الطب

لماذا كان تفشي الإنفلونزا عام 1918 فتاكًا؟

وصف بيل جيتس في أبريل 2020 فيروس كورونا المستجد والمسبب للوباء الحالي بأنه “العامل المرضي الذي كنا قلقين بشأنه، والذي يحدث مرة واحدة في القرن”، كان يشير بالطبع إلى سلالة الإنفلونزا البغيضة التي سيطرت على العالم القرن الماضي أثناء جائحة إنفلونزا عام 1918.

يُعد هذا الوباء الأكثر فتكًا في التفشي من بين جميع الأوبئة التي مرت على البشرية؛ حيث قضى الوباء المعروف بـ”الإنفلونزا الإسبانية” على أكثر من 50 مليون شخص -وفي بعض التقديرات تصل الوفيات إلى 100 مليون- مما يعد أكثر من عدد الوفيات التي شهدتها الحرب العالمية الأولى التي انتهت في نفس العام.

كانت الوفيات سريعة بشكل مفزع حيث أصيب الكثير من الناس بالمرض وماتوا في غضون يوم أو يومين، هنالك قصة عن أربع نساء كُنَ ذوات لياقة بدنية جيدة اجتمعن في مساء ليلة ما، وبحلول الصباح توفي ثلاثة منهن من العدوى.

كونك قاتلًا سريعًا في الواقع ليس في صالح الفيروس كما يُعتقد، لأنه يحتاج إلى مضيف حي للبقاء على قيد الحياة والانتشار، عادة ما تتطور معظم الفيروسات لتصبح أقل فتكًا بمرور الوقت، لكن هذه السلالة من H1N1 لا تزال صغيرة ومتهورة.

سبب التفشي هو سلالة فرعية من إنفلونزا أ (A) وهي H1N1، ظهر منذ ذلك الوقت سلالات أخرى من H1N1 ونخص بالذكر وباء إنفلونزا الخنازير (Swine flu) في عام 2009، ولكن لم يصل أي منها إلى مستوى التفشي عام 1918.
على الرغم من الاسم الشائع لها، فمن المرجح أنها لم تبدأ في إسبانيا، فقد كانت إسبانيا محايدة خلال الحرب العالمية الأولى -على نقيض العديد من القوى الأوروبية الأخرى في ذلك الحين- مما يعني أن وسائل الإعلام الإسبانية لم تخضع أو تتقيد للرقابة في زمن الحرب، بمعنى أنها كانت قادرة على الإبلاغ عن تفشي الوباء بالتفصيل، ربما عكس المملكة المتحدة أو فرنسا أو الصين أو الولايات المتحدة.

توقيت ممتاز

كان التوقيت مثاليًا (بالنسبة للفيروس طبعًا)؛ فقديمًا، لم يكن من السهل على العامل المسبب للمرض التنقل بين المدن والبلدان والقارات، ولكن شهدت الحرب العالمية الأولى حركة واسعة النطاق لأعداد كبيرة من الجنود من وإلى جميع أنحاء العالم، بالإضافة لذلك، شهدت بداية القرن العشرين اتجاهًا أوسع لزيادة السفر عبر القارات، فكان سكان الكوكب يتواصلون بشكل متزايد مع بعضهم البعض، وبالتبعية ينتقل الفيروس مع المصابين منهم.
أضف لذلك عدم قدرة التقدم العلمي والتكنولوجي على مواكبة شراسة الفيروس؛ فلم تكن هناك لقاحات للمساعدة في الوقاية من عدوى الإنفلونزا أو مضادات حيوية للمساعدة في علاج الالتهابات الثانوية مثل الالتهاب الرئوي، كما لم تكن هناك اختبارات معملية للكشف عن هذه الفيروسات أو توصيفها، لذا؛ كانت المعرفة بالفيروس ضئيلة.

كان الفيروس قاتلًا ذكيًا!

حدث شيء آخر مهم في هذا الوقت، وإن كان على نطاق أصغر بكثير، وجدت دراسة كبيرة أقيمت عام 2014 بقيادة البروفيسور مايكل ووربي (Michael Worobey) أن إنفلونزا فيروس H1N1 اجتاح الجسد البشري قبل 10 أو 15 عام فقط من عام 1918، ثم فجأة حدث شيء كبير في خريف نفس العام، تمكن الفيروس من التقاط مادة وراثية من فيروس إنفلونزا الطيور.

اقترح باحثون آخرون أن هذا -بجانب الطفرات الأخرى- عزَّز قدرته على الارتباط بمستقبلات في المجرى التنفسي البشري مكتسبًا بذلك طريقة سهلة للانتقال والعدوى ألا وهي عن طريق التنفس، بالرغم من أن العلماء ما زالوا غير متأكدين مما حدث للفيروس الذي جعله أكثر قوة وعدوانية وذكاءً.

وأوضح ووروبي: “يبدو الأمر وكأنه تفصيلة صغيرة، ولكنه قد يكون الجزء المفقود من اللغز. بمجرد أن تحصل على هذا الدليل فإن العديد من سطور الأدلة الأخرى التي كانت موجودة منذ عام 1918 تقع في مكانها الصحيح”.

لم يكن أحد بمأمن منه حتى الشباب والأصحاء

لم تكن سلالة عام 1918 انتقائية بشأن إصابتها للأفراد على عكس حالات تفشي الإنفلونزا الأخرى، عادة ما تصيب أوبئة الإنفلونزا الأطفال الصغار وكبار السن بشكل أكبر، ولكن “الإنفلونزا الإسبانية” أثرت بشراسة على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، كان متوسط ​​عُمر الموتى أثناء الوباء 28 عامًا فقط.
سبب إصابة الشباب والأصحاء غير واضح، ولكن على الأرجح أن سلالات الإنفلونزا التي أُصيبوا بها عندما كانوا أطفالًا هو السبب؛ قد يكون أحد هؤلاء الشباب في عام 1918 التقط عدوى إنفلونزا H3N8 الذي كان شائعًا بين عامي 1889 و1900 خلال طفولتهم، حيث إن التعرض لهذا النوع من الإنفلونزا أدّى إلى “خطأ” في قراءة جهاز المناعة لسلالة H1N1 عندما هاجمتهم في وقت لاحق.
وأوضح ووروبي أن أي شخص لديه ترسانة من الأجسام المضادة موجهة ضد بروتين H3 لم يكن ليحقق نتائج جيدة عندما يواجه فيروسات الإنفلونزا المرصعة ببروتين H1، ونعتقد أن عدم التوافق هذا ربما أدى إلى ارتفاع معدل الوفيات في الفئة العمرية التي تصادف أن تكون في أواخر العشرينات من العمر أثناء جائحة عام 1918.

هل يوجد علاقة بين تفشي الإنفلونزا الإسبانية وتفشي كوفيد-19 (COVID-19) في العصر الحالي؟

يجب أخذ أي مقارنات بين تفشي الأمراض بدقة بالغة، لأن الأوبئة دائمًا ما تكون مليئة بالمفاجآت ومعقدة للغاية ويصعب التنبؤ بها. يختلف فيروس الإنفلونزا المسؤول عن تفشي المرض عام 1918 عن فيروس كورونا المسؤول عن الحالات العالمية لـكوفيد-19 في الوقت الحالي، لا يقتصر الأمر على اختلاف العامل المرضي فحسب، بل أنه يصيب أيضًا سكانًا في مدن مختلفة، على الرغم من التسلح بالمعرفة الطبية وأنظمة مناعية مختلفة.

المصدر

كتابة: مي علي ابوزيد

مراجعة: ياسمين محمد

تحرير: ميرنا عزوز

اظهر المزيد

مي علي أبو زيد

صيدلانية وكاتبة محتوى طبي، نويت أن أقضي الشطر القادم من عمري في تقديم المعلومة الطبية بطريقة سلسة ومبسطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى