ما سبب عدم سطوع السماء ليلًا كما هي في النهار؟
إن كنت واحدًا من محبي النظر والتأمل في السماء ليلًا، فإنك ترى السماء عبارة عن فراغ مظلم مرصّع ببعض اللآلئ الساطعة بديعة المنظر، قد يراودك سؤالًا في مرة ما، وهو ماذا لو كانت السماء مليئة بهذه اللآلئ الساطعة من المؤكد أن هذا سيكون أجمل منظر طبيعي على الإطلاق، هل من الممكن أن يحدث هذا؟ وبما أن السماء مليئة بالنجوم لم لا يمكن لهذا أن يحدث؟
هذا هو بالضبط السؤال الذي راود العالم هاينريش أولبرز (Heinrich Olbers) من قبل، وهو طالما أن السماء مليئة بالنجوم، لم ليست ساطعة كما يجب أن تكون؟
قد يبدو هذا السؤال تخيليًا بسيطًا، لكنه يفتح الباب للكثير من المواضيع الهامة والكبيرة مثل عُمر الأرض، وما إن كان الكون محدودًا أم لا.
بفرض أن الكون محدود، وعمره 13.8 مليار سنة، وهو يتمدد بشكل سريع كل هذا الوقت، فإنه ينقسم إلى جزئين: جزء مرئي أو مرصود (وهو ما استطعنا رؤيته أو دراسته حتى الآن)، وجزء غير مرصود (وهو ما لم نستطع رؤيته أو اكتشاف ما فيه حتى الآن)، قدّر علماء الفضاء سابقًا بأن الكون المرئي يحتوي على قرابة 100 مليار مجرة.
حاول أربعة علماء في مرصد لايدن (Leiden) في هولندا فحص هذا الرقم، عن طريق فحص كثافة المجرات في أبعد حواف الكون، وذلك عن طريق عمل مسح لأكثر أجزاء الفضاء ظلامًا.
وجدوا من خلال تلك المسحات أن المجرات كانت موجودة بالفعل عندما كان عمر الكون ما يقارب من 400 – 700 مليون سنة، وعند حساب الأحوال الموجية لتلك المجرات، ورسمها رسمًا ثلاثيًا، وجدوا أنها كانت موجودة على أبعاد ومسافات بعيدة ومختلفة، كما وجدوا أن كثافة المجرات ارتفعت حتى وصلت إلى نقطة معينة، ثم بدأت في الانخفاض مرة أخرى.
قال الباحثون أن تلك الأرصاد والمسحات التي قاموا بها لم تصل إلى المجرات البعيدة، فهناك بعض المجرات لم يستطيعوا رؤيتها بوضوح، وهي مجرات كانت خارج تلك الأبحاث، وبافتراض أن هناك شيئًا ما كان يعيق رؤيتهم، فقد قدّروا عدد المجرات بـ 2 تريليون مجرة بدلًا من 100 مليار.
ووجد كريستوفر كونسيليس (Christopher Conselice) المشرف على تلك الدراسة أنه من المحير أن أكثر من 90% من المجرات في الكون لم تتم دراستها بعد.
ولكن ما الذي يخفي هذه المجرات؟ هذا السؤال يعيدنا مجددًا إلى مفارقة أولبرز،
هناك ثلاثة احتمالات لحل تلك المفارقة:
1- الكون محدود، أي أنه ينتهي عند نقطة ما.
2- ينقطع ضوء النجوم بعد مسافات كبيرة.
3- لم يكن هناك ما يكفي من الوقت للضوء ليصل إلينا من أبعد النجوم.
قبل هيانريش أولبرز، طرح عالم الفلك الألماني يوهانس كبلر (Johannes Kepler) هذا السؤال، وأجاب على حد اعتقاده بأن الكون يمتد لمسافة محددة، فعند اصطدام خط البصر بهذه الحدود، فإنه لا يرى إلا مساحة فارغة، أي أن كبلر يدعم الرأي الأول.
من بعد كبلر، حاول العلماء إيجاد حلًا لهذا السؤال، منهم العالم أولبرز الذي اقترح بأن ضوء النجوم يُمتص أثناء السفر في الفضاء حتى يختفي، لذا؛ عند النظر إلى السماء وإلى مسافة بعيدة جدًا، ينقطع الضوء فلا يصل إلينا، وهذا يدعم الرأي الثاني.
أما الرأي الثالث، فقد دعمه الكاتب الأمريكي إدغار آلان بو (Edgar Allan Poe) الذي يعتقد أن الكون غير محدود، بالنظر لعمر الكون، وبما أن الضوء يتحرك بسرعة محدودة فلا يتوفر الوقت لكي يصل إلينا ضوء نجم يوجد في أبعد نقاط الفضاء.
كل ذلك داخل حدود الكون المرئي بالنسبة لنا، وبما أن الكون يتوسع باستمرار، ومع مرور الوقت يزداد هذا التسارع، وبذلك مع الوقت قد تبعد وتخرج أجزاء من الكون المرئي، كالنجوم والمجرات؛ لتدخل في حدود لا يمكننا رؤيتها، حيث تتحرك هذه الأجزاء بسرعة أكبر من سرعة الضوء على سبيل المثال، إذا سافر فوتون من كوكب الأرض إلى الفضاء، فلن يتمكن أبدًا من الوصول إلى أي منطقة في الفضاء تبعد أكثر من 15 مليار سنة ضوئية، حيث يتوسع الفضاء بعد هذه النقطة بشكل أسرع من سرعة الضوء، وإذا استمر هذا الأمر إلى وقت غير معروف، سيتقلص أفق الأجزاء التي نستطيع رؤيتها ودراستها إلى حد غير معروف.
أمّا إذا لم يكن التسارع يمر بشكل سريع للغاية، فمع الوقت، قد نكون قادرين في النهاية على رؤية كل شيء في الكون.
كتابة: سارة محمد
مراجعة: هدير أحمد
تحرير: شيماء ربيع