ما الذي بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يقدمه خلال جائحة فيروس كورونا؟
لقد قيل الكثير عن الذكاء الاصطناعي وإمكانياته الهائلة لإحداث ثورة علمية في الحياة، ولكن، إذا أردنا أن نحدد مجالًا معينًا واعدًا أكثر من غيره، فإنه حتمًا سيكون صناعة الرعاية الصحية. من بين الاستخدامات العديدة المقترحة للأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي والمطبقة في مجال الرعاية الصحية: تطوير العقاقير، والتشخيص المبكر، والعلاجات المتقدمة.
وبالتالي، فليس من المدهش أن يلجأ الناس إلى الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم عندما يضرب العالم وباء مثل فيروس كورونا، وتزعم بعض التقارير أن حلول الذكاء الاصطناعي مثل: “HealthMap” أو خوارزميات “BlueDot” حذرت من تفشي فيروس كورونا قبل تسعة أيام من إقرار منظمة الصحة العالمية بذلك رسميًا.
لقد قيل أن بعض الخوارزميات الآلية يمكنها رصد COVID-19 من عمليات التصوير المقطعي بالكمبيوتر (CT)، ولكن هذا ليس كل شيء، حيث تُستخدم قدرات المعالجة للذكاء الاصطناعي للمساعدة في تطوير لقاح لفيروس كورونا.
إذن، هذا خبر رائع، أليس كذلك؟ حسنًا، دعونا لا نخرج باستنتاجات هنا، ففي حين أن كل ما سبق هي عبارات صحيحة عن الذكاء الاصطناعي الحالي، إلا أنها سرعان ما تكون ذات مضمون ليس له قيمة كبيرة، على سبيل المثال: أبلغت الفِرَق البشرية بتفشي مرض في نفس اليوم الذي علِمت فيه حلول الذكاء الاصطناعي لهذا المرض، بعد ثلاثين دقيقة فقط. قد تساعد الخوارزميات الآلية التي يمكنها تحليل عمليات التصوير المقطعي بالكمبيوتر (CT) في التشخيص ولكنها لن تحدث فارقًا كبيرًا في اكتشاف المرض في مراحله الأولى، ومن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي سوف يعمل على تسريع عملية تطوير اللقاحات، ولكنه لن يجعل العملية سريعة إلى حد المعجزة، حيث سيستغرق الأمر شهورًا.
قد يبدو حديثنا السابق دافعًا للتشاؤم، ولكنه يحمل حقائق لابد من أن يتم طرحها بصوت عالٍ لتجنب الوقوع ضحية للدعاية الصاخبة، أو بعبارة أخرى، يتعين علينا تجنب الوقوع في الأمور المبالغ فيها.
ليس بوسعنا أن نعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي لإنقاذنا من فيروس COVID-19 الحالي؛ لأن التكنولوجيا لم تبلغ مرحلة النضج بعد حتى تصبح دفاعنا الوحيد ضد المرض، ولكن لا ينبغي لنا أن نتجاهل هذا الخيار باعتباره خيارًا مفيدًا جدًا.
من المهم التحدث عن نقطة يمكن الإشارة إليها في استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الأزمة اليوم، فمن خلال تطوير البرمجيات نستطيع أن نبني خوارزميات أفضل تساعدنا بكل تأكيد في حالات تفشي الأوبئة في المستقبل، من خلال ثلاث نواحٍ على الأقل، وهم التوقع والتشخيص والعلاج، ولكننا ما زلنا في احتياج إلى أمرين، الأول: تعلم أكبر قدر ممكن من هذا الوباء، واستخلاص كم معلومات كبير من أجل تصميم أفضل لحلول الذكاء الاصطناعي في المستقبل، والثاني: إدخال بعض التغييرات الأقل تكنولوجية والأكثر اجتماعية، فالأمر لا يخلو من أبعاد اجتماعية خطيرة.
الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالجائحة
تعتمد الحلول الحالية المستندة إلى الذكاء الاصطناعي المستخدمة للتنبؤ بتفشي المرض على تحليل تقارير وأخبار الرعاية الصحية من جميع أنحاء العالم، فمن خلال مراقبة مصادر المعلومات المتعددة، يصبح بوسعهم أن يحذروا من زيادة عدد حالات الأمراض الخاضعة للمراقبة أو الأنماط الصحية المشبوهة، التي تتراوح بين تهديدات معروفة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والإيبولا، إلى أمراض مجهولة مثل فيروس كورونا، ثم يتم الجمع بين كل هذه المعلومات وبيانات السفر للتنبؤ بمخاطر العبور لدى الأشخاص القادمين والمغادرين من المناطق المصابة وإليها.
مشكلة البيانات مع حلول الذكاء الاصطناعي هي ما مدى موثوقية هذه المعلومات؟ والأمر ليس مسألة صدق فحسب، فرغم أن الحكومات قد يكون لديها مصلحة في الحد من تأثير الوباء، فإن حتى أكثر هذه الحكومات شفافية لا يمكنها أن تكون على يقين من دقتها، لأنه لا يوجد أي دولة في العالم قامت باختبار كامل سكانها.
عدم الدقة في البيانات الواردة مما يؤدي إلى حدوث ضوضاء، تؤدي إلى أخطاء وتنبؤات خاطئة أو غير مكتملة، أو بعبارة أخرى، لا نستطيع أن نعتمد على الذكاء الاصطناعي في حالته الحالية، ولزيادة الموثوقية، من الضروري الحصول على معلومات عالية الجودة، بتطبيق آليات صارمة ودقيقة، وهذا أمر يمكن تحقيقه من خلال القيام بما يلي:
1- زيادة مساحة الاختبار؛ لتغطية عدد الأشخاص أكبر.
2- مشاركة البيانات الشخصية من الجمهور مع الشركات والحكومات.
أما التحديات الأخرى (الاجتماعية)، فهي أكثر صعوبة في التعامل معها، ولأن حلول الذكاء الاصطناعي التي تتوقع الأوبئة تحتاج إلى معلومات من كل الناس والبلدان، فإن أي شخص يفشل في توفيرها من الممكن أن يعتبر خطأً محتملًا نحو التقدير النهائي، وبالتالي فهي عملية غاية في الدقة، وهذا هو ما حدث بالفعل، فهناك الكثير من الناس والحكومات التي تعارض بشدة التخلي عن المعلومات الحساسة، حتى مع هدف مشترك ومهم مثل التنبؤ بالأوبئة، مما يؤدي إلى عرقلة جمع البيانات الكافية لصالح الذكاء الاصطناعي وحل المشكلة.
تشخيص أفضل باستخدام الذكاء الاصطناعي
إذا كنت قد قرأت مقالًا من قبل عن استخدامات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، فأنت بذلك قد قرأت بشكل قاطع كيف يمكن أن يساعد في اكتشاف كافة أنواع الأمراض، حتى في مراحلها المبكرة، فمن خلال تحليل التصوير الطبي، وفحص الأعراض، ومقارنة الملايين من السجلات الطبية، تستطيع خوارزمية التعلم الآلي تشخيص الأمراض قبل أن يتمكن الطبيب البشري من التشخيص، وهذا هدف واعد للغاية.
تنمية العلاج في جائحة كورونا
والآن بعد أن أصاب الفيروس عددًا كبيرًا من البشر، فهناك سباق متزامن لتحسين التشخيص وإيجاد العلاج. يساعد الذكاء الاصطناعي بالفعل في إيجاد علاج، لأنه أحد الاستخدامات التي تم توسيع نطاقها في صناعة الرعاية الصحية في عصر ما قبل الوباء، ومن خلال توظيف خوارزميات التعلم العميق، يمكن للمختبرات والباحثين تحليل كمًّا هائلًا من الهياكل البيولوجية والجزيئية للعثور على علاجات محتملة.
بضع كلمات أخيرة عن الذكاء الاصطناعي وكورونا
إذا كان هناك شيء ما يمكن أن نخرج به من كل هذا، فسيكون أن الذكاء الاصطناعي ليس المنقذ الذي يعتقده البعض -على الأقل ليس في الحالة الراهنة-.
لا يعني هذا أن الذكاء الاصطناعي عديم الفائدة، من المؤكد أنه يساعد في معركة اليوم، والخبرة التي تم جمعها هنا من الممكن أن تساعد بلا أدنى شك في تطوير آلة أكثر تطورًا وخوارزميات تعلم عميقة قادرة على مساعدتنا في مكافحة الأوبئة في المستقبل.
كتابة: سمية عبد القوي
مراجعة: شيماء وصفي
تحرير: شدوى محمود