الذاكرة الخلوية
1- خضعت (دوتي أوكوونر) من ولاية ماساتشوستس الأمريكية لعملية نقل رئة، الرئتان كانتا لمتسلقِ جبال، وأصبحت هي الأُخرى متسلقة جبال، كانت دوتي تُعاني من فوبيا المرتفعات قبل العملية!
2- تلقت (كلير سيلفيا) قلبًا من متبرعٍ مجهولٍ تُوفي في حادثِ دراجة نارية، عقب العملية كانت ترى كلير أحلامًا عن رجلٍ يُدعى تيم، بعد البحث وجدت أن هذا هو اسم المتبرع!
حسب ما ورد في كتابها (A Change of Heart).
(ديمي لي برينان) من استراليا خضعت لعملية نقل كبد، بعد 9 أشهر اكتشف طبيبها المعالج تغير فصيلة دمها لفصيلة المتبرع وأيضًا جهازها المناعي، فسر الطبيب ذلك بأن الخلايا الجذعية الموجودة بالكبد نُقلت إلى نخاع العظام الخاص بديمي، ونقلت معها معلومات عن فصيلة دم المتبرع وجهازه المناعي (نخاع العظام هو المسؤول عن تكوين خلايا وكريات الدم)، أي أن ديمي حصلت على نقل نخاع أيضًا!
كل تلك القصص والكثير غيرها، يفسرها بعض الأطباء والباحثون بنظريات عديدة تدور حول بؤرة واحدة وهي الذاكرة الخلوية، وهي فرضية تقول أن خلايا الجسد يمكنها الاحتفاظ ببعض المعلومات عن شخصية الفرد، أذواقه، تاريخه بصورة مستقلة عن الحمض النووي وعن مراكز الذاكرة في المخ.
إن ظاهرة وجود تغيرات في شخصية المستقبل موجودة بالفعل، ولكن بنسبٍ صغيرة. ففي دراسة لذلك تم إحضار 47 شخصًا ممن خضعوا لعمليةِ نقل القلب وأُجريت معهم مقابلة، والنتيجة أن حوالي 79% أقروا أن شخصياتهم لم تتغير، وفي هذه المجموعة كانت ردود أفعال الأشخاص زائدة عن الحد إما بمحاولة تغيير الموضوع أو السخرية من السؤال. وحوالي 15% أقرو بأن شخصياتهم قد تغيرت بالفعل ولكن ليس بسبب القلب المنقول، إنما بسبب ذلك الحادث المهدد للحياة الذي تعرضوا له، وفقط 6% أقرو بأن شخصياتهم تغيرت بسبب القلب المنقول.
ولكن هل يجب أن يكون التغيير جذريًا أو ملحوظًا بشدة كالسابق؟ ألا يمكن فقط أن يُوجد بعض التشابهات ولو قليلة؟
في كلية التمريض بجامعة هاواي، أقام الباحثون دراسة شملت 10 أشخاص خضعوا لنقل قلب لبحث ذلك، والنتيجة أنه يوجد تقريبًا في كل مريض حوالي صفتان إلى خمس صفات استجدت عليه تتشابه مع المتبرع! كانت عبارة عن تغيرات في تفضيلات المريض وذوقه في الموسيقى، الفن، الطعام، وسائل الترفيه وغيرها. كان من ضمن هؤلاء الأشخاص مريض تراوده كوابيسٌ عن ومضات ضوء حارة أمام وجهه مباشرةً، نعتقد أنك لن تتفاجأ إن أخبرناك أن المتبرع لذلك الشخص هو قتيل مات بطلقٍ ناري في وجهه! وعادة لا يتم الإفصاح للمتلقي عن أي معلومات خاصة بالمتبرع، وحدهم الأطباء المسموح لهم بمعرفة أي معلومات.
على الرغم من أنها لا زالت غير مفهومة علميًا بصورة كاملة ولا يوجد تفسير مؤكد بالأدلة والتجربة، فإنها مقبولة لدى الكثير من الأطباء مع اختلاف الصيغة. د. كانديس بيرت، أستاذة بقسم الفسيولوجيا والفيزياء الحيوية بجامعة جورج تاون، تقول: “إن الجسم والمخ متصلان ببعضهما البعض بواسطة مواد كيميائية تسمى (البيبتديات)، تتواجد تلك المواد في المخ والعضلات وغيرها من الأعضاء الأساسية”، وتُؤمن أنه يمكن الوصول إلى ذاكرة الإنسان من أي مكان تتواجد فيه تلك المواد، وبالتالي فإنه يمكن نقل تلك الذاكرة مع الأعضاء إلى المتلقي. لا يوجد دليل على هذا الفرض إضافة إلى أنه غير مقبول من علماء الأعصاب المختصين بدراسة الذاكرة. كما يوجد تفسير آخر وهو أن الأعصاب الخاصة بتغذية العضو المنقول تُخزن بعض المعلومات عن الجسم ويتم نقلها مع العضو إلى المتلقي، وهذا التفسير يتشابه مع ما قاله د. غاري شوارتز (كاتب وأستاذ بجامعة أريزونا).
إن كانت هذه التفسيرات صحيحة وأن الخلية تُخزن معلوماتٍ عن صاحبها حقًا، إذن لما لا تنتقل أي معلومات إلينا من الخضراوات والفاكهة التي نتناولها؟ هل لأنه يتم هضمها؟ حسنًا، لمَ لا يحدث مثل تلك التغيرات في عمليات نقل القرنية؟
إن عملية نقل الأعضاء هي نقطة تحول في حياة المتلقين، وبالتأكيد تجربة مثيرة كهذه يمكن أن تُغير شخصية المتلقي، هل يمكن أن يكون اختلط الأمر على المتلقي وأن تلك التغييرات التي بشخصيته مصدرها المتبرع؟ بما أنهم سمعوا العديد من القصص كالتي قصصناها سابقًا؟
الاعتماد على القصص وحدها لتأكيد نظرية ما شيءٌ خطرٌ كما أنه لا يُساعد على تقدم العلم، بل يسحبه لمكان أشبه بالعصور المظلمة؛ حيث كانت الخرافات والدجل هي مصدر التفسيرات للظواهر الغريبة. وأخيرًا، إن كانت نظرية الذاكرة الخلوية مجردَ علمٍ زائفٍ كما يُؤكد البعض، ما التفسير لتلك الظواهر؟
كتابة: ياسمين محمد
مراجعة: سارة مصطفى
تصميم: أمنية عبدالفتاح
تحرير: هدير رمضان