العثور على خلايا عصبية مكتَشَفة حديثًا!
تنقسم الأعصاب التي تحمل المعلومات من الأذن الداخلية إلى الدماغ إلى نوعين من الخلايا، يُطلَق على النوع الأول “type I nerves” والنوع الثاني “type II nerves”، ولكن كشف تحليل الـRNA لهما في الفئران أن إحدى تلك الخلايا ليست كما تبدو! حيث تبين أن النوع الأول من تلك الخلايا “type I nerves” يمثل ثلاثة أنواع مختلفة من الأعصاب الجديدة تمامًا بالنسبة للعلم، وفهم خصائصها قد يساعدنا على معرفة كيفية استقبال الثدييات للصوت وأيضًا ربما يساعدنا في إيجاد طرق علاج أفضل لمشاكل السم.
قام باحثون في معهد كارولينسكا في السويد بدراسة تفصيلية لمسار التغيرات الكيميائية والحيوية التي تنقل الإشارات الصاخبة من قوقعة الأذن إلى الدماغ. وكما نعلم جميعًا آلية السمع فهي كالآتي: أولًا تسبب موجات الصوت اهتزازَ غشاءٍ في الأذن الوسطى يطلق عليه طبلة الأذن، والذي بدوره يسبب اهتزاز ثلاثة عظام صغيرة متصلة بقناة حلزونية بها سائل يُطلَق عليها اسم القوقعة، وبالتالي فإن موجات الضغط المرّكزة تسبب انحناء مجموعة من الشعيرات المجهرية تمامًا مثل انحناء العشب بسبب الرياح وينتج عن ذلك تغيرات خلوية تتحول إلى إشارات كيميائية بواسطة الخلايا العصبية.
يحرص علماء الأعصاب على رسم خريطة كاملة لعملية الاتصال تلك إلى مستوى جزيئي لفهم تحول الموجات في الهواء إلى سيمفونيات من الصوت في أذهاننا. ومن أكثر المصطلحات دقة لوصف تلك الخلايا العصبية هو أنها تَجَمُّع أو عقدة من الخلايا العصبية الحلزونية، ويمثل النوع الأول “type I nerves” ٨٨٪ من تلك الخلايا وتتميز تلك الخلايا بأن لديها أغشيةً واقيةً من الميالين التي تغلف محاورها الطويلة وترسل الإشارات في اتجاه واحد، وهناك عدد قليل من الخلايا يوجد بدون أغلفة الميالين الواقية ويقوم بإرسال الإشارات في كل الأعصاب التي تحمل المعلومات من الأذن الداخلية إلى الدماغ. تقوم كل واحدة منها بدور مختلف قليلًا في عملية السمع حيث تتصل بمجموعات مختلفة من شعيرات القوقعة، وبالتالي تعمل بطرق مختلفة. ومن المعروف أن حزمًا منفصلةً من خلايا الشعيرات وكلا النوعين من العقد الحلزونية تقوم بمعالجة عدد لا يحصى من الترددات وشدة الأصوات؛ كي يقوم الدماغ بترجمتها وتفسيرها، لكن الأساس الخلوي لهذه الحسابات لايزال غامضًا.
لذلك لم يقتصر أطباء الأعصاب في معهد كارولينسكا مجرد دراسة الأشكال والتركيب الكيميائي لتلك الخلايا فقد قاموا أيضًا بفحص تسلسل الحمض النووى الريبوزى RNA في الخلايا الفردية المستخرجة من الفئران وذلك زودهم بسجل النشاط الجيني الذي بدوره يمكن استخدامه في وصف الاستجابات الكيميائية الحيوية، وتم الوصول إلى أن النوع الأول ليس نوعًا واحدًا فقط.
يقول قائد مجموعة الدراسة فرانسوا لالميند: “نحن الآن نعلم أن هناك ثلاثة مسارات مختلفة في النظام السمعي المركزي بدلًا من واحد فقط”. وقد تم العثور على كل من هذه الخلايا العصبية الحلزونية الأربعة type Ia, lb, lc and type ll بالفعل تقوم بعملها عند استخلاصها من جرذان الفئران بعد الولادة بوقت قصير، وذلك يشير أنها ليست نتيجة للتغيرات البيئية، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن العمل تمت تجربته فقط على الفئران حتى الآن لكن له آثار هائلة للكشف عن تفسير شامل للمعالجة السمعية في البشر حيث أن النظم السمعية متشابهة بدرجة كبيرة.
النوع الثاني على سبيل المثال يستجيب للضغط في الأذن، وهذا أمر منطقي حيث أنه ينقل الإشارات في كلا الاتجاهين، فيمكن للخلايا أن تستجيب للأصوات الصاخبة من خلال التأثير على الخلايا التي تتصل بها ومن المحتمل أن تقوم بحمايتها أيضًا. أما بالنسبة للفئات المختلفة من الخلايا العصبية من النوع الأول فقد يكون كل منها مسؤولًا عن ضبط وتناغم الحدود القصوى من الأصوات المختلفة مما يساعد على تصفية الكثافات المختلفة في البيئات الصاخبة.
إن التعرف على هذه الميزة على المستوى الخلوي من الممكن أن يساعدنا في تطوير حلول أفضل للمشاكل المتعلقة بالسمع مثل “طنين الأذن” أو الاضطرابات التي تجعلنا أكثر حساسية تجاه أصوات معينة مثل مرض “احتداد السمع”. ويقول لالميند: “عندما نعرف أي الأعصاب هو المسؤول عن مرض احتداد السمع، سنكون قادرين على بدء التحقيقات والبحوث حول أدويةٍ تمكننا من حمايتهم أو علاجهم. والخطوة القادمة تتمثل في التعرف على أنواع التأثيرات التي يتأثر بها الجهاز السمعي من كل خلية عصبية على حدة، والذي بدوره سيؤدي إلى تطوير مساعدات سمعية أفضل مثل زراعة القوقعة”.
إن المعلومات الوراثية مثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي RNA لكل خلية على حدة ستمَّكِن الباحثين من التعرف على مجموعات كاملة من أنواع الخلايا الجديدة في الجسم كما فعلت المجاهر منذ قرون. وكما نعلم أن خلايا الجسم المتشابهة تُكَوِّن أنسجة مختلفة في وظائفها ودراسة كل منها سيمكننا من فهم المزيد عن الصحة والأمراض. وبلا شك بقي هناك الكثير لاكتشافه.
كتابة: سارة مصطفى
مراجعة: دينا ناصر
تصميم: عمر حسن
تحرير: يمنى جودي