علم النفس

حقيقة أم مُجرد رأي؟

كتبت الصحف عن تورُّط شخصٍ ما في مَقتل فنان مشهور، في حين أن هناك أخبار تقول أن الفنان لم يُقتل ولكنه مات منتحرًا، ولسوء الحظ قبل إكمال التحقيقات والبحث تُوفي الشخص المُتّهم، ولم ينتهي الرأي العام ليقين مؤكد حيال هذه القضية فكلها مُجرد تحليلات وظنون وآراء قد يقترب أحدها من الحقيقة أو لا. نحن هنا أمام شبكة مُعقدة ومُتداخلة من المفاهيم والمصطلحات حول فكرة (الحقيقة). فهناك فريق يَدعي أن الفنان انتحر (إذن فالشخص المُتهم بريء)، وهناك فريق يَدعي أنه قُتِل على يد هذا المُتهم (إذن فهو مُدان). وكان من المُمكن أن تكون القضية أكثر بساطةٍ لولا وفاة هذا المُتهم.

وفي حياتنا اليومية ما أكثر الادّعاءات والآراء والتحليلات التي نتلقاها أو نُصدَّرها يوميًا. فحين يتنازع فريقين على حقيقة أمرٍ ما، فإن ما يَدعيه الفريق (أ) مجرد حقيقة مزعومة أو ظن، وما يَدعيه الفريق (ب) هو كذلك أيضًا. أما (الحقيقة) فهي ما حدث بالفعل، هي (الحالة) الواقعة أو التي كانت آنذاك. ومن يملُك من الفريقين أدلة منطقية وبراهين لا تقبل الشك يكون هو صاحب الحقيقة. وفي قضيةٍ مثل هذه لا يمكننا الرجوع بأنفسنا لمسرح الجريمة وزمانها لتحديد البراءة أو الإدانة، نحن أمام أمرٍ واقعٍ لا يَقبل الرفض. فيمكننا القول إذن أنه ثَمة أمورٍ قد تكون حقيقية بالفعل ولكن لا يُمكننا معرفتها أو التأكد من صحتها.

لكن من الذي من شأنه أن يُحدِّد أن أمرًا ما حقيقةٌ أم لا؟ من الذي يُحدِّد كيف تكون الحقائق؟
قبل أن نُجيب عن هذا التساؤل الفلسفي يجب أن نوضِّح أن هناك فَرق (غير ملحوظ) بين الآراء والحقائق، فقد يرى أحدهم أن مذاق الكُحل رائع جدًا وهو يتلذذ به فعًلا، فيرد عليه آخر قائلًا: “هذا رأيك أنت.” فهذان قولان يُعبّران عن مُعتقدٍ شخصيً وليس حقيقة، فتكون تلك اختلافات في الآراء والأذواق وليست اختلافات في الحقائق.

وهناك أنواع من الحقائق لا يُمكن أن نتناولها كآراء أو اختلافات ذوقية؛ فمثلًا إن ادّعى شخصٌ ما أن الشمس تدور حول الأرض فهذا قول يدُل على جهل، فقائله (جاهلٌ مخطئ) وليس كاذبًا. وهذا النوع من الحقائق قابل للقياس و التجريب. فيمكننا الآن القول بأن ما يُحدِّد أن أمرًا ما حقيقةٌ أم لا هو (الدليل والتجربة والخبرة).

لكن ماذا لو كان هناك نوعٌ أخر من الحقائق (غير قابل للقياس أو التجريب) كالأمور الغيبية أو فكرة وجود خالق للكون، فسواء كنت تؤمن بوجود إله أم لا، أنت لا يُمكنك إثبات أو نفى ذلك بالتجربة، (ورغم ذلك) فالوصول لليقين ليس مهمة مستحيلة؛ فاليقين في مثل هذه الأمور الغيبية يستند لمَلَكةٍ أرقى من مَلَكة الحس والرؤية وهي مَلَكة التفكير والاستدلال، وسواءٌ كنت مؤمنًا بوجود خالقٍ أم لا فأنت ودليلُك لا تؤثران في الحقيقة.

الخلاصة:
هناك حقائق قائمة بذاتها لا تتأثر بالظنون التي حولها، سواءً كانت تلك الظنون مؤيدة أو معارضة. وأن الإنسان مُطالبٌ بالتفكير فيما وراء الظاهر لمعرفة الحقائق؛ لإن أغلب الحقائق وأعظمها لا يُمكن التأكُّد منها عن طريق التجربة أو الحس. وكي تتجنب مزيدًا من الجدال والضغط، عليك التفريق بين ما هو حقيقة وبين ما هو مجرد رأي شخصي يُمكن تجاهله إن لزم الأمر.

المصدر 1 2 

 

كتابة: مينا نشأت

مراجعة: آيات أحمد

تصميم: محمد خالد

تحرير: نهى عمار

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى