العلاقة بين الوقت والنسيان
( أسود، أيسلندا، جريزمان، قمر )
في البداية قم بقراءة الأربع كلمات بالأعلى جيدًا، وحاول أن تتذكرهم إلى نهاية المقال.
عند قراءتِك للأربع كلمات السابقة، كيف وأين قام عقلك بحفظهم؟ وهل ستستطيع تذكرهم بعد خمس دقائق؟ ماذا عن بعد ساعة؟ بالطبع الحال يختلف في المرتين، ولكن لماذا؟ ولنفترض بأنني سوف أقوم باختبارك فيهم، وإن تذكرتهم سأعطيك مبلغًا من المال، تحمست؟ ماذا عن شعورك أثناء الاختبار؟ متوتر؟ هل التوتر سيعيقك عن تذكرهم؟
هذا المقال سيجيبك عن تلك الأسئلة السابقة.
عند قراءتِك للمعلومات من الكتاب الذي تدرسه يقوم عقلك باستقبال المعلومات وتحليلها وتخزينها encoding””، ويتم تخزين المعلومة في العقل “consolidation” على هيئة اتصال بين الخلايا العصبية، وكلما تم استخدام هذه المعلومة يُستثار هذا الاتصال مما يقوي الاتصال العصبي، وتسمى هذه العملية “retrieval”، وهذا يؤدي إلى جعله أكثر أهمية للعقل وبالتالي تخزينه في الذاكرة طويلة الأمد.
وأما عن تأثير الوقت على المعلومات، فالطبيب النفسي الألماني هيرمان إنجاس أجرى تجربة على نفسه وهي أنه اختلق أرقام عشوائية (95364) مثلًا وكررهم ليحفظهم لمدة، ثم بعد 21 دقيقة ولمدة 31 يوم ظل يختبر نفسه في مدى قدرته على تذكرهم، وخلال هذه الفترة رسم منحنى موضحًا فيه العلاقة بين الوقت والنسيان. المنحنى أوضح أنه بمرور الوقت يتولد النسيان تلقائيًا، ووُجِد أن هناك عوامل تحدد سرعة نسيان المعلومة، مثل كيفية مذاكرتنا أو تعاملنا أول مرة مع المعلومة، أي ما الوسيلة التي استقبلنا بها المعلومة أول مرة؟ هل كانت بالاستنتاج؟ أم عن طريق فيديو أو تسجيل صوتي؟ أم أننا قمنا بقراءتها ببساطة؟ العامل الآخر المهم أيضًا هو مدى ممارستنا وتكرارنا للمعلومة، كم مرة رددت المعلومة ؟ هل تم ذكرها في مكانٍ آخر؟ أو هل استخدمتها في حديثك؟ أم هي مجرد مرة واحدة؟
المنحنى أظهر أيضًا أن النسيان التام للمعلومات لا يحدث إلا بعد نسيان كل مكوناتها. في المثال السابق كانت المعلومة خمس أرقام، النسيان التام للخمس أرقام معًا يأتي بعد نسيان كل الأرقام والذي من المؤكد أن يحدث على مراحل. في أغلب الأحوال، الوضع يختلف عندما تحاول استذكار دروسك قبل الاختبار بثلاث أيام وقبل الاختبار بثلاث ساعات، ولكن لنفرض جدلًا بأنك من الأشخاص الذين لديهم القدرة على الحفاظ على هدوئهم حتى اللحظات الأخيرة، وذلك ببساطة لأنهم يؤمنون أن الهلع لن يجدي نفعًا، فإن كنت من أولئك الناس، فهنيئًا لك!
ولكن ما هو شعورك أثناء الامتحان وأنت تحاول أن تتذكر معلومة قرأتها بالأمس ودرستها جيدًا، تحاول فلا تستطع تذكرها فتتوتر، فتحاول من جديد فلا تتذكر فتتوتر أكثر وأكثر، وفي النهاية تؤمن بحقيقة توهم بها نفسك وهي أنه لا جدوى من محاولة التذكر، فقد تبخرت المعلومة من عقلك، والآن تغادر الاختبار، وقبل أن يمر خمس دقائق على مغادرتك تتذكر المعلومة! ليست هي فحسب، بل تتذكر مئات المعلومات التي كان من المفترض أن تكتبها ولا تدري ماذا تفعل أو على من تُلقي اللوم؟ سأخبرك أنا من، أو بالأحرى ما الشيء المُلام؟ إنه التوتر!
تخيل معي أن المعلومة التي تريد تذكرها موجودة في غرفة بابها مفتوح، عندما تريد تذكرها في الحالة الطبيعية وأنت لست متوترًا “cold cognition mode”، يقوم عقلك بإخراج المعلومة فتتذكرها، أما في حالة التوتر “hot cognition mode”، فيقوم جسدك بإفراز مواد كيمائية تقوم ببساطة بإغلاق هذا الباب بإحكام ومنع أي وسيلة من فتحه، ولذلك كل محاولاتك للتذكر وفتح الباب سوف تؤول بالفشل، لأن الباب أصبح مغلقًا وبشدة، ولذلك الحل الوحيد لفتحه هو أن تتخلص من المادة المُسببة لإغلاقه، وهذا يتم عن طريق تخلصك من التوتر الذي تشعر به، وللتوتر أضرار عديدة أخرى، فهو ببساطة سيقوم بإعاقتك عن التقدم في الحياة.
لذلك تنفس ببطء، واطرد تلك الأفكار السلبية المُتعلقة بتوهمك لفشلك، وحاول أن تتذكر ما هي الكلمات الأربع التي قرأتها في بداية المقال؟
كتابة: مصطفى طنطاوي
مراجعة: محمود وحيد
تصميم: أميرة فيصل
تحرير: إسراء وصفي