الفيزياء والفلك

الحلم الاستعماري للمريخ قد يكون قريبًا، فهل هذا ممكن

لأجيال كثيرة، يحلم الكثيرون باليوم الذي سيكون من الممكن وضع أول قدم بشرية على سطح المريخ. وكما نعلم جميعًا أنه في السنوات الماضية كشفت العديد من المركبات المدارية والهبوطية وأيضًا الطوافة عن أدلة وجود مياه في الماضي قد كانت على سطح المريخ، وقد غذت هذه النتائج الرغبة في إرسال بعثات مكلفة إلى المريخ عن مقترحات لإنشاء مستعمرة هناك.

 

يبدو هذا الحماس قليلًا عندما تفكر بجدية في جميع التحديات التي تطرحها البيئة المريخية. بالإضافة إلى كونه باردًا جدًا وخاضع للكثير من الإشعاع، فإن سطح المريخ اليوم جاف للغاية أيضًا. وفقًا لدراسة جديدة قادها باحثون من مركز أبحاث “أميس” التابع لوكالة ناسا، فإن تربة المريخ أكثر جفافًا 1000 مرة من بعض المناطق الأكثر جفافًا على الأرض.

 

ظهرت الدراسة بعنوان “القيود على النشاط الاستقلابي للأحياء الدقيقة في التربة السطحية لصحراء أتاكاما المستنبطة من المؤشرات الحيوية الحرارية: والآثار المترتبة على سلامة المريخ واكتشاف المؤشرات الحيوية”، ظهرت مؤخرًا في مجلة علم الأحياء.

وقد قاد هذه الدراسة أعضاء من مركز أبحاث “أميس” التابع لوكالة ناسا، وشملت الدراسة أيضًا باحثين من معهد جورجيا للتكنولوجيا، ومركز “كارل ساجان” بمعهد “SETI” للتكنولوجيا، ومركز “Goddard” للطيران الفضائي التابع للناسا، مركز (centro de) INTA-CSIC، ومعهد “Massachusetts” للتكنولوجيا.

 

ومن أجل دراستهم، سعى فريق البحث إلى تحديد ما إذا كانت الكائنات الحية الدقيقة قادرة على البقاء تحت الظروف الجوية الموجودة على المريخ.

للإجابة على هذا السؤال، سافر الفريق إلى صحراء “أتاكاما” في تشيلي، وهي قطعة من الأرض مساحتها 1000 كم (620 ميل) على الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية. مع معدل هطول الأمطار من 1 إلى 3 ملم (0.04 إلى 0.12) في السنة، وتُعرَف صحراء “أتاكاما” بأنها المكان الأكثر جفافًا في العالم.

 

ومع ذلك، فإن صحراء “أتاكاما” ليست جافة بشكل موحد، وتتعرض لمستويات مختلفة من الأمطار حسب خطوط العرض. من الطرف الجنوبي إلى الطرف الشمالي، تتحول الأمطار السنوية من بضعة مليمترات من المطر سنويًا إلى بضعة مليمترات من المطر كل عشر سنوات.

توفر هذه البيئة فرصة للبحث عن الحياة في مستويات متناقصة من الهطول؛ مما يسمح للباحثين بوضع قيود على بقاء الكائنات الحية الدقيقة.

 

في الطرف الشمالي من الصحراء (في ما يُعرَف بمنطقة أنتوفاجاستا) حيث تصبح الظروف أشبه ما يكون بالمريخ. هناك يبلغ متوسط ​​هطول الأمطار السنوي 1 ملم في السنة فقط، مما جعلها وجهة مناسبة للعلماء الذين يتطلعون إلى محاكاة بيئة مشابه لبيئة المريخ.

ولم يتم الاكتفاء بذلك وبالإضافة إلى معرفة ما إذا كانت الميكروبات قادرة على البقاء في هذه الظروف الجافة، سعى الفريق أيضًا إلى تحديد ما إذا كانت قادرة على النمو والتكاثر أم لا.

 

وكما أوضحت “ماري بيث ويلهلم” (Mary Beth Wilhelm) وهي عالمة فسيولوجية أسترالية في معهد “جورجيا” للتكنولوجيا، ومركز أبحاث “أميس” التابع لناسا، والمؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة في نشرة صحفية حديثة لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا): «على الأرض، نجد دليلًا على وجود حياة جرثومية في كل مكان. ومع ذلك، في البيئات القاسية، من المهم معرفة ما إذا كان الميكروب خاملًا وبالكاد ينجو، أو حيًا وبصحة جيدة، من خلال تعلم ما إذا كانت الميكروبات تبقى حية في المناطق الجافة للغاية؟
على الأرض، نأمل أن نفهم بشكل أفضل ما إذا كان كوكب المريخ في يوم من الأيام يعيش حياة جرثومية وما إذا كان يمكن أن يستمر حتى اليوم».

 

بعد جمع عينات من التربة من صحراء “أتاكاما” وإعادتها إلى مختبرهم في “أميس”، بدأ فريق البحث بإجراء اختبارات لمعرفة ما إذا كانت عينات الكائنات الحية الدقيقة الخاصة بهم تُظهِر أي مؤشر على علامات الإجهاد على الكائنات الدقيقة.

هذه هي الطريقة الرئيسية التي يمكن أن تَظهَر بها الحياة في النمو؛ لأن الكائنات الحية في حالة خاملة (أي التي لا تزال على قيد الحياة فقط) لا تُظهِر أي علامات للإجهاد.

 

على وجه التحديد، بحثوا عن تغييرات في هيكل الدهون من الخلايا الخارجية الأغشية التي عادة ما تصبح أكثر جمودًا في الاستجابة للإجهاد. ما وجدوه هو أنه في الأجزاء الأقل جفافًا في صحراء “أتاكاما”، كانت علامة الضغط هذه موجودة، ولكن من الغريب أن هذه العلامات نفسها كانت مفقودة في المناطق الصحراوية الأكثر جفافًا حيث تكون الميكروبات أكثر إجهادًا؛ وبناءً على هذه النتائج وغيرها، توصل الفريق إلى أن هناك خطًا انتقاليًا للكائنات الحية الدقيقة في بيئات مثل صحراء “أتاكاما”.
على جانب واحد من هذا الخط، يكفي وجود كميات صغيرة من الماء لكي تبقى الكائنات الحية قادرة على النمو. وعلى الجانب الآخر، تكون البيئة جافة لدرجة أن الكائنات الحية يمكنها البقاء على قيد الحياة ولكنها لن تنمو وتتكاثر.

 

وتمكن الفريق أيضًا من العثور على أدلة على وجود ميكروبات كانت قد ماتت في عينات التربة في “أتاكاما” لما لا يقل عن 10000 سنة. وتمكنوا من تحديد ذلك من خلال فحص الأحماض الأمينية للميكروبات، وهي اللبنات الأساسية للبروتينات، وفحص معدل تغير هيكلها.
كان هذا الاكتشاف مفاجئًا إلى حد ما، حيث رأى أنه من النادر جدًا العثور على بقايا الحياة القديمة على سطح الأرض.

 

وبالنظر إلى أن المريخ أكثر جفافًا 1000 مرة حتى من الأجزاء الأكثر جفافًا في “أتاكاما”، فإن هذه النتائج لم تكن أنباءً مشجعة لأولئك الذين يأملون أن الحياة الميكروبية ستظل موجودة هناك.
في المستقبل، ستسعى بعثات مثل مركبة المريخ 2020 التابعة لناسا إلى شراء عينات من تربة المريخ.

 

إذا كانت “رحلة المريخ” التي اقترحتها وكالة ناسا ستتم في الثلاثينيات كما هو مخطط لها، يمكن عندئذٍ إعادة هذه العينات إلى الأرض لتحليلها. مع الحظ ستكشف عينات التربة هذه دليلًا على الحياة الماضية، وتثبت أن كوكب المريخ كان في يوم من الأيام كيانًا صالحًا للسكن!

المصدر

 

كتابة: نهاد حمدي

مراجعة: سارة محمد

تصميم: عبدالرحمن سعد

تحرير: إسلام حمدي

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى