الذكاء البيولوجي
الذكاء، غالبًا يرتبط مفهوم الذكاء عند الكثيرين بعقل الإنسان الذي يقوم بدوره في فهم وتحليل الأشياء كما أصبح الذكاء حديثًا مقترناً أيضًا بالآلة فيما يسمى بالذكاء الاصطناعي، لكن هل سمعتم من قبل عن الذكاء البيولوجي (الخلوي)؟
لعلكم تتساءلون عن كيف يمكن للخلية أن تمتلك الذكاء. حسناً، سوف نتناول في هذا المقال بعضًا من الأمثلة التي توضح كيف تؤدي الخلايا الحية أدوارها وتتفاعل مع بعضها بشكل ذكي ومتكامل.
في الإنسان، تُحدِّد الخلايا مواقعها بدقة بالنسبة للخلايا أو الأعضاء الأخرى. فمثلًا تُحدِّد خلايا الدم البيضاء (الخلايا المناعية) مواقعها تبعًا لأماكن العدوى أو الإصابة، أما في الخلايا العصبية في الأجنة تَعرف تلك الخلايا مواقعها خلال تلك الشبكة المعقدة. مثال آخر في الأعضاء النامية تتجانس الخلايا مع بعضها في بنية وشكل العضو وتتوقف عن النمو عند حافة العضو. تحصل الخلايا على المعلومات من عدة مصادر مثل الجزيئات الكيميائية المنتشرة المتعددة “diffusing molecules”، المكونات ذات الجهد الكهربي، وشبكة الجينات المعقدة.
في أبحاث جديدة، وُجِد أنه بالاضافة إلى قدرة الخلايا على حساب العديد من العوامل المختلفة فإنها تقوم بإرسال الإشارات ذهابًا وإيابًا إلى الخلايا الأخرى وتتبادل المعلومات لتحديد الموقع. لنأخذ مثالًا بالتفصيل على نوع من الخلايا الذكية وهي الخلايا المناعية؛ تُهاجر الخلايا المناعية إلى أماكن الالتهابات والعدوى وتتعامل مع آلاف العوامل بميكانيكيات مختلفة، أثناء رحلتها تحتاج الخلايا المناعية إلى معرفة موقعها بالتحديد والموقع المتوجهة إليه، تعتمد الخلايا في ذلك على إشارات دقيقة للغاية تتضمن مواد كيميائية مثل السيتوكاينز “cytokines” والكيموكاينز “chemokines” والنواقل العصبية “neurotransmitters” والعديد من المكونات الأخرى. بالإضافة إلى ما سبق، تُفرز خلايا النسيج جزيئات جاذبة تعمل على جذب وإرشاد الخلايا المناعية خلال الأوعية الدموية أو الأعضاء المختلفة. تمتلك الخلايا المناعية العديد من المستقبلات المختلفة تُمَكّنها من التعرُّف على الكثير من الإشارات المختلفة.
لغة الخلايا (التواصل الخلوي أو الإشارات الخلوية ):
-أحد أنواع التواصل بين الخلايا هو الاتصال والنقل المباشر للمعلومات عن طريق التلامس بين الخلايا المتجاورة كما يحدث في نقاط الاتصال العصبي (النهايات العصبية)، تكون الإشارات المنقولة في صورة مواد كيميائية مثل : السيتوكاينز والكيموكاينز المناعية، النواقل العصبية، جزيئات RNAs الصغيرة والكبيرة “small and large RNAs” الببتيدات الصغيرة “small peptides” والهرمونات، وهناك نوع آخر يسمى kinocidins. تستطيع هذه الإشارات العمل في نفس المكان الذي خرجت منه أو في مواقع بعيدة عن موضع إفرازها، ولكي تعمل هذه الإشارات فلابد للخلايا من تصنيع بروتينات المستقبلات على أغشيتها.
-نوع آخر من أنواع الاتصال هو الاتصال عن طريق بنيات أنبوبية صغيرة مصنعة من الأكتين “actin” تسمى سيتونيم “cytonemes”، تقوم هذه البنيات بدور في النقل الأفقي للجينات كما أن لها دور رئيسي في نقل الفيروسات بين الخلايا.
-النوع الثالث من أنواع الاتصال يكون عن طريق الحويصلات “vesicles” والذي يحدث كالآتي: تقوم الخلايا بإفراز المواد في صورة ما يُسمى ب”exosomes” لتأخذها خلايا أخرى في صورة ما يسمى ب “endosomes”. يحدث هذا النوع من التواصل في الخلايا العصبية والدبقية “glial cells”.
-النوع الأكثر استثنائية هو التواصل عن طريق الكهرباء والمكونات ذات الجهد الكهربي كما يحدث في خلايا الدماغ والأعصاب، والأكثر غرابة من ذلك هو الاتصال عن طريق الفوتونات الضوئية.
مع كل نوع من أنواع التواصل هذه تبحث الخلايا عن الدقة في إجراءاتها ووظائفها، وتستطيع الخلايا المقارنة بين الإشارات والمعلومات المختلفة.
كتابة: عبدالله طاهر
مراجعة: الاء حسين
تصميم: أمنية عبدالفتاح
تحرير: نهى عمار