استكشافات الثقوب السوداء المذهلة في 2020!
يمر الفلكيون حاليًا بما يمكن تسميته “العصر الذهبي” فيما يخص المعرفة المكتشَفة حول موضوع الثقوب السوداء؛ فمنذ عام 2015، تمكن الباحثون من الحصول على إشارات مباشرة من دمج الثقوب السوداء باستخدام مقياس التداخل بالليزر، وذلك عن طريق رصد الموجات الثقالية، في حين استطاعت بعض المراصد التقاط بعض الصور لظلال الثقوب السوداء عن طريق استعمال تليسكوبات أفق الحدث. ولم يكن هذا العام استثناء أبدًا؛ فطوال السنوات الماضية، عرف موضوع الثقوب السوداء استكشافات مذهلة قربتنا أكثر لمعرفة ماهية هذه الأجسام.
وهنا، نلقي نظرة على بعض نتائج الثقب الأسود الأكثر إثارة لعام 2020…
جائزة نوبل في الفيزياء 2020 تذهب إلى الثقوب السوداء
لقد كان هذا العام رائعًا من أجل تحقيق المزيد من الاستكشافات والبحوث فيما يخص الثقوب السوداء، ولروعة هذه الاستكشافات، استحق القائمون عليها جائزة نوبل للفيزياء، وقد سُلِّمَت هذه الجائزة في أكتوبر إلى ثلاثة فيزيائيين قد أوضحوا في استنتاجاتهم طريقة حياة هذه الكيانات الكونية الغامضة.
حصل “روجر بنروز – Roger Penrose” -من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، على نصف الجائزة- لاكتشافه أن تكوين الثقب الأسود هو تنبؤ قوي لنظرية النسبية العامة، بينما شاركته “أندريا غيز – Andrea M. Ghez” -من جامعة كاليفورنيا- و”رينهارد جينزيل – Reinhard Genzel” -من جامعة بون ومعهد ماكس بلانك للفيزياء- النصف الآخر، وذلك لاكتشافهما جسمًا مضغوطًا فائق الكتلة في مركز مجرتنا، وفقًا للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم.
وما تجدر الإشارة إليه هو أن (أندريا غيز) هي رابع امرأة تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء بعد “ماري كوري – Marie Curie” في عام 1903، و”ماريا غويبرت ماير – Maria Göppert-Mayer” في عام 1963، و”دونا ستريكلاند – Donna Theo Strickland” في عام 2018.
الليجو والتصادم الأكبر
راقب العلماء -من خلال مرصد للأمواج الثقالية بالولايات المتحدة الأمريكية وآخر بأوروبا- الثقوب السوداء من خلال موجات الجاذبية، وقد حقق هذا بالفعل عددًا من الاكتشافات المثيرة للإعجاب؛ فقد لُوحِظت تموجات هائلة في نسيج الزمكان منبعثةً عندما تتأرجح الأجسام الضخمة.
لكن في شهر مايو، أعلن العلماء أنهم رصدوا أكبر تصادم للثقوب السوداء على الإطلاق، فقد اصطدم اثنان تبلغ كتلة أولهما 85 ضعف كتلة الشمس، والآخر 66 ضعف كتلة الشمس، ما أدى لتشكيل ثقب أسود يبلغ 142 ضعف كتلة الشمس. وبالإضافة إلى السجلات، كانت النتيجة هي الأولى فيما يُسمَّى بـ “المنطقة المحظورة” للثقوب السوداء المتوسطة الوزن.
على الرغم من أن علماء الفلك قد رأوا ثقوبًا سوداء صغيرة بحجم شمسنا تقريبًا، ويعرفون أنه من الممكن وجود ثقوب هائلة تزيد عن كتلة الشمس بملايين المرات في مراكز المجرات، إلا أنه لم يعثر أحد في السابق على أدلة تثبت وجود ثقوب سوداء في هذا النطاق المتوسط. ولا أحد يعرف بالضبط كيف تكونت، ويبقى تشكُّلها لغزًا ما زال العلماء يعملون جاهدين لحله.
الثقوب السوداء البدائية
بعد وقت قصير من الانفجار العظيم، تخلل الكون إشعاع ساخن ومضطرب، ففي بعض المناطق، كانت الطاقة المنبعثة من هذا الانفجار كثيفة بما فيه الكفاية لتشكّل ثقبًا أسودًا. في حين أن الفيزيائيين ما زالوا لا يعرفون ما إذا كانت هذه الكيانات، المعروفة باسم الثقوب السوداء البدائية موجودة فعلًا، فقد تم مؤخرًا التفكير فيما سيحدث إذا كانت هذه النظرية صحيحة. ومن أجل هذا، فقد اُقترحت عدة مقالات، بما في ذلك واحدة نُشرت في نوفمبر، مفادها أن هذه الثقوب السوداء البدائية ستكون أصغر من تلك التي تشكلت من النجوم المحتضرة، ويمكن لهذه الثقوب أن تشكل المادة المظلمة، وهي مادة غير معروفة تمارس تأثيرًا جاذبيًا في جميع أنحاء الكون.
وحتى الآن، ما زال العلماء يجرون تجارب بحث تقصد التأكد من صحة هذه النظريات أو دحضها بصفة نهائية.
ثقوب سوداء ضخمة
ماذا لو تضخمت الثقوب السوداء الضخمة الواقعة في مراكز المجرات بشكل لا يصدق؟ هذا ما اقترحه الباحثون في مقال صدر في سبتمبر الماضي، وقد تمت مناقشة إمكانية وجود تقوب سوداء ضخمة أكثر من الثقوب المتعارف عليها. هذه الكيانات سوف تزن ما لا يقل عن 1 تريليون مرة من كتلة الشمس، 10 مرات أكبر من أكبر ثقب أسود معروف حاليًا. يمكن أن تكون بعض الثقوب قد تشكلت في بداية تشكل الكون، مما يجعلها فئة أخرى من الثقوب السوداء البدائية، مما يعني أننا قد نكون قادرين على رؤية بصمات هذه الثقوب، وهي عبارة عن بقايا خفيفة تشكلت عندما كان كوننا يبلغ 380,000 سنة فقط.. لا يزال هذا المفهوم افتراضيًا محضًا في الوقت الحالي، ولكنه يجذب المزيد من الاهتمام.
اصطدام استثنائي
تتشكل غالبية ثنائيات الثقوب السوداء التي اكتشفها العلماء عبر تصادم ثقوب سوداء لها نفس الكتلة تقريبًا. ولكن في أبريل، أعلن التعاون أنهم لاحظوا أكثر من تحطم، حيث الثقبين المصطدمين غير متماثلي الكتلة، وقد كانت الأجسام التي تصادمت معًا على بعد حوالي 2.4 مليار سنة ضوئية، اعتقد كريستوفر بيري (Cristopher Perry)، عالم موجات الجاذبية في جامعة نورث وسترن، أن مثل هذا الحدث غير المتوقع نادر بما فيه الكفاية لتحدي كل الافتراضات السابقة، وهذا ما دفع الباحثين إلى النظر في إمكانية الاندماج الهرمي كتفسير، حيث يصطدم ثقب أسود مع ثقب آخر، ثم تستمر البقايا الناتجة في الاندماج مع ثقب أسود آخر ثالث.
ثقب أسود مميز
يختبئ الثقب الأسود المكتشف حديثًا على بعد 1000 سنة ضوئية من الأرض في كوكبة التلسكوبيوم الجنوبية، وهو أقرب بثلاث مرات من حامل الرقم القياسي السابق. لا يستطيع علماء الفلك مراقبة هذا الثقب الأسود نفسه مباشرة، لكنهم تمكنوا من استنتاج وجوده بناءً على كيفية تأثير الجاذبية على الأجسام الأخرى في النظام، والتجاذب المطبق عليهم.
لكي يتشكل الثقب الأسود، يجب أن تنهار المادة والطاقة ليصلا إلى نقطة صغيرة من الكثافة اللانهائية. بما أن اللانهائية مستحيلة تطبيقيًا، فقد سعى العلماء منذ فترة طويلة إلى طريقة للتغلب على مثل هذه النتيجة الغريبة. وفقًا لنظرية الأوتار، التي تحل محل جميع الجسيمات والقوى، قد تتحول الثقوب السوداء في الواقع إلى شيء أغرب، كرة تشبه الخيوط الغامضة من الأوتار الأساسية. في أكتوبر، أظهرت دراسة أنه إذا كانت الذرات في النجوم النيوترونية، نوع من البقايا النجمية، ليست كثيفة بما يكفي لتشكيل ثقب أسود، فهي في الواقع تجتمع لتشكل مجموعة من السلاسل، وضغط هذه السلاسل معًا لن يشكل في الواقع ثقبًا أسودًا، بل كرة تبدو مثل كرة الغزل الأساسية المذكورة أعلاه. لم يتم بعد بلورة الفكرة الغريبة بالكامل، ولكنها بديل واحد ممكن للتعامل مع اللانهاية.
أفق الحدث
وفقًا للفيزيائيين، يجب أن يكون كل ثقب أسود محاطًا بما يعرف باسم أفق الحدث -وهو حد عندما تسقط فيه الأجسام الأخرى، فلن تستطيع الخروج أبدًا- ومع ذلك، منذ أن تم افتراض الثقوب السوداء لأول مرة، تساءل الباحثون عما إذا كان أفق الحدث ضروريًا للغاية. هل يمكن أن يكون هناك ثقب أسود بدون ثقب أو ما يسمى الثقب الأسود “العاري”؟ قد يكون هذا خطيرًا لأن قوانين الفيزياء المعروفة تنهار داخل أفق حدث الثقب الأسود، ولن يوفر الثقب الأسود العاري حماية هذا الحاجز. على الرغم من أن معظم العلماء يعتقدون أن هذا مستحيل في عالم الثقوب السوداء، ولكن، فقد تم اقتراح نظرية في نوفمبر الماضي تحث على البحث عن طريقة للتأكد. الحيلة هي البحث عن الاختلافات في أقراص التراكم، أو حلقات الغاز والغبار التي تشكّلت قريبًا من الثقب الأسود، والتي يمكن أن تشير إلى وجود فرق واضح بين الثقوب السوداء العارية والعادية.
بيانات جديدة
جاء عيد الميلاد في وقت مبكر من هذا العام لعلماء الثقوب السوداء. ففي أكتوبر، تم إصدار كتالوجًا جديدًا وافرًا لعشرات إشارات موجات الجاذبية التي تم اكتشافها بين أبريل وسبتمبر 2019. تضمنت 39 حدثًا، والعديد من النتائج المثيرة للاهتمام، مثل اندماج الثقب الأسود الهائل الذي أدى إلى بقايا تصل إلى 142 كتلة شمسية، الحدث غير متوازن للغاية خاصة مع وجود كتل تبلغ ثمانية وثلاثين مرة من الشمس، وكذا جسم غامض يبدو أنه إما ثقب أسود صغير، أو نجم نيوتروني كبير.
كان الباحثون سعداء بالبيانات، والتي أظهرت أن المرافق كانت تلتقط في المتوسط إشارة جديدة واحدة كل خمسة أيام، وتخطط لاستخدامها لفهم سلوك وتواتر عمليات دمج الثقوب السوداء بشكل أفضل.
المصادر: 1
كتابة: ليلى الدريس
مراجعة: أحمد مغربي
تدقيق لغوي: إسراء وصفي