الفلسفةعلم النفس

الضحك.. آلة زمن!

“الضحك يأخذك إلى عمق الفلسفة وجوهرها، والفلسفة تأخذك إلى جوهر الضحك وعمقه أيضًا.”

أولًا: الدوافع اللاشعورية للضحك

في محاولاتنا للولوج إلى عمق الضحك وجوهره نميل إلى إلقاء نظرة على الدوافع اللاشعورية للضحك من “هوبز” إلى “فرويد”، فـ”هوبز” يرى أن الضحك كله ينطوي على الشعور بالتعالي على شيء ما في أنفسنا أو في الأخرين، أما “فرويد” كالعادة يرى أن هناك شيء من الشر أو الخبث وراء كل مزحة.
ولكن يمكنك أن تتبنى تصور مختلف بالطبع، وهو أن الضحك شيء ذو قيمة بالفعل لأنه جيد أو مفيد لك، فكثير من البراهين والدلائل توضح تأثيره الإيجابي على كيمياء المخ والمناعة، ولكن لكي نكون منصفين؛ إن المبالغة والهوس بفوائد الضحك أمر مضر على نحو جاد، وهذا الهوس ليس موروث من الأكاديميين الذين كرسوا حياتهم لدراسة الضحك، فالأمر الشائع والمشترك بين المنشغلين بالعلوم الاجتماعية هو أن الضحك والفكاهة وسيلة للتفاوض السلمي والذوبان بين الثقافات والمجموعات المختلفة.

ثانيًا: كيف يكون الضحك آلة زمنية؟

وبدون فقدان المغزى من كل هذه التصورات والتوجهات، يمكننا أن ننطلق في اتجاه آخر أو بُعد آخر، وهذا البُعد يتضح في مقولة ارتجالية منسوبة للكوميديان الأمريكي “ميلتون بيرل” عن الضحك إنه “إجازة فورية”، ورغم أن هذه المقولة تبدو واضحة بعض الشيء إلا أننا بحاجة للوقوف عليها قليلًا، إذ أنها توحي بأننا حين ننتهي للتو من مزحة أو طرفة أو موقف ما استدعى الضحك الحقيقي والصاخب، أي بمجرد أن ننتهي من الضحك، نشعر كأنما نعود للواقع أو لذواتنا، ليس شرطًا أن نعود كما كنا تمامًا أو مختلفين تمامًا، لكن الفكرة كلها في الشعور بالعودة، الأمر أشبه باليقظة بعد غفوة لذيذة هكذا الأمر، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إن كان الضحك إجازة فورية والإنتهاء منه هو بمثابة عودة لما كان قبله فـ “من أين عدنا؟” أو “أين كنا قبل أن نعود؟”

إننا لم نذهب للفضاء ولا لأي زمن محدد، فكأننا عبرنا بضحكاتنا في أجزاء من الثانية عبر ثقب ما في جدار الزمن، هذا المعنى من الصعب التعبير عنه بمفردات دقيقة ومن الصعب تفسيره أيضًا.
وقد توجه “كانط” منذ أكثر من قرنين إلى أن الضحك يبدو كـ”هدنة عقلية”، إذ لا يعني أننا نغيب عن الواقع أو الزمان ولا حتى ننفصل إنفصالًا تامًا عن ذواتنا، لكنه بالأحرى قد يعني أننا في فسحة من المنطق، إذ أن العنصر الأساسي في أغلب الأمور المضحكة هو “التناقض الصارخ” و”اللامنطقية”، وهنا يمكننا أن نسترجع شيئًا يسيرًا من فلسفة “برجسون” حول الضحك.

ثالثًا: الفكاهة في فلسفة “برجسون”

فلسفة “برجسون” في العموم قائمة على الحدس أي لا تعتمد كليًا على العقل، ولكن في حديثه وفلسفته عن الكوميديا، رأى أنها الفن الوحيد الذي يتدخل فيه العقل أكثر من الحدس، وهنا تتضح مقولة “إن العالم كوميديا لهؤلاء الذين يفكرون، وتراجيديًا لهولاء الذين يحسون.”

وفي الملاحظات التالية يمكننا أن نلخص أهم أفكاره حول هذا الموضوع:
أولًا: يكون الموضوع مضحك فقط إذا تعلق بالإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر.
ثانيًا: يفترض المضحك حالة اللامبالاة العاطفية أو حالة الخلو من التأثر والانفعال، فمجتمع العقول لا يبكي وإنما يضحك، أي أن المضحك لا يتجه إلى القلب وإنما يخاطب العقل.
ثالثًا: يفترض الضحك مجتمعًا، ذلك بأنه لحاجة دائمًا إلى صدى، لذلك يلاحظ أنه يشتد الضحك أكثر في المسرح.

رابعًا: أبرز النظريات المفسرة للضحك.

في النهاية يمكننا أن نشير بإيجاز إلى أن الضحك -ذلك السلوك البشري المتناهي في البساطة والتلقائية- لا يبدو كذلك بالنسبة لكثير من المفكرين والمحللين، إذ أنه توجد أكثر من نظرية لتفسير الضحك.

الأولى: “نظرية التعالي The superiority theory”:

وهي تعني أن الضاحك يتعالى على شيء ما بالضحك، وذلك حينما يكون الوضع يدعو للانهيار أو الحزن الشديد أو التوتر والقلق.

الثانية: “نظرية الانتهاك الحميد”:

وهي تعني ببساطة أن المرء يضحك في مواقف يتعرض لها الآخرون للحرج أو الأذى الخفيف، فهو بشكل مسبق يدرك مدى تأثير هذا الحرج أو الأذى على الشخص الآخر، إذ أنه لن يصل بحال من الأحوال لدرجة الصدمة أو الموت فهو في نطاق المقبول.

الثالثة: “نظرية الاعتقاد (التوقع أو التخمين) The relief theory”:

فقد يكون الأمر مضحك إذا كان خارج نطاق تخمينك وتوقعاتك المنطقية كما أشرنا من قبل.

أيًا كان ما وراء هذا السلوك البشري البهيج، إلا أنه يجب أن نشير إلى أن بعض أبرز العقائد والديانات قد حثت أيضًا على التبسم والابتهاج وشرعت الاحتفالات بالأعياد، كأنما تؤكد أن البهجة والسرور فريضة، وأن للعقل والروح فسحة وهدنة وقسط من الراحة لابد أن يحصل عليهم بشكل دوري في ظل تجمع بشري عريض، كأنما يتضاعف حينئذ الشعور بالسعادة والرغبة في صنع البهجة والضحك.

 

المصادر 1 2

– فلسفة الضحك عند برجسون
من كتاب فلسفة الجمال..أعلامها ومذاهبه

كتابة: ايات احمد

مراجعة: اميرة يحيي

تحرير: ميرنا عزوز

تصميم: اسلام فيصل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى