الأصوات عادة.
2- الأوهام
حيث يكون لدى الشخص معتقدات قوية لا يشاركها الآخرون. قد يعتقد الشخص المصاب بأوهام الاضطهاد أن فردًا أو منظمة تضع خططًا لإيذائهم أو قتلهم، أو أوهام كبيرة مثل أن لديه القوة أو السلطة، على سبيل المثال، قد يعتقدون أنهم رئيس دولة أو لديهم القدرة على إعادة الناس من الموت، وأكثر الأوهام شيوعًا هو اعتقاد شخص بوجود مؤامرة لإيذائه.
يمكن أن يؤدي الجمع بين الهلوسة والتفكير الوهمي إلى ضائقة شديدة، وتغير ملحوظ في السلوك من قبل الأهل والمحيطين به.
3- أفكار مشوشة ومضطربة
يعاني الأشخاص المصابون بالذهان أحيانًا من أنماط تفكير مضطربة ومشوشة، وتشمل علامات هذا: الكلام السريع والمستمر، الكلام المضطرب، قد ينتقلون من موضوع إلى آخر في منتصف الجملة، أيضًا فقدان مفاجئ في سلسلة أفكارهم، مما يؤدي إلى توقف مفاجئ في المحادثة أو النشاط.
علامات الإنذار المبكر قبل الذهان
نادرًا ما يأتي الذهان المبكر أو FEP فجأة، فعادة يسبقها تغيرات تدريجية وغير محددة في أفكار وتصورات الشخص لكنه لا يفهم ما يحدث.
قد يكون من الصعب تمييز علامات الإنذار المبكر عن السلوك المعتاد للمراهقين أو الشباب، مثل هذه العلامات لا ينبغي أن تكون مدعاة للقلق، إلا أنها قد تشير إلى الحاجة إلى الحصول على تقييم من الطبيب.
يظل استعداد الشخص لقبول المساعدة معقدًا بسبب الأوهام والمخاوف ووصمة العار والشعور بعدم الاستقرار، لذا؛ من المهم تشجيع الناس على طلب المساعدة للذهان المبكر خاصة العائلة؛ فغالبًا ما تكون العائلات هي أول من يرى العلامات المبكرة للذهان وأول من يفكر بمسألة البحث عن العلاج.
من المهم الحصول على المساعدة بسرعة، لأن العلاج المبكر يوفر أفضل أمل للشفاء عن طريق إبطاء آثار الذهان ووقفها وربما عكسها.
تشمل علامات الإنذار المبكر ما يلي:
1- انخفاض مقلق في الدرجات أو الأداء الوظيفي.
2- صعوبة في التفكير بوضوح أو التركيز.
3- الشك وعدم الارتياح مع الآخرين.
4- انخفاض في الرعاية الذاتية أو النظافة الشخصية.
5- قضاء الكثير من الوقت وحده أكثر من المعتاد.
6- المشاعر القوية وغير اللائقة، أو عدم وجود مشاعر على الإطلاق.
علامات نوبة الذهان الأولى أو المبكرة
قد يكون تحديد موعد بدء النوبة الأولى من الذهان أمرًا صعبًا، ولكن هذه العلامات والأعراض تشير بقوة إلى حدوث نوبة ذهان:
1- سماع، أو رؤية، أو تذوق، أو تصديق أشياء لا يفعلها الآخرون.
2- الأفكار أو المعتقدات المستمرة وغير العادية التي لا يمكن إهمالها، بغض النظر عما يعتقده الآخرون.
3- المشاعر القوية وغير المناسبة، أو انعدام المشاعر على الإطلاق.
4- الانسحاب من العائلة أو الأصدقاء.
5- انخفاض مفاجئ في الرعاية الذاتية.
6- صعوبة في التفكير بوضوح أو التركيز.
غالبًا ما تشير مثل هذه العلامات التحذيرية إلى تدهور صحة الشخص، ويمكن أن يساعد التقييم البدني والعصبي في اكتشاف المشكلة من قبل أخصائي الصحة العقلية الذي يقوم بإجراء تقييم نفسي؛ لتحديد ما إذا كانت حالة الصحة العقلية متورطة ومناقشة الخطوات التالية.
ذهان ما بعد الولادة
ذهان ما بعد الولادة، والمعروف أيضًا باسم ذهان النفاس، هو شكل حاد من أشكال اكتئاب ما بعد الولادة، وهو نوع من الاكتئاب تعاني منه بعض النساء بعد إنجاب طفل.
يُقدَّر أن الذهان التالي للولادة يصيب حوالي 1 من كل 1000 امرأة.
يحدث بشكل شائع خلال الأسابيع القليلة الأولى بعد ولادة الطفل، وتزداد الاحتمالية إذا كانت الأم مصابة باضطراب كالفصام أو ثنائي القطب.
بالإضافة إلى أعراض الذهان، يمكن أن تشمل أعراض الذهان التالي للولادة أيضًا تغيرات في المزاج، مزاج مرتفع؛ (هوس) كالشعور بالبهجة، والتحدث والتفكير كثيرًا أو بسرعة كبيرة جدًا، أو مزاج منخفض جدًا؛ كالشعور بالحزن ونقص الطاقة وفقدان الشهية وصعوبة النوم، وتعود الأمور لطبيعتها عادة دون أي تدخل دوائي.
يجب عدم الخلط بين مصطلحي “الذهان” و”السيكوباتي”، حيث يعاني الشخص المصاب بالذهان من حالة قصيرة المدى (حادة) يمكن أن تؤدي غالبًا، إذا تم علاجها، إلى الشفاء التام.
أما السيكوباتي هو شخص يعاني من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، مما يعني أنه يفتقر إلى التعاطف والقدرة على فهم ما يشعر به شخص آخر، متلاعب، وعادة ما يتجاهل عواقب أفعاله تمامًا.
يمكن للأشخاص ذوي الشخصية المعادية للمجتمع في بعض الأحيان أن يشكلوا تهديدًا للآخرين؛ لأنهم يمكنهم أن يكونوا عنيفين، على عكس مصابي الذهان؛ فهم خطر على أنفسهم أكثر من غيرهم.
الأسباب والفرضيات
ما زالت أسباب وكيفية حدوث الذهان غير واضحة، وتخضع للكثير من الدراسة والتدقيق، ولكن من المحتمل أن تشارك عدة عوامل، فنحن نعلم أن المراهقين والشباب معرضون بشكل متزايد لخطر التعرض لنوبة من الذهان بسبب التغيرات الهرمونية في دماغهم خلال فترة البلوغ.
كانت النظرية السائدة حتى وقت قريب هي “فرضية الدوبامين”، حيث أجرى العلماء الكثير من الأبحاث حول تأثيرات الذهان على الدماغ وتغيرات الدماغ التي قد تؤدي إلى نوبات ذهانية، وهم يعتقدون أن الناقل العصبي -وهو عامل كيميائي تستخدمه الخلايا العصبية لنقل المعلومات إلى الخلايا العصبية الأخرى أو خلايا العضلات أو الغدد- الدوبامين يلعب دورًا رئيسيًا في ذلك.
ينظم الدوبامين العديد من وظائف الدماغ، حيث تنظم مسارات الدوبامين التحكم الحركي والتحفيز والاهتمام والمكافأة والأنشطة مثل المشي والتحدث.
قد يكون ضعف وظائف الدماغ هذه هو السبب وراء أعراض الذهان.
لكن بعض الدراسات الحديثة تفترض احتمالية تورط ناقل عصبي آخر هام وهو الجلوتامايت Glutamate، وهو الناقل العصبي الرئيسي المثير للجهاز العصبي المركزي.
إحدى هذه الدراسات من مجلة لانسيت للطب النفسي قدمت تحقيقًا رسميًّا بقيادة سمير جوهر Sameer Jauhar وزملائه في العلاقة بين الجلوتامايت الموجود بالقشرة الدماغية، والدوبامين الموجود في الجزء المخطط بالدماغ (جزء من تحت القشرية يمتد حتى الدماغ الأمامي) حيث لوحظ وجود علاقة عكسية بينهما في الأشخاص الذين أصابوا بالنوبة الذهانية لأول مرة، حيث تزامنت زيادة قدرة تكوين الدوبامين بنقص تركيز الجلوتاميت.
عدة عوامل يمكن أن تسهم في الذهان:
1- الجينات.
2- الصدمة: يمكن أن تؤدي الأحداث الصادمة مثل الموت أو الحرب أو الاعتداء الجنسي إلى نوبة ذهانية، ويتوقف ذلك على نوع الصدمة وعمر الشخص.
من المعروف أن الحالات الطبية التالية تؤدي إلى نوبات ذهانية لدى بعض الأشخاص:
– فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز.
– ملاريا.
– مرض الزهري.
– مرض الزهايمر.
– مرض الشلل الرعاش.
– نقص السكر في الدم (انخفاض غير طبيعي في مستوى الجلوكوز في الدم).
– الذئبة.
– تصلب متعدد.
– ورم دماغي.
من الممكن أيضًا أن تعاني من الذهان بعد شرب كميات كبيرة من الكحول، أو إذا كنت تتناول كميات كبيرة من المخدرات، أو إذا توقفت فجأة عن شرب الكحول أو تعاطي المخدرات بعد تناولها لفترة طويلة، فيما يعرف بأعراض الانسحاب.
تشمل الأدوية المعروفة بإثارة نوبات ذهانية ما يلي:
– الكوكايين.
– الأمفيتامين.
– ميثامفيتامين (كريستال ميث).
– ميفيدرون (MCAT أو مواو).
– MDMA (إكستاسي)
– القنب.
– LSD (حمض)
– psilocybins (الفطر السحري)
– الكيتامين.
في حالات نادرة، يمكن أن يحدث الذهان أيضًا كأثر جانبي لبعض أنواع الأدوية أو نتيجة جرعة زائدة من هذا الدواء.
إذا كان السبب مرتبطًا بحالة صحية عقلية، فإن التشخيص والعلاج المبكر يوفران أفضل أمل للشفاء.
تُظهر الأبحاث أنه كلما كان الأشخاص الذين يعانون من الذهان في وقت مبكر يتلقون العلاج، كانت حياتهم على المدى الطويل أفضل.
مضادات الذهان
يُنصح عادةً باستخدام الأدوية المضادة للذهان كأول علاج للذهان حيث إنهم يعملون عن طريق منع تأثير الدوبامين، ومع ذلك، فهي ليست مناسبة أو فعالة للجميع، حيث يمكن أن تؤثر الآثار الجانبية على الأشخاص بشكل مختلف، حيث أنها قد تزيد النوبات لدى مصابي الصرع، ومن الهام مراعاة الحذر ومتابعة الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية.
يمكن أن تقلل مضادات الذهان عادةً من الشعور بالقلق في غضون ساعات قليلة من الاستخدام، ولكنها قد تستغرق عدة أيام أو أسابيع لتقليل الأعراض الذهانية، مثل الهلوسة، أو الأفكار الوهمية.
يمكن تناول مضادات الذهان عن طريق الفم أو عن طريق الحقن، وقد تحتاج فقط إلى حقنة كل 1 إلى 4 أسابيع.
يمكن أن تشمل الآثار الجانبية الأخرى:
– النعاس.
– الارتجاف.
– زيادة الوزن.
– الأرق.
– تشنجات عضلية؛ حيث تقصر عضلاتك بشدة وبشكل مؤلم.
– عدم وضوح الرؤية.
– دوخة.
– إمساك.
– فقدان الدافع الجنسي (الرغبة الجنسية).
– فم جاف.
لا تتوقف أبدًا عن تناول الأدوية الموصوفة لك، إلا إذا نصحك بذلك أخصائي رعاية صحية مؤهل مسؤول عن رعايتك؛ حيث قد يؤدي إيقاف الأدوية الموصوفة فجأة إلى عودة الأعراض (الانتكاس)، فعندما يحين وقت التوقف عن تناول دوائك، فسيتم ذلك تدريجيًا.
مضاعفات الذهان
الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الذهان هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بمشاكل تعاطي المخدرات أو الكحول أو كليهما.
يستخدم بعض الأشخاص هذه المواد كطريقة للتحكم في الأعراض الذهانية، لكن تعاطي المخدرات يمكن أن يجعل الأعراض الذهانية أسوأ، أو يسبب مشاكل أخرى.
أيضًا يتعرض الأشخاص المصابون بالذهان لخطر أكبر من المتوسط لإيذاء النفس والانتحار.
العلاج السلوكي المعرفي
يعتمد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) للذهان على استيعاب المرضى لكيفية فهم الناس والأشخاص المحيطين بهم لأفكارهم وتجاربهم، ولماذا يصاب بعض الناس بالضيق بسببها.
قد يشجعك معالج CBT على التفكير في طرق مختلفة لفهم ما يحدث لك، وذلك من أجل مساعدتك في تحقيق أهداف ذات مغزى ومهمة بالنسبة إليك، مثل تقليل ضغوطك، أو العودة إلى العمل، أو التعليم أو التدريب، أو استعادة الشعور بالسيطرة.
هل يتعافى الناس من الذهان؟
بالتشخيص المبكر، والعلاج المناسب، يمكن التعافي من الذهان، حيث أن كثير من الذين يتلقون العلاج المبكر لا يعانون من نوبة ذهانية أخرى، أما للآخرين، فيصبح لديهم القدرة على عيش حياة مُرضية ومنتجة، حتى لو عادت الأعراض الذهانية في بعض الأحيان.
كتابة: غدي محمد
مراجعة: منة زايد
تحرير: شدوى محمود