الفلسفةعلم النفس

كيف تساعد الأحلام على تعزيز الذاكرة؟

هل لاحظت من قبل أن استذكارك قبل النوم يساعدك على الحفظ جيدًا؟ حتى تجد أنَّ الأجزاء التي استصعبتها أثناء المذاكرة، أصبحت يسيرة وحاضرة في ذهنك بشكلٍ واضحٍ بعد النوم، لقد تساءلت كثيرًا -منذ صغري- عن هذا الأمر! ولكنني أدركت فائدة الاستذكار قبل النوم.. في تقوية ذاكرتي، وكنت أتعمد استذكار الموضوعات الصعبة قبل النوم، وكانت النتيجة مذهلة! قد يظن البعض بأنَّ الأمر صدفة، لكن تمهل يا صديقي.. فالأمر ليس بالصدفة! بل هناك أبعاد أخرى سنتطرق إليها سويًا في هذا المقال.

  • أبحاث الذاكرة والنوم

في القرن الماضي اهتم العديد من العلماء والباحثين بأبحاث الذاكرة والنوم، ولقد أثبتت تلك الأبحاث أنَّ النوم يسهّل عملية تخزين المعلومات؛ وبالتالي يعزز الذكريات لدى البشر والحيوانات، ولكن لم تكن الآليات التي تتبعها الدماغ واضحةً لعلماء الأعصاب في هذا الصدد حتى خمسينيات القرن العشرين.
عندما اشتبه علماء الأعصاب في أن الحلم يسهل عملية التذكر! فبحثوا في هذا الاتجاه حتى وجدوا أن الحلم يحدث أثناء مرحلة في النوم تٌسمى (حركة العين السريعة REM)، وكشفت نتائج بحث نُشر في عام 1957 أنَّ الحلم يحدث فعلًا أثناء هذه المرحلة.

في عام 2016 نُشر بحث في مجلة (Science) حول دراسة أجريت على الفئران؛ للحصول على أدلة تساعد في تحديد نشاط معين لإيقاع “ثيتا” لأمواج الدماغ التي تحدث أثناء مرحلة حركة العين السريعة REM، هذا النشاط ضروري في تعزيز الذاكرة السياقية (وهي القدرة على تذكر الظروف الزمانية والمكانية وكذلك الاجتماعية المصاحبة لحدث ما، والتي تُعد عملية أساسية في الذاكرة طويلة المدى).

في عام 2019 نُشرت مراجعة تفيد بأنَّ هناك خلايا عصبية محددة في الحُصين (أحد مكونات الدماغ، ويوجد تحت القشرة المخية، ويلعب دورًا هامًا للغاية في دمج المعلومات والاحتفاظ بها) تسمى هذه الخلايا العصبية (المولودة للبالغين- Adult-born neurons)، يمكن أن تُولد هذه الخلايا في معظم الثدييات بما فيها البشر.

بالرغم من عدم معرفتهم بعض الذي تلعبه هذه الخلايا في دمج المعلومات أثناء مرحلة حركة العين السريعة، إلا أنهم أعطوا لها اهتمامًا، واستخدم مجموعة من الباحثين اليابانيين تقنيات حديثة عن المعالجة الجينية الضوئية وتصوير الكالسيوم؛ لمعرفة ما إذا كان نشاط هذه الخلايا العصبية يساهم بشكل ما أو بآخر في دمج المعلومات والذكريات أثناء مرحلة حركة العين السريعة في الفئران، واستطاعوا ملاحظة نشاط هذه الخلايا أثناء النوم في مرحلة حركة العين السريعة بعد عملية التعلم قبل الذهاب للنوم.

وأوضحت الدراسة أنَّ هذه الخلايا تخضع لمجموعة من العمليات المتشابكة أثناء النوم؛ والتي تساهم بدورها في دمج المعلومات وتخزينها بشكل أقوى، وأضف إلى ذلك أنهم وجدوا أنَّ لموجات الدماغ -التي تحدث أثناء نوم حركة العين السريعة- دورًا في ضبط التزامن بين الخلايا العصبية المولودة للبالغين وبالتالي تعزز نشاطها.

في عام 2020 أفادت دراسة أخرى -على الفئران- أنَّ الخلايا العصبية المولودة للبالغين تساعد فعلًا في دمج وتوطيد المعلومات أو الذكريات أثناء مرحلة حركة العين السريعة.

  • تعزيز الخلايا العصبية المولودة للبالغين

تعرفنا سويًا على إجابة السؤال الذي تساءل عنه الكثيرون -من بينهم أنا-: “لماذا نتذكر جيدًا ما استذكرناه قبل النوم مباشرة؟”، والآن علينا تعزيز هذه الخلايا وتقويتها؛ لتعمل جيدًا وتقدم لنا أفضل حالة تذكر.

لا شك في أنَّ كل هذه الدراسات السابقة قد ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز فهمنا لكيفية تكوين الذكريات ودمج المعلومات، وهذا بدوره سيفتح الكثير من الأبواب لمعرفة الأدوية والعلاجات التي تساعد في علاج المرضى الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة.

وعلى الرغم من أنَّ الدراسات التي أجريت على هذه الخلايا لم توضح أنَّ للتمارين الهوائية دورًا في تعزيز هذه الخلايا؛ إلا أنَّ هناك أبحاث أثبتت أنَّ لتمارين القلب تأثيرًا على تعزيز الخلايا العصبية الموجودۃ في الحُصين، وتُشير مجموعة من الأدلة إلى أنَّ النشاط البدني يساعد في تعزيز الذاكرة؛ فهو يساعد الناس على النوم بشكلٍ أفضل، وزيادة مدة مرحلة حركة العين السريعة أثناء النوم؛ مما يُسهل ولادة وتجديد الخلايا العصبية المولدة للبالغين من جديد.

المصدر

كتابة: آلاء عماره

مراجعة: أميرة يحيى

تحرير: احمد عبيد

اظهر المزيد

الجرعة اليومية من العلوم

مؤسسة علمية تطوعية هدفها نشر وتبسيط العلوم، وإثراء المحتوى العربي العلمي عبر الإنترنت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى