علم النفس

“كُن عطوفًا”، جملةٌ تحمل تعقيدًا أكثر مما تتوقع

علم النفس من أهم العلوم تعبيرًا عن شخصية كل فردٍ منّا وتناقضاتها. وهو واحدٌ من أكثر العلوم جدلًا بين الناس؛ لما يتميّز به من كثرة المناقشات والحوارات فيه. بدأ علمُ النفس التجريبيّ عام 1879م، ولكن هو في الحقيقة موجود من قبل 2300 عامًا من خلال حوارات ونقاشات سقراط وآخرين حول ماذا يُريد الناس وكيف يعيشون، وتُعتبر تلك الحوارات والمناقشات الفلسفية محاولاتٍ غريبةً وعنيدةً للتفكير بوضوحٍ كما وصفها العالم “برتراند راسل”، ولهذا يُعد علمُ النفس أكثر ما تحاول فيه حوارات التفكير بوضوح في تناقضات الطبيعة البشرية.

وللوصول إلى هذا النوع من التفكير والحوارات ابتدعوا أسلوب الكتابة، حيث كانت الكتابة مقصورةً فقط على تفريغ الشحون، فكان أفلاطون هو أول من استخدم الكتابة للتعبير عن مشاعر وطبيعة البشرية ولفك ضغط المحتوى البشري.

 

إن وصف الحوارات الفلسفية بالغريبة والعنيدة لم يكن من فراغ، ويرجع ذلك لعمق التفكير الفلسفي وعدم تناسق الأفكار، وذلك نتيجةً لاختلاف الطبيعة البشرية ومشاعرها المعقدة. ويُعتبر أفلاطون واحدًا من مؤسسي علم الفلسفة والتناقضات البشرية، لم يكن أفلاطون من المختصين في اللاهوت ولا في الفلسفة، فلم يكن في اللاهوت شييء مقدس أو علم فلسفي يعد كمرجع أو مصدر للاعتماد عليه. ولكن في أصوله هو محاولات تجريبية لفهم الطبيعة البشرية وتحتاج إلى إعادة اختبار عدة مرات حتى يتبين صحتها.

 

“كُن عطوفًا”

كان هذا حوارًا بين شخصين، أحدهما مقتنع بأن الإنسان يجب أن يكون له مبدأٌ ثابتٌ في الحياة وهو أن يكون عطوفًا وكريمًا مع كل الناس. وكان للآخر اعتراضٌ على ذلك حيث أنه ليس كل الناس يجب أن تُعامل بنفس طريقة العطف والكرم، وأيضًا كيف تكون كريمًا مع أشخاصٍ ارتكبوا جرائمَ قتلٍ وسرقةٍ! وماذا إذا تقدم شخصان مناسبان لنفس الوظيفة هل يمكن أن تتنازل عنها لغيرك ويعد هذا كرم منك أو عطف؟ لذلك فأنت بالتأكيد مخطئ بخصوص المبدأ الواحد وبالتأكيد لديك مشاعر أخرى بداخلك ومبادئ مختلفة حتى تستطيع التعامل مع تلك المواقف التي ينفعُ فيها العطف والكرم.

 

رد عليه صاحبُ المبدأ بأن العطف هو أن تكون عطوفًا وكريمًا ومتسامحًا مع كل الناس من خلالك أنت، وذلك بأن تكون روحك متسامحةً وحسنة النية، حتى إذا أقدمت على الحكم على مجرمٍ أو خاطئٍ، فإن حكمك هذا في محله إذا كانت الأدلةُ كلها تشيرُ إلى اتّهام هذا الشخص، فالعطف هو ما تشعر به أنت وليس ما يشعر به الناس تجاهك. أما بخصوص العمل، فإن له قواعدَ مختلفةً عن الحياة، فالأصلح والمناسب سوف يظفر بالوظيفة عن غيره. أما الأشخاص الذين ليسوا من ذوي القلوب الرحيمة، فسوف يتم التعامل معهم بنفس العطف والكرم. ولكن إذا تخطوا القواعد وكسروا القوانين، سوف يتم محاسبتهم على ما فعلوه، فالجزاء من جنس العمل. وكما قلنا فالعطف هو ما تشعر به أنت وليس ما يشعر به الناس تجاهك. لذلك فإنّك لست بحاجةٍ إلى تغيير مبادئك وعليك التمسك بها.

 

وفي حقيقة الأمر، الموضوع أكثر تعقيدًا من أن تفهمه! ولكن تلك هي الحياة في ظاهرها وباطنها، وعلى الإنسان أن يستحكم عقله وقلبه في الحكم على الأشياء إذا كان لديه روحٌ متسامحة وكريمة. فإذا كنت من أصحاب المبدأ الواحد فعليك التمسك به واتّباعه وكل شيء سوف يسيرُ نحو الأفضل.

المصدر

 

كتابة: محمود وحيد

مراجعة: أحمد خالد

تصميم: عمر حسن

تحرير: عمر حسن

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى