كيف يلعب الحاسوب لعبة الشطرنج؟
إذا راقبت شخصًا يبدأ في تعلم الشطرنج سترى أنه يبدأ بإمكانيات قليلة للغاية، وبعد أن يتعلم قواعد اللعبة والقواعد التي تحكم كل قطعة يبدأ حينها يلعب الشطرنج حقًا، لكنه لا يزال غير ماهر بدرجة كبيرة. كل مباراة يخسرها يتعجب قائلًا: “أنا لم أفكر في هذا!” أو “لم أرَ ذلك”. يخزن عقل اللاعب تلك التجارب ويبدأ في حفظ ترتيبات مختلفة للقطع على الرقعة، ويتعلم خدع وتكتيكات تساعده في تحريك قطعه خلال المباراة. لذلك فإننا نرى أن الشطرنج لعبة تتطلب قدرًا عاليًا من التفكير التجريدي وملاحظة الأنماط البصرية المتكررة والتحليل النفسي والحفظ، لكن ماذا عن الحواسيب التي تلعب الشطرنج؟ هل تقوم بكل تلك العمليات العقلية التي يقوم بها عقل الإنسان؟
كيف يفكر الحاسوب؟
إن الحاسوب عندما يلعب الشطرنج لا “يفكر”، بدلًا من ذلك فإنه يحسب قوة كل خطوة ممكنة بواسطة عدد من المعادلات والشروط ليختار من بينهم الخطوة الأفضل. وكلما زادت سرعة الحاسب تصبح خطواته أفضل وأقوى وأسرع. مما جعل أفضل لاعبي الشطرنج في العالم الآن حواسيب، رغم أنها تلعب وهي عمياء تمامًا دون تفكير.
إن طريقة تفكير الحاسب واختياره للخطوة المناسبة معقدة، لكنها تتم بحسابات بسيطة في جوهرها. لنقُل مثلًا إننا في بداية مباراة ويبدأ الأبيض باللعب، سيمكنه حينها أن يختار بين ٢٠ حركة ممكنة، إما تحريك البيادق خطوة أو خطوتين -١٦ احتمال- أو تحريك الفرسان نحو أي اتجاه -٤ احتمالات-، ثم يأتي دور الأسود فيكون لديه نفس الاحتمالات، ثم يعود الأبيض للعب فيكون لديه تقريبًا ٢٠ حركة ممكنة أيضًا يختار من بينها. هكذا يدرس الكمبيوتر المباراة، يعتبرها سلسلة من الحركات المحتملة والترتيبات المختلفة للقطع على الرقعة. لكن لتلك الحسابات حدود، فإن عدد الاحتمالات الممكنة في مباراة شطرنج واحدة يساوي 120^10 (واحد ويليه ١٢٠ صفر) وهو رقم بالغ الضخامة، ولكي ندرك ضخامته دعونا نذكر أن عمر الكون حتى الآن منذ الانفجار العظيم 26^10 نانوثانية، وأن عدد الذرات المقدرة في الكون كله 75^10 ذرة! تخيلوا مثلًا أن مجرة درب التبانة بكل نجومها وكواكبها وأجرامها ضئيلة الحجم بجانب مباراة شطرنج! إن الشطرنج حقًا لعبة استثنائية!
ولأن هذا الرقم بالغ الضخامة فلا يمكن لأي حاسب أن يحسب كل الاحتمالات الممكنة والسيناريوهات من بداية لنهاية المباراة، وإنما يحسب فقط احتمالات ٥ أدوار قادمة، أو ١٠، أو أكثر، على حسب قوة وسرعة الكمبيوتر. بعد معرفة جميع الاحتمالات الممكنة وترتيب القطع على الرقعة، على الكمبيوتر أن يقيّم كل خطوة وكل ترتيب للقطع على الرقعة ليعرف أي خطوة ستكون أفضل وأي وضع للرقعة سيقرب له الفوز ليسعى إليه. يقوم الكمبيوتر بهذا التقييم من خلال عدد من المعادلات، فمثلًا يمكنه استخدام معادلة تحسب له عدد قطعه وعدد قطع الخصم ويختار الخطوة والوضع الذي يوفر له عدد قطع أكبر من الخصم.
لكن معادلة بسيطة كتلك لن تكون مفيدة بشكل كبير، لأن بعض القطع أكثر قيمة من غيرها فالأمر ليس بالعدد. وبإمكان المبرمج حينئذٍ أن يضيف معادلات أخرى تجعل الكمبيوتر يضع في اعتباره السيطرة على قلب الرقعة، وقيمة القطع، والتهديد الحاصل على الملك، مما يساعد الكمبيوتر على اتخاذ قرارات أكثر احترافية. وعلى كل حال فمهما تعقدت المعادلات يتم في النهاية اختزال نتيجتها لرقم واحد يحدد هل وضع الرقعة جيد أم سيئ.
الأزرق العميق Deep blue:
في أواخر الأربعينات من القرن الماضي بدأت فكرة الذكاء الاصطناعي التي أخرجها “آلان تورينج Alan Turing” للوجود، وبدأ علماء الحاسوب منذ ذلك الحين يقارنوا بين أدمغة الحواسيب وأدمغة البشر، ويحاولوا إيصال قدرات العقل الإلكتروني إلى مستوى قدرات العقل البشري، وكانت لعبة الشطرنج من أهم مجالات المنافسة. طوال سنوات، طوّر العلماء عدة أنظمة حاسوبية وأجهزة هدفها الوحيد هو لعب الشطرنج، واستمر مستوى تلك الأنظمة في التطور التدريجي، من الهزائم المتتالية إلى المنافسة مع البشر، حتى عام ١٩٩٧ حين أثبت الحاسوب أنه ليس بخصم هيّن، حين هزم الكمبيوتر المسمى “الأزرق العميق Deep blue” بطل العالم في الشطرنج “جاري كاسباروف Garry Kasparov” في مباراة شهدها العالم.
ابتكر الجهاز مجموعة من مهندسي شركة “IBM”، وكان لظهوره أثر كبير في مجال الحواسيب حيث فتح مجالًا جديدًا من القدرات الحسابية التي استخدمها العلماء في مجال الاقتصاد للتنبؤ بحركات السوق ودراسته، وفي مجال “الديناميكا الجزيئية Molecular dynamics” لدراسة واكتشاف أنواع جديدة من الأدوية. ويجعلنا ذلك ننظر لتلك اللعبة بشيء من التقدير، فقد كانت إحدى أكبر التحديات التي شحذت قدرات الذكاء الاصطناعي والحواسيب حتى تصل لما هي عليها الآن، وتوفر لنا التقدم الذي ننعم به الآن.
كتابة: احمد عبدالستار
مراجعة: شيماء وصفى
تحرير: اسراء وصفى
تصميم: احمد محمد