اكتشاف أقدم أسرار حِبر الكتابة المصرية
لطالما حيَّرت الكتابة المصرية بكل تفاصيلها العلماء لفك شفراتها، تلك الكتابة التي أبهرت المُعاصرين لغرابتها.
لذا؛ دعنا عزيزي القارئ نطَّلع على ذلك الاكتشاف المُثير، والذي اكتشفه خُبراء دانماركيون، أثناء دراسة مخطوطات من معبد مصري قديم، وبالتحديد أثناء دراسة الأحبار السوداء والحمراء في بعض النصوص المصرية، حيث تمَّ الاستنباط والتوصُّل إلى أنَّ تلك الأحبار المُستخدَمة كانت مُصمَمة خِصيصًا لتجف بسرعة، مثل تلك الأحبار التي تطورت بعد آلاف السنين في عصر النهضة الأوروبية.
ولكن ما رأيكَ في الخوض في المزيد من التفاصيل عن تلك الأحبار؟ فهيا بنا.
- تحليل وتاريخ الأحبار المصرية
في الفترة الأخيرة، كان فريق دانماركي مُتعدِد التخصُصات يعمل على فحص نصوص من مكتبة معبد (Tebtunis) في مصر، عندما اكتشف أسرار الصبغات المُستخدَمة في الكتابة المصرية، وتمَّ كذلك العثور على مكتبة نصوص في منطقة الفيوم جنوب القاهرة في أوائل القرن العشرين، حيث ركَّز الفريق الدنماركي على اثنتي عشرة قطعة -تلك التي تُشكّل جُزءًا من مجموعة (Carlsberg) الشهيرة- وتمَّ حفظ تلك النصوص بشكل سيئ، وكان تاريخها من القرن الأول إلى الثالث الميلادي، عندما كانت مصر تحت قبضة الرومانيين.
تمَّ تطوير الأحبار المصرية منذ عام 3200 قبل الميلاد، أي منذ أكثر من 5000 عام!
وِفقًا لجامعة «كوبنهاجن Copenhagen»، استخدم المصريون الحبر الأسود للمجموعة الأساسية للنص، والحبر الأحمر لإبراز العناوين والكلمات الرئيسية، حيث قام فريق الجامعة بالتحقُق من الأحبار على أجزاء من أوراق البردي، باستخدام الأشعة السينية، وكذلك مجاهر قوية وعالية الكفاءة، والتي كانت جُزءًا من مشروع CoNext التعاوني بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وتمَّ استخدام تقنيات تُحافظ على تلك الكتابات المصرية، وقاموا كذلك بدراسة التركيب الجُزيئي والبُنيوي للأحبار.
- استنتاجات تُكشَف بشأن تحليل الحبر المصري
كشفت الاستنتاجات بشأن الحبر المصري، أنَّ تركيبات الحبر الأحمر والأسود كانت مُختلِفة تمامًا عن أي شيء قد رأوه، حيث كتب الباحثون في PNAS أنَّ مُركَّبات الرصاص وُجِدَت في مُعظم الأحبار الحمراء وبعض من الأحبار السوداء، وأنَّ تلك التركيبات المُستخدَمة لم يكن غرضها تلوين الحبر، ولا كذلك المُستوى العالي من الرصاص كان سبب التلوين، بل أرادوا حل مشكلة التلطيخ الدائم للحبر، والتي كانت بمثابة مُشكلة مُزعجة للكَتَبة.
- إنتاج الحبر المصري تخصُص مُنفصِل
كتب الباحثون في PNAS، أنَّ الطريقة التي استخدمها المصريون لتجفيف الحبر بشكل أسرع، كانت مُشابِهة للطريقة التي استُخدِمت في القرن الخامس عشر في أوروبا، أثناء تطوير اللوحات الزيتية، وكذلك من الواضح أنهم تعلَّموا استخدام الرصاص في أحبار كتابتهم قبل مئات السنين، حيث صنعوا أحبارًا من مواد عضوية كالعلكة، فكانت تُشكَّل على هيئة كُريات صغيرة، وتُوضع في الماء وتتحول إلى حبر.
لقد وفَّر تكوين الأحبار الحمراء والسوداء رُؤى جديدة حول إنتاج النصوص في أقدم المعابد المصرية، وتطلَّبت الأحبار مجموعة من المواد الخام، واستغرق صُنعها وقتًا طويلًا، وكتب كذلك باحثو PNAS، أنه ليس من المنطقي ومن غير المُحتمَل أنْ يكون الكهنة الذين كتبوا المخطوطات هم مَن صنعوا الأحبار، وذلك يدل على أنَّ الأحبار صُنعَت على أيدي مُتخصصين.
- رُؤى جديدة، وسِر الحبر ما زال لُغزًا
يقول عالم المصريات الدانماركي «توماس كريستيانسن Thomas Christiansen»، أنَّ الكهنة يجب أنْ يكونوا قد أشرفوا على إنتاج الحبر في الوِرَش، وربما تمَّ إرفاق وِرَش عمل الحبر المُتخصِصة هذه بالمعبد.
كتب فريق البحث الدانماركي PNAS، أنَّ خصائص التجفيف لأكسيد الرصاص وأبيض الرصاص معروفة، وتُوجد أدلة وثائقية لدعم ذلك، على سبيل المثال ينص نص هلنستي عن الخيمياء على أنَّ إنتاج الحبر الأحمر كان بالفعل شيئًا تمَّ فهمه في وِرَش العمل المُتخصِصة وإنتاجه للكُتَّاب اليونانيين.
في نهاية المطاف، إلى الآن لم يتمكن فريق الخبراء الدانماركي من معرفة أصل الرصاص المُستخدَم في إنشاء أحبار التجفيف السريع، وكان من المُمكِن أنْ يُساعدهم ذلك في فهم عملية تصنيع هذه الأحبار المُتخصِصة، وكذلك سيُساعدهم على تجميع المعلومات حول المزيد من الخفايا في العصور القديمة.
وفي السنوات الأخيرة، كان هنالك اهتمام مُتزايد بتاريخ صناعة الأحبار، وأثبت الفريق الدانماركي أنَّ القُدماء المصريين كانوا قادة ورُواد في إنتاج الأصباغ المُتخصِصة، ووفقًا لدراسة الفريق أنه وُجِد كذلك أنَّ المصريين القُدماء صنعوا حبرًا غير مَرئي!
كتابة: آية ياسر
مراجعة: سارة صلاح
تحرير: أسماء مالك
تصميم: آية الطيب