هل تستحق الاستكشافات الفضائية كل تلك الأموال الضخمة؟
البعض يتساءل.. هل حقًا الاستكشافات الفضائية تستحق كل تلك الأموال المنفقة عليها؟ أليس من الأحق أن تُصرف كل تلك الأموال على مساعدة البشر داخل هذا الكوكب، بدلًا من أن تُصرف على استكشافات مجهولة المصير؟ هذه هي وجهة نظر العديد من الناس حول تلك الاستكشافات الفضائية، ولكن لو كانت تلك وجهة النظر سديدة، إذًا لماذا لا يزال البشر مستمرين في إنفاق كل تلك المبالغ المهولة على الاستكشافات الفضائية؟
حجم الصرف
دعونا نعترف أولًا أن حجم الصرف على الاستكشافات الفضائية مهول وضخم للغاية، فمثلًا يتطلب إرسال روبوت للفضاء ملايين الدولارات، ومليارات الدولارات لإرسال رواد فضاء إلى مدار كوكبنا، ويمكن أن يصل إلى مئات مليارات من الدولارات في حالة أن أردت إرسال رواد فضاء إلى أقرب الأجرام السماوية.
كم تكون تكلفة إرسال قمر صناعي للفضاء؟
باستخدام “Falcon 9” الذي يبلغ ارتفاعه 230 قدمًا، تتقاضى شركة “SpaceX” مبلغ 62 مليون دولار لإرسال أقمار صناعية تجارية إلى المدار يصل وزنها إلى 50000 رطل، أقرب منافس أمريكي هو شركة “United Launch Alliance Atlas V”، الذي يبدأ بسعر 73 مليون دولار لحمولة 41000 رطل.
هذه مجرد أسعار ابتدائية، تدفع الوكالات الحكومية عادةً أكثر مقابل قائمة طويلة من الخدمات الإضافية.
القوات الجوية، على سبيل المثال دفعت لـ “SpaceX 96.5” مليون دولار لإطلاق قمر صناعي GPS في عام 2019.
ماذا عن الوصول إلى محطة الفضاء الدولية؟
منذ أن أوقفت وكالة ناسا رحلاتها الفضائية في عام 2011، اعتمدت ناسا على مركبة الفضاء الروسية “سويوز” لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، بادرت روسيا على رفع سعر مقاعد سويوز “Soyuz” بشكل مبالغ فيه، لتصل إلى 82 مليون دولار لكل مقعد في عام 2015، وكانت آخر مرة اشترت فيها الوكالة مقاعد سويوز مقابل 75 مليون دولار لكل مقعد في عام 2017.
أنهت ناسا اعتمادها على روسيا في نقل رواد الفضاء لمحطة الفضاء الدولية، عندما نجحت “SpaceX” في نقل رواد الفضاء بنجاح إلى محطة الفضاء الدولية في نوفمبر الماضي.
كم سأدفع مقابل رحلة إلى الفضاء؟
هذا يعتمد على المكان الذي تذهب إليه، يمكن أن يكون سعر التذكرة من 250 ألف دولار إلى عشرات الملايين من الدولارات.
إذا كنت تبحث ببساطة عن عبور خط كرمان الذي يبلغ ارتفاعه 62 ميلًا، والذي يُمثل الحد الفاصل بين الغلاف الجوي العلوي والفضاء الخارجي، فإن شركة “Virgin Galactic” تقول إنها ستأخذك إلى هناك مقابل 250 ألف دولار. تقول الشركة إن حوالي 650 شخصًا لديهم بالفعل تذاكر للرحلات شبه المدارية، على متن مركبة مجنحة تسمى “SpaceShipTwo”، لم يتم الإعلان عن موعد رحلات العملاء.
تخطط شركة “Blue Origin” للصواريخ التي يمتلكها جيف بيزوس لشيء مشابه، وهو إرسال سائحين في الفضاء في رحلات قصيرة شبه مدارية باستخدام نظام صاروخ شيبرد الجديد. لم تحدد الشركة بعد أسعار التذاكر، أو تحدد موعد بدء الرحلات المدفوعة منذ عام 2001 إلى عام 2009، عملت شركة “Space Adventures” في فيينا بولاية فرجينيا مع وكالة الفضاء الروسية لإرسال ثمانية أشخاص إلى محطة الفضاء الدولية في رحلات استغرقت 10 أيام أو أكثر، يُقال إن أول رائد فضاء خاص في العالم، وهو مهندس أمريكي ثري يُدعى دينيس تيتو “Dennis Tito”، دفع 20 مليون دولار لقضاء ثمانية أيام في الفضاء في عام 2001، وفي الآونة الأخيرة، دفع جاي لاليبرتي “Guy Laliberté”، المؤسس المشارك لـ “Cirque du Soleil”، مبلغ 35 مليون دولار لرحلة إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2009، لا تزال شركة “Space Adventures” تعلن عن رحلات، وتخطط لبدء حجز الرحلات إلى محطة الفضاء الدولية على متن “Starliner من Boeing”.
في سبتمبر 2018، أعلن إيلون ماسك “Elon Musk”، الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس”SpaceX”، أن الملياردير الياباني يوساكو مايزاوا “Yusaku Maezawa” سوف يركب مركبة Big Falcon Rocket في رحلة حول القمر، لم يناقش ماسك ولا مايزاوا -اللذان قالا أنه سيصطحب سبعة فنانين- تكلفة المهمة.
ماذا عن الصواريخ الأخرى؟
قد تكون الأقمار الصناعية الصغيرة مؤهلة لرحلة مجانية إلى الفضاء من خلال برنامج الإطلاق التعليمي للأقمار الصناعية النانوية التابعة لوكالة ناسا، والذي يساعد الجامعات والمجموعات البحثية على إطلاق أقمار صناعية قياسية تسمى “CubeSats” على متن الصواريخ كحمولات ثانوية، إذا لم يستطع القمر الصناعي الخاص بك توصيل رحلة مجانية، فيمكنك حجز صاروخ ناسا إلى حافة الفضاء مقابل أقل من مليون دولار. بالنسبة للرحلات المدارية التي تقل حمولتها عن 500 رطل، تقدم شركة “Rocket Lab” ومقرها لوس أنجلوس إطلاق صاروخها الإلكتروني “Electron” من نيوزيلندا مقابل حوالي 5 ملايين دولار.
من هناك، يرتفع السعر بشكل حاد، يمكن لصاروخ بيغاسوس “Pegasus” التابع لشركة نورثروب جرومان “Northrop Grumman”، والذي يتم إطلاقه من بطن طائرة جامبو، وضع 1000 رطل في المدار مقابل حوالي 40 مليون دولار. تخطط شركة ستراتولونش -وهي مشروع ممول من قبل الشريك المؤسس لشركة مايكروسوفت بول ألين “Paul Allen”- لإطلاق صواريخ بيغاسوس من طائرتها العملاقة قبل تقديم مجموعة موسعة من الصواريخ القادرة على حمل ما يصل إلى 13000 رطل. الشركة لم تكشف عن الأسعار، تعمل ناسا على تطوير نظام الإطلاق الفضائي الخاص بها، والذي سينقل رواد الفضاء إلى القمر والمريخ. لم يتم الكشف عن تكلفة كل إطلاق للصاروخ، لكن الوكالة تنفق الآن ما لا يقل عن 2 مليار دولار سنويًا على المشروع.
كيف تساعدنا تلك الرحلات والاستكشافات الفضائية؟
بعيدًا عن السياحة الفضائية، والمبالغ المهولة التي ستصرف في تلك المشاريع. كيف ستساعدنا تلك المحاولات لاستكشاف الكون؟ ولماذا نحتاج الذهاب للمريخ؟ وكم عدد الصور التي نحتاجها للمجرات والنجوم؟ هل يمكن إنفاق هذا المال بشكل أفضل في قطاعات أكثر قيمة -كما يُدّعى- مثل التعليم والصحة؟
مبدأيًا، لا تستطيع إلغاء مجال ضخم مثل الفضاء مرة واحدة، لا تتجمع الصواريخ وأدوات الرحلات الفضائية من تلقاء نفسها، لقد تم تصميمها وبناؤها من قبل أشخاص يتقاضون رواتب، يتم تصنيعها من مكونات يجب تصنيعها ثم شراؤها، يشمل المجتمع المنخرط في صناعة الفضاء العلماء المتخصصين والمهندسين والمصممين وفناني الجرافيك ومحترفي تكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى نظام دعم واسع؛ الموارد البشرية، والمطاعم، والتنظيف، إلخ.
هذا هو المكان الذي يتم فيه إنفاق جزء كبير من الميزانية على الرواتب التي تخلق بدورها سوقًا لسلع وخدمات أخرى (منازل، ملابس، طعام)، بالإضافة إلى إعادة الأموال إلى الحكومة من خلال الضرائب.
في الواقع، قد يُنظر إلى وكالة الفضاء الأوروبية على أنها عملية ضخمة لتدوير الأموال، حيث يتم إعادة كل يورو تساهم به الحكومة بمقدار عشرة أضعاف إلى الدولة من حيث قيمة الوظائف المتولدة.
إن كيفية إنفاق ميزانية الفضاء هي مجرد واحدة من الفوائد الرئيسية التي تأتي من صناعة الفضاء في المملكة المتحدة، وهي واحدة من أسرع القطاعات نموًا في اقتصاد المملكة المتحدة، هناك فوائد عرضية أخرى، لأن “الفضاء” أقرب بكثير مما يُعتقد عمومًا.
عند الحديث عن الفضاء، عادة ما يفكر الناس في النجوم والمجرات، والصور الرائعة من التلسكوبات، ونيل أرمسترونج “Neil Armstrong” يمشي على القمر، وحلقات كوكب زحل، وما إلى ذلك.
إذا نظرنا أكثر إلى الوطن، فإن أسطول الأقمار الصناعية الذي يدور حول الأرض والذي -من بين أشياء أخرى كثيرة- يبث المعلومات إلى أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية، ويبث البرامج التلفزيونية، ويراقب الطقس كجزء من شبكة فضائية عالمية.
أين سنكون الآن إذا لم يكن لدينا الإنترنت؟
تلك الخدمات اليومية التي نأخذها كأمر مُسلَّم به، ونادرًا ما يتم اعتبارها “استكشاف الفضاء”.
لطالما كان الاستكشاف والفضول أمران حيويان لروح الإنسان، إن البشر مدفوعون لإستكشاف المجهول، وإكتشاف عوالم جديدة، والرغبة الغير ملموسة في تعدي حدود ما نعرفه، قد وفرت فوائد لمجتمعنا على مدار قرون عديدة.
في النهاية.. عزيزي القارئ.. وبعد كل هذا، هل ما زلت تعتقد أن الاستكشافات الفضائية والبحث العلمي في مجال الفضاء عديم الفائدة؟
كتابة: أحمد مغربي
مراجعة: هدير أحمد
تدقيق لغوي: إسراء وصفي